Pages

العصبية الحزبية والتعصب التنظيمي

العصبية الحزبية والتعصب التنظيمي

إن العصبية أو التعصب الحزبي و التنظيمي في الجماعة هي شعور فئوي بوحدتها المتميزة بعزتها، كونها سلطة واحدة وجسماً واحداً، ومصلحة واحدة ولديها مفهوم ضيق وشعور ضيق بالانتماء، وهذا الضيق يوُلّد في أفرادها التزاماً فئوياً بكل ما لها وما عليها التزاماً واجباً، ويجعل الحزبية الضيقة ترى أن أي موقف خاطئ، وأي فعل خاطئ لها هو أفضل من أي صواب لدى الآخرين.

-العصبية: هي نعرة فئوية تشد الفرد للولاء للجماعة، وهي تعمد إلى تعطيل العدل والنقد والنزوع إلى السلطة الجامحة، إذ أن كونه غير قائم على أساس عقلاني يفرض استفادة إلى السلطة بل إلى العنف والاستبداد المطلق.

-العصبية: هي نظام قائم على القيم وهو منغلق على ذاته بقيمه ومؤسساته ومستنداً إلى التفاضل في القيم الإنسانية.

وعليه فإن التعصب الحزبي والعصبوية التنظيمية ظاهرة ترافق الأحزاب الشوفونية المتطرفة سواء أكانت هذه الأحزاب، أحزاباً سياسية أو دينية أو ذات توجهات عسكرية.

هي في ذات الوقت نعرة فئوية ضيقة تشد العضد للولاء للحزب أو التنظيم أو الحركة على حساب الوطن.

وللتدليل على ذلك نورد عدداً من الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات العصبوية " الحزب النازي / هتلر – ألمانيا + الحزب النازي الإيطالي / موسليني + الأحزاب الدينية الإسرائيلية – المفدال – مولديت..إلخ.

من الأحزاب العسكرية حزب الرئيس التشيلي الأسبقي " بوني شت "وغيرها من الأحزاب المتطرفة.

فما هي الأسباب التي تساعد على التطرف والتعصب الحزبي:

إن هذه الظاهرة الشائنة ( ظاهرة التطرف الحزبي) تستند إلى جملة من العوامل والأسباب التي تشكل بمجموعها التربة الخصبة لتنامي هذه الظاهرة ومنها:

الفكر المغلق : أي الفكر الغير قابل للتطور، والذي لا يأخذ الواقع ببعديه الزماني، والمكاني بين الاعتبار، وتكون الإرادية فيه هي المحركة الوحيد لتوجهات هذا الحزب أو الحركة أو التنظيم وهذا الانغلاق الفكري يقود إلى التطرف السياسي والتنظيمي يميناً ويسارً كما إن هذا الفكر أحادي الجانب لا يعترف بالآخر، وإن اعترف فيكون اعترافه لفظاً ليس إلا.

غياب الديمقراطية: إن القوى والأحزاب والتنظيمات التي لا تعتمد الديمقراطية منهجاً وسلوكاً وممارسة في حياتها التنظيمية، إنما تدفع المنتسبين لهذا الحزب إلى الانغلاق والتعصب، وتحل القيم والمفاهيم الاستبدادية محل القيم الديمقراطية، كما إن عدم الاطلاع على الآخر وعدم تنوع المصادر الفكرية والاقتصار على رؤية أحادية الجانب إنما يوفر التربة الخصبة للتعصب الحزبي والعصبوية التنظيمية.

تغليب الخاص على العام: أي تغليب المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية، وبذلك يكون الحزب أو الحركة أو التنظيم هو الهدف وليس الوسيلة، وبالتالي هنا نغيب الأولويات، وتحل العصبية الضيقة محل المصلحة الوطنية العليا، الأمر الذي يلحق أفدح الضرر بالقضية والوطن.

وفي واقعنا الفلسطيني نستحضر ما نسمعه ونعيشه كتجسيد لهذا المفهوم العصبوي" أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها" " حماس ثورتي".

إن العصبوية الحزبية والحركية والتنظيمية لا تقبل الصراحة ولا تُجسد النقد وتخشاه وتعمل على محاربته " لماذا ننشر غسيلنا على حبال الآخرين ".

كما إنها أي العصبوية تعمل على تعطيل العدل وتعطيل النقد والنزوع إلى السلطة الجامحة، واللجوء إلى العنف والاستبداد المطلق وإلا كيف ننشر هذا التجاذب بين الأخوة في حركتي فتح وحماس مرة بلغة الرصاص ومرات بالاتهامات والتحريض، والكل يدعي بأنه حريص على المصلحة الوطنية والوطن، وها هو الوطن والمواطن يتعرضان إلى كل أشكال المعاناة، دونما التفاتة فعلية لمصلحة الوطن والمواطن حيث أن العصبوية تقوم بتسييس القيم ومنها الدين، وتحول الدين إلى مذاهب وطوائف أحياناً ( شيعية، سنة ، علويين..إلخ).

