آلحياة آلزوجية وآسباب فشلها!
الحياة الزوجية يفترض فيها أنها أبدية , وأبدية هنا لا تعنى استمرارها فقط فى حياة الزوجين بل تعنى أيضا امتدادها فى الحياة الآخرة بشكل أكثر روعة وإمتاعا فى حالة كونهما زوجين وفيين مخلصين صالحين . وأبدية العلاقة الزوجية ضرورة لإشباع حاجات الطرفين من السكن والمودة والرحمة وما يتفرع عنها من حب ورعاية واحتواء وارتواء , وضرورة أيضا لنمو الأبناء فى جو أسرى دافئ ومستقر ومطمئن , خاصة وأن طفولة الإنسان هى أطول طفولة بين المخلوقات , ولذلك تحتاج لمحضن أسرى مناسب يمنح الأبناء ما يحتاجونه من مأكل ومشرب ومأوى وأمان وحب وتقدير ورعاية لكى يحققوا الغاية العظمى التى خلقوا من أجلها
ولكن للأسف يحدث فى بعض الأحيان خلل فى منظومة الحياة الزوجية يكون سببه مشكلة فى أحد الزوجين أو كليهما أو مشكلة فى توافقهما أو مشكلة فى طبيعة العلاقة بينهما .
ولكى نتجنب فشل الحياة الزوجية ما استطعنا تعالوا نستعرض أهم أسباب ذلك الفشل من خلال أرشيف العيادة النفسية , وصفحات الحياة اليومية :
* أسباب شخصية :
1- اضطراب شخصية أحد الزوجين أو كليهما : وفيما يلى نستعرض بعض سمات الشخصيات الأقرب للفشل فى الحياة الزوجية , وهذه السمات والأنماط الشخصية قد توجد فى الزوج أو الزوجة على حد سواء , وننبه القارئ أننا سنستخدم صيغة المذكر فى أغلب الأحوال ( باستثناء الشخصية الهستيرية التى يغلب وجودها فى النساء ) لسهولة التناول ولكن ما سنقوله ينطبق على الرجل أو المرأة على حد سواء:
- الشخصية البارانوية ( الشكّاك , الغيور , المستبد , المتعالى )
- الشخصية النرجسية ( المتمركز حول ذاته , الأنانى , المعجبانى , الطاووس , المتفرد , الساعى إلى النجومية والنجاح والتألق وحده على حساب الآخرين , الذى يستخدم الآخرين لتحقيق نجاحه حتى إذا استنفذوا أغراضهم ألقاهم على قارعة الطريق وبحث عن غيرهم )
- الشخصية السيكوباتية ( الكذّاب , المحتال , المخادع , الساحر , معسول الكلام , الذى لا يلتزم بعهد ولا يفى بوعد , ويبحث دائما عن متعته الشخصية على حساب الآخرين , ولا يلتزم بقانون , ولا يحترم العرف , ولا يشعر بالذنب , ولا يتعلم من خبراته السابقة فيقع فى الخطأ مرات ومرات )
- الشخصية الهستيرية ( الدرامية , الإستعراضية , الزائفة , الخادعة والمخدوعة , السطحية , المغوية , التى تعد ولا تفى وتغوى ولا تشبع , الجذابة , المهتمة بمظهرها أكثر من جوهرها , الخاوية من الداخل رغم مظهرها الخارجى البرّاق الأخّاذ , التى تجيد تمثيل العواطف رغم برودها العاطفى , وتجيد الإغواء الجنسى رغم برودها الجنسى , ولا تستطيع تحمل مسئولية زوج أو أبناء , هى للعرض فقط وليست للحياة , كل همها جذب اهتمام الجميع لها )
- الشخصية الوسواسية ( المدقق , الحريص بشدة على النظام , العنيد , البطئ , البخيل فى المال والمشاعر , المهتم بالشكل والنظام الخارجى على حساب المعنى والروح )
- الشخصية الحدية ( شديد التقلب فى آرائه وعلاقاته ومشاعره , سريع الثورة , كثير الإندفاع , غير المستقر فى دراسته أو عمله أو علاقاته , يميل إلى إيذاء نفسه , ويميل إلى الإكتئاب والغضب , ومعرض للدخول فى الإدمان , ومعرض لمحاولات الإنتحار )
شخصية الاعتمادية السلبية ( الضعيف , السلبى , الإعتمادى , المتطفل , أينما توجهه لا يأتى بخيرال )
- الشخصية الاكتئابية ( الحزين , المهموم , المنهزم , اليائس , قليل الحيلة , المتشائم , النكد , المنسحب , المنطوى )
2- عدم التوافق ( رغم سواء الطرفين ) : قد يكون كلا من الزوجين سويا فى حد ذاته , ولكنه فى هذه العلاقة الثنائية يبدو سيئا , وكأن هذه العلاقة وهذه الظروف تخرج منه أسوأ ما فيه .
