Pages


هل مشيخات الخليج عربية، أولاً، حتى يكون خليجها عربياً؟

تعود بين الفينة والأخرى قضية تسمية الخليج، من حيث هل هو عربي أم أجنبي، إلى الواجهة والظهور، وتبرز معارك وحوارات ومساجلات حامية الوطيس بين مؤيد

ورافض، لهذه التسمية أو تلك. وفي الحقيقة لا يمكن عزل معركة التسمية هذه اليوم عن المحاولة الغربية الحثيثة لشيطنة إيران وتهيئة الرأي العام لضربة تبدو غير محتملة وصعبة التحقيق، وكارثية التداعيات. هذه الحملة التي تقودها اليوم إعلامياً، ودبلوماسياً،

نفس هذه المنظومة التي تطالب بتعريب الخليج وكأنها آخر مشكلات الإقليم الإستراتيجية. وتعريب الخليج في الحقيقة، أيضاً، ليست قضية مصطلحات وتسميات بقدر ما هي قضية سياسات وإجراءات على أرض الواقع تحوّل الخليج في النهاية، بشكل حقيقي، من صورته وطابعه غير العربي، بالمرة، حالياً، إلى طابع وصورة وواقع عربي، والكثير من المواقف تنبع من حالات عاطفية، وقومية شوفينية، أكثر مما هي قائمة على وقائع تاريخية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا الخليج لم يكن يوماً عربي الطابع قبل أن يكون عربي الواقع.

بداية ومن النافل القول أنه قبل ستينات وسبعينات القرن الماضي، وقبل الفورة النفطية، لم تكن معظم هذه المحميات والمشيخات موجودة ككيانات سياسية ودول مستقلة وذات سيادة وتاريخ كما نعرف عن جميع دول العالم التي لها تاريخ ضارب وعميق الجذور في التاريخ البشري كإيران وسوريا والعراق ومصر، من دول الجوار، ولولا اكتشاف النفط لاستمر غياب هذه القبائل عن المسرح الدولي، تماماً، ولما كان أحد من العالمين قد سمع

بها على الإطلاق، كما أن نسبة من يسمون بالسكان العرب قد لا تبغ الـ7% في أحسن الأحوال كما هو الحال فيما يسمى بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تعاني معظم المنظومة بنقص ديمغرافي فظيع ومؤرق فيمن يسمون بالعرب، وقد دق الكثير من الكتاب "الخلايجة" ناقوس الخطر لجهة القنبلة الديمغرافية الآسيوية التي ستنفجر يوماً في هذه

الدول وتهدد بقائها وكيانها السياسي، لينسى الجميع عندها قضية "عروبة" الخليج ولتصبح القضية مسألة هندية، أو فيليبينية، أو سيرلانكية الخليج هي الطافية على السطح وستدور عليها المشاكل ولن يتم الالتفات وقتها لأي شيء اسمه عربي.

وفي الفيلم الذي عرضته شرطة دبي عن عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح، وفي جميع الصور الأخرى التي تم التقاطها في المطار، والفندق، والشوارع

والمولات، لم نلحظ وبكل أسف، وجود لمن يسمون بالعرب، ولم نلحظ أي طابع عربي لهذه المدينة كما هو الحال حين تتجول كاميرا في دمشق، أو القاهرة، وبغداد، فجميع من كانوا في الفندق كعمال وموظفين وموظفات هم من الآسيويين، والأجانب، ولحظنا ندرة حقيقة للعنصر العربي أو العرب، ويخيـّل للمرء أنه في مقاطعة من مقاطعات الهند، أو في كراتشي و جزيرة فيليبنية نائية. وهذا الواقع والصورة تنطبق على مجمل المنظومة الخليجية التي يكتسحها الآسيويون والغربيون وكل عباد الله، باستثناء العرب، ومن الباب

للمحراب، ويسرحون ويمرحون بها كأنها وكالة من غير بواب، ومن دون تأشيرات وفيزا ووجع قلب ونظام كفيل كما يطبق على المساكين والدراويش و"المنبوذين" العرب الذين يعاملون كالجذام والبرص والجرب، وكم يغبط المرء الغربي واليهودي والصليبي "الكافر"، وحسب الخطاب، إياه، لما يراه من احتفاء، وتدليل وترفيه وتغنيج له، مقابل

ازدراء واحتقار وتحطيط كل ما هو عربي والتنكيل به وإخضاعه لإجراءات قاسية وإذلالية؟ كما أن الزوارق وحاملات الطائرات والسفن التي تمخر عبابه وتعج به كلها أطلسية وغربية وإسرائيلية وإيرانية، وبالكاد نعثر على قارب صيد "لعرب" فيه، حتى تجارة صيد الأسماك الصيادين هي بيد الهنود والآسيويين أما الخلايجة، وعلى قلتهم فهم "كاشخين" بدشاديشهم البيضاء الصينية ونعالهم الإيطالية وغتراتهم الإنكليزية في "المولات" Malls، يشغـّلون البلوتوث ويرسلون ويستقبلون "المسجات" الغرامية والإباحية ويتحرشون بالفيليبينيات والهنديات والخادمات.