الإعلام العصبوي: بما إن الإعلام يلعب دوراً هاماً في حياة الشعوب والأحزاب والقوى، لذلك فإن التنظيمات والأحزاب والحركات العصبوية تسعى إلى امتلاك وسائل الإعلام خدمة لأهدافها وتوجهاتها العصبوية الضيقة، لذلك نرى الإعلام في هذه الحالة يبتعد كل الابتعاد عن الحقيقة ويعمل وفق نظام قيم التفاضل ويصبح بوقاً لخدمة التنظيم أو الحزب فتراه يبث سموم وأحقاد وفتن ويزيف الحقائق ويحمل الأكاذيب بحيث يصبح مصدراً من مصادر الإلهام لهذا التنظيم أو الحركة، ونذكر هنا بالصحافة التي تكون على أبواب المساجد والإعلام المنحاز والإذاعات المحلية الخاصة بهذا التنظيم أو ذاك وكذلك القنوات والتي تعمد إلى تضليل المواطن وتنشر روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتمارس الديمغاوجيا خدمة لأهداف حزبها التي تعبر عنه.

-إن العصبوية التنظيمية تخضع لقانون التفاضل في القيم فهي تفصل الخاص على العام، أي تفضل السلطة فقط وتستأثر بها، في حين أن هذه القيمة في الأحزاب الديمقراطية تذهب باتجاه الحرية وتقديم العام على الخاص والعدالة والمساواة، وما أكبر الفارق في الحالتين حث أن العصبوية الحزبية ومن خلال القيادة تحول الحزب والسلوك الحزبي بخلاف الأيديولجيا التي تنادي بها " يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون" حيث إن الحزب أو الحركة يرفع جملة من الشعارات أثناء حملته الانتخابية ويمارس نقيضها عندما يصل إلى السلطة بحيث تصبح هي الهدف المنشود والغاية المرادة.

إن النظام القائم على قيم الإرادة والعقل والأخلاق قيم " الخير والمحبه والجمال والحق..إلخ " هنا وفيه تزدهر العقلانية والإيثار وهو المناخ الملائم للديمقراطية.

الحلول والمقترحات:

- تغليب العام على الخاص: أي تغليب المصلحة الوطنية على الحزب والتنظيم أو الحركة، وأن يكون الحزب في خدمة القضية والوطن والشعب وليس فوقهما.

- الاعتراف بالآخر كشريك سياسي نضالي كفاحي مهما كان حجمه واعتبار الآخر أحد مكونات الحياة السياسية، حيث الوطن يتسع للجميع.

- الأخذ بمبدأ التمثيل النسبي في كافة العمليات الانتخابية الأمر الذي يخلق معه شراكة سياسية عادلة إلى حد كبير، وتقصي هيمنة وتسلط وتفرد الحزب الواحد، لأن الشراكة السياسية تعني الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وتقديم أفضل الخدمات للمواطن والحرص على الوطن.

- الأخذ بالديمقراطية: فالديمقراطية منهجاً وسلوكاً هي من ضرورات بناء حياتنا الحزبية والتنظيمية، الأمر الذي يخلق معه عضوية حزبية أو حركية أو تنظيمية منفتحة وغير مغلقة ترى الكأس كما هو نصف ممتلئ والآخر فارغ، وتتعامل مع الأحداث زماناً ومكاناً كما هي وتبتعد عن الإرادية في تقرير المسائل الوطنية، كما إن الديمقراطية كقيمة تغرس قيم الخير، والمحبة والجمال والعدل والشعور بالسواء عند المواطن.

- الإعلام المنفتح والعلمي المسنود إلى جملة من الحقائق والكفاءات والابتعاد عن الغوغائية والتزمت والتحريض، أي الإعلام الذي يقُر بالآخر ويخاطبه بموضوعية ويكون حريص على الوطن والمواطن. - تربية العضوية وغرس المفاهيم الوطنية العامة، وحق الآخر في التواجد والتعبير والوطن ملك للجميع ويتسع للجميع، والشراكة حق مقدس في الحياة وأن مصلحة الشعب والوطن فوق

-
الجميع، هذه المفاهيم المسنودة إلى سلوك وممارسة كفيلة بإخراجنا من هذه الحالة . حالة التعصب الحزبي فنظرة إلى اللوحات الجدارية الموجودة بجانب المساجد ترينا حجم المأساة التي نعيشها من جراء التعصب والتربية المتزمتة، وهذا هو حال الإذاعات الخاصة ببعض القوى والتي تمارس التحريض، وكذلك الصحف الناطقة باسم التنظيمات والتي تزيد من حالة الاحتقان والتجاذب، وكذلك اللقاءات والمناظرات المسموعة والمرئية والتي تبتعد عن الموضوعية وتغذي هذه الفئوية الضيقة، إن الإعلام العصبوي يخلق معه ثقافة عدائية تجاه الآخر.

- الملتقيات والمنتديات والانفتاح على الآخر، أي إجراء الملتقيات والحوارات والمنتديات بين التنظيمات والأحزاب والقوى، الأمر الذي يجعلنا على مسافة قريبة من الآخر فيتأثر ويؤثر ما يعرفنا على الآخر رأيه ، ثقافته، وجهة نظره، وبالتالي نحسر هوة الخلاف بيننا.

إن من يريد الوحدة الوطنية ويجعل مصلحة الوطن فوق الحزب والتنظيم والحركة عليه أن ينفتح على الآخر ويقبله شريكاً في الحياة السياسية، فنحن أبناء وطن واحد، وأخوة في هذا الوطن قبل أن نكون أبناء لهذا الحزب أو التنظيم أو الحركة، ووجودنا كأخوة في هذا الوطن يفترض الإخاء الوطني، والسلم الاجتماعي والحفاظ على النسيج الاجتماعي، أبناء لوطن واحد، ندافع ونناضل جميعاً من أجل قضية واحدة عادلة، ونعمل من أجل وطن سعيد ومواطن كريم.