3- القصور في فهم النفس البشرية بما تحويه من جوانب مختلفة إيجابية وسلبية : فهناك بعض الناس لديهم بعض التصورات المسبقة وغير الواقعية لشريك الحياة , وعندما لا يحقق الشريك هذه التوقعات نجدهم فى حالة سخط وتبرم , فهم لا يستطيعون قبول الشريك كما هو ويحبونه كما هو , وإنما يريدونه وفقا لمواصفات وضعوها له , فإن لم يحققها سخطوا عليه وعلى الحياه , وهؤلاء يفشلون فى رؤية إيجابيات الشريك لأنهم مشغولون بسلبياته ونقائصه .
4- القصور في فهم احتياجات الطرف الآخر بشكل خاص : فالمرأة لها احتياجات خاصة فى الحب والإحتواء والرعاية لا يوفيها الرجل أو لا ينتبه إليها ( رغم حسن نواياه أحيانا ) , والرجل له مطالب من الإحترام والتقدير والسكن والرعاية لا توفيها المرأة أو لا تنتبه إليها ( رغم حسن النوايا غالبا )
5- عدم القدرة على التعايش مع آخر : فهناك أفراد أدمنوا العيش وحدهم , وهم لا يتحملون وجود آخر فى حياتهم , فهم يعشقون الوحدة , ويفضلون حريتهم الشخصية على أى شئ , ويعتبرون وجود آخر قيد على حريتهم وحياتهم , لذلك يفشلون فى حياتهم الزوجية ويهربون منها فى أقرب فرصة متاحة .
6- العناد : قد يكون أحد الزوجين أو كليهما عنيدا , ومن هنا يصعب تجاوز أى موقف أو أى أزمة لأن الطرف العنيد يستمتع ببقاء الصراع واحتدامه بلا نهاية , وهذا يجهد الطرف الآخر ويجعل حياته جحيما .
7- العدوان : سواء كان لفظيا ( السب , الإنتقاد الدائم , السخرية اللاذعة ) , أو جسدى ( الضرب ) , وهذا العدوان ينزع الحب والإحترام من العلاقة الزوجية ويجعله أقرب لعلاقة سيد ظالم بجارية مظلومة .
والأسباب الشخصية لفشل العلاقة الزوجية تزيد بشكل خاص فى هذه الأيام نظرا لما يرتديه الناس من أقنعة تخفى حقيقتهم , ونظرا لعدم أو ضعف معرفة الطرفين ببعضهما قبل الزواج , وصعوبة المعرفة عن طريق سؤال الأقارب أو الجيران حيث ضعفت العلاقات بين الناس ولم يعد لديهم تلك المعرفة الكافية ببعضهم .
* أسباب عاطفية :
- غياب الحب : فالحب هو شهادة الضمان لاستمرار الحياة الزوجية , وهذه الشهادة تحتاج لأن تكتب وتؤكد كل يوم بكل اللغات المتاحة ( لفظية وغير لفظية ) والتى تصل إلى الطرف الآخر فتسعده وتشعره بالأمان والرغبة فى الإستمرار اللانهائى .