. فمثلاً حين يتم الاستغناء عن الملايين من العمالة الآسيوية، وهذا ما لا نرضاه لأسباب إنسانية بحتة، ويتم افتراضاً، إحلال عمالة عربية هي أحوج ما تكون للعمل في ظل ارتفاع أرقام البطالة والخريجين والفقراء العرب الذين يشكلون عمقاً استراتيجياً طبيعياً

للخليجيين، حينها ستصبح المنظومة الخليجية، كلها، وليس الممر المائي، وبشكل أوتوماتيكي عربية الهوى والقلب واليد واللسان. وحين يتم اعتماد سياسات تصب في صالح العرب والإخلاص لـ"قضاياهم المصيرية الكبرى"، وسنعتمد ها هنا الخطاب القومي العربي، في فلسطين وغزة، والعراق، ولبنان، واليمن والسودان...إلخ، فلن يكون هناك خلاف واختلاف بين اثنين على عروبة هذه الدول، قبل عروبة الخليج. وحين تستثمر هذه المنظومة ملياراتها المودعة في بنوك أمريكا والغرب ليأتي مادوف وغيره ويشفطها بطرفة عين فيما بعد وتفلس إحداهن كما حصل مع دبي وتعجز عن سداد

ديونها، نقول حين تستثمر هذه الدول ملياراتها في مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على فقراء العرب ومدنهم البائسة والتعيسة والمكتظة بالفقراء والأزمات والجياع والعاطلين عن العمل، فإن التسمية ستصبح تحصيل حاصل غير مهم. وحين تقوم هذه المنظومة بإجراءات تمييزية وتفضيلية لصالح المقيمين والوافدين العرب، وتفتح حدودها أمام المواطنين والمهاجرين العرب ويتم الدخول إليها من قبل "الأشقاء" العرب، كما تفعل مع "أبناء العمومة" الإسرائيليين، والغربيين والأمريكان والبريطانيين، فحينذاك لن يكون

هناك أية مشكلة في أية تسميات على الإطلاق، لأن الواقع والنية والهوية لهذا الخليج ستكون عربية بامتياز. لقد كشفت فضيحة دبي مؤخراً، وبوجهها الآخر عن رعب وكارثة حقيقية لجهة اختراق الغربيين والإسرائيليين لهذه الإمارة، فإذا كان ما كشف هذا، وبعيداً عن ذاك الصخب الإعلامي الدعائي، هو جبل الجليد الظاهر، فالسؤال هو عن بقية جبل الجليد غير الظاهر، وعما لم يكشف من تغلغل ونفوذ للموساد ولغيره، ولكن ليس للعرب، كلا فألف حاشاهم وحاشاكم، وبل عما لم يكشف من توغل ونفوذ وتاريخ وحرية عمل ودخول وخروج لرزمة "أجهزة" وجنسيات أخرى، ليس من بينها أية واحدة عربية بسبب التضييق المتعمد والمقصود ضد العرب تحديداً والإجراءات الصارمة والصادمة ضدهم تحديداً، وهنا المشكلة، وليست المشكلة فيما إذا كان اسم الخليج فارسياً، أو عربياً.

والأهم من ذلك كله حين تساهم هذه المنظومة بتحسين صورة العرب وتقديم صورة طيبة عن "العربي" الجميل الحضاري المتمدن، لا عن "العربي" القبلي المتوحش الإرهابي الأصولي المنغلق الموتور والمريض، كما نرى اليوم تلك النماذج والأنماط الوافدة من الصحراء والتي تصدر فتاوى القتل والتهريج، وحين ترفد هذه المنظومة الإنسانية بفكر وثقافة واختراعات وإبداعات جمالية، بدل ركام الرثاثات التي تنتجها وتعممها وتصدرها إلى عموم العالم، فسيكون عندها فخراً أن يكون اسم الخليج عربياً، أما ما قدمته وما تقدمه هذه المنظومة من صورة رثة وقذرة ونتنة وعفنة لكل ما هو عربي، فليس من مصلحة هذا الخليج أن يكون عربياً، ولا أن يكنى بالعربي مطلقاً، لا هو لا أي شيء آخر. وبرأينا الشخصي المتواضع، أن تتحول هذه الدول إلى النمط الكوزموبوليتاني للمدن المعولمة المفتوحة وعلى نمط دبي، و"تفك" نفسها من العرب ومشاكلهم التي لا تنتهي، وحل عقدة التسمية تلك، التي لن "تظبط" معهم على الإطلاق، في ظل هذه المعطيات، حتى لو تم الاجتماع والاتفاق، وتنازلت إيران عن مطالبها المشروعة، وأطلق عليه رسمياً اسم الخليج العربي.

أليس من الأولى أن تكون هذه البلاد عربية، بسياساتها، وممارساتها، وتوجهاتها، ونواياها، وسكانها ورعاياها، ومن ثم يتم التفكير، بشكل جدي، بعروبة، ولا عروبة خليجها، وحينها لن يكون هناك مشكلة على الإطلاق، في هذا الاتجاه؟