- الغيرة الشديدة : فعلى الرغم من أن الغيرة السوية المعقولة دليل حب ورسالة حرص وتنبيه رقيق للطرف الآخر , إلا أن الغيرة الشديدة المرضية هى بمثابة سم زعاف ينتشر فى جسد الحياة الزوجية فيقضى عليها لأنها تحول الحياة الزوجية إلى نكد وعذاب لا يحتمله الطرف الآخر فيضطر للهروب .
- الشك : وهو مرحلة أخطر من الغيرة لأنه اتهام للطرف الآخر ينتظر إقامة الدليل لإذلاله أو إهانته أو إنهاء العلاقة به .
- الرغبة في التملك : وهى تدفع الطرف المتملك إلى خنق الطرف الآخر حيث يحوطه من كل جانب ويشل حركته , ويمنعه من التواصل مع غيره مهما كانت الأسباب .
* أسباب عائلية :
1- التدخل المفرط من إحدى أو كلا العائلتين : ذلك التدخل الذى ينتهك صفة الخصوصية والثنائية فى العلاقة الزوجية , ويسممها بمشاعر وأفكار واتجاهات متضاربة بعضها حسن النية وبعضها سئ النية .
2- تأخر الفطام العائلي لأحد الطرفين : وهذا يجعل الزوج أو الزوجة شديد الإرتباط والإعتماد على أسرة المنشأ , وكأن الحبل السرى بينه وبينهم لم ينقطع , وعلامة ذلك عدم قدرة هذا الطرف الذى لم يفطم على الإبتعاد ولو قليلا عن أسرة المنشأ فهو يريد أن يقضى كل وقته أو معظمه لديهم , ويأتى ذلك على حساب شريك الحياة الذى يجد نفسه وحيدا
3- وجود حالات طلاق في العائلة : فهذا يسهل اتخاذ قرار الطلاق , ويجعل الهجر سهلا , ويؤكد أن الحياة بدون شريك ممكنة .
* أسباب دينية :
1- عدم فهم وإدراك قداسة العلاقة الزوجية : تلك العلاقة التى يرعاها الله ويحوطها بسياج من القداسة ويجعلها أصل الحياة ويصفها بصفات خاصة مثل : " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " ... " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " .... " هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن " .
2- غياب مفاهيم السكن والمودة والرحمة من الحياة الزوجية : السكن بمعنى الطمأنينة والإستقرار , والمودة جامعة لكل معانى الحب والرعاية والحنان ( خاصة فى حالة الرضا ) , والرحمة جامعة لكل معانى التسامح والغفران ونسيان الإساءة والتغاضى عن الزلات ( وخاصة فى حالة الغضب )
3- عدم وضوح دور الرجل والمرأة وواجباتهما في العلاقة الزوجية
4- سوء استغلال مفهوم القوامة : فبعض الرجال يراها تحكما واستعبادا وانتقاصا من حرية المرأة وانتهاكا لكرامتها , فى حين أن القوامة فى مفهومها الصحيح هى قيادة حكيمة ورعاية مسئولة .
5- غياب مفهومي الصبر والرضا : فلا يوجد شريك يحقق لنا كل توقعاتنا , لذلك يصبح صبرنا على الأخطاء والزلات ورضانا بما يمنحه لنا الشريك قدر استطاعته من ضرورات استمرار الحياة الزوجية السعيدة .
6- عدم القدرة على التسامح : فلا يوجد إنسان ( إو إنسانة ) بلا زلات أو أخطاء , وبالتالى فلا بد من وجود آلية مثل التسامح لكى تستمر الحياة .
7- النشوز : وهو استعلاء طرف على آخر وتمرده عليه وعصيانه له , ولا يوجد إنسان سوى يحب من يستعلى أو يتمرد عليه أو يعصيه احتقارا أو استهزاءا .
* أسباب اجتماعية :
- ضغوط العمل والحياة عموما : وهى تجعل كلا الطرفين أو أحدهما شديد الحساسية وقابل للإنفجار , فالمرأة تعمل كموظفة ثم تعود للقيام بواجبات رعاية الأسرة ومساعدة الأبناء فى واجباتهم الدراسية , والرجل يعمل فى أكثر من وظيفة ولساعات طويلة ليلا ونهارا ليغطى احتياجات الأسرة
- تهديد التفوق الذكوري : فالمرأة التى تحاول الإستعلاء على زوجها بمالها أو منصبها أو حسبها , إنما تهدد عقيدة التميز الذكورى لدى زوجها , وتنزع منه قيمة يعتز بها , وتفجر لديه مشاعر الإنتقام والعدوان بلا مبرر.
* أسباب اقتصادية :
- الضغوط المادية الخانقة : والتى تجعل الحياة الزوجية عبارة عن حلقات من الشقاء والمعاناة يصعب معها الإحساس بالمشاعر الرقيقة .
- الفقر الشديد أو الغنى الفاحش : فكلاهما يؤديان إلى حالة من عدم التوازن النفسى لدى أحد الطرفين أو كليهما خاصة فى حالة عدم النضج وعدم القدرة علبى التواؤم مع النقص الشديد أو الزيادة الشديدة فى المال
* فشل أو اضطراب العلاقة الجنسية :
وهذا هو السبب الخفى ( والأهم فى نفس الوقت ) لفشل كثير من العلاقات الزوجية , ونادرا ما يتطوع الزوجان بالحديث عنه رغم أهميته , وإنما يأتيان للعيادة الزوجية أو لمحاضر الصلح العائلى أو لمحكمة الأسرة بأسباب فرعية هامشية , ولكن السبب الأصلى للشقاق يكون كامنا فى العلاقة الخاصة بينهما , وقد وجدت بعض الدراسات أن هذا السبب يكمن وراء 70-90% من حالات الطلاق , ومع هذا فهو سبب صامت لايبوح به الكثيرون , ومن هنا نستطيع أن نقول دون مبالغة أن نجاح الحياة الزوجية يبدأ من الفراش , وأن فشلها يبدأ أيضا من الفراش
العلامات المبكرة للفشل :
1- الإحساس السلبي بالآخر , وذلك يبدو فى صورة عدم الإرتياح فى وجوده , وتمنى البعد عنه قدر الإمكان
2- المشاحنات والخلافات المتكررة أو المستمرة , واختلافات وجهات النظر حول كل شئ , وكأن كل منهما يسير دائما عكس اتجاه الآخر
3- فقد أو جفاف الإحساس بالآخر , فكأنه غير موجود , حيث أصبحت المستقبلات النفسية ترفض وتنكر وجوده .
الارتباطات الشرطية وأثرها :
نمو ارتباطات شرطية سالبة تجعل وجود الطرفين معاً وجوداً مؤلماًَ أو على الأقل غير مريح . وهذا يحدث نتيجة الإختلافات والخلافات العميقة بينهما ونتيجة الصراعات المستمرة والمؤلمة , والتى تجعل ظهور أى طرف أمام الآخر محفزا لظهور مشاعر الغضب والكره والإحتقار والإشمئزاز , مع ما يصاحب ذلك من آلام جسمانية , أو رغبة فى القئ أو صداع أو دوار .
محاولات الإنقاذ المبكر :
1- محاولات يقوم بها الطرفان : حين يستشعران زحف المشاعر السلبية على حياتهما يجلسان سويا ليتدبرا أسباب ذلك دون أن يلقى أيهما المسئولية على الآخر . وهذا الحل ينجح فى حالة نضج الطرفين نضجا كافيا , وهو بمثابة مراجعة ذاتية للعلاقة الزوجية وإعادتها إلى مسارها الصحيح دون تدخل أطراف خارجية .
- دخول طرف ثالث : من أحد الأسرتين أو كليهما ، استشارة زواجية ، علاج زواجي أو عائلي . ودخول الطرف الثالث يصبح ضروريا فى حالة إصرار أو عناد أحد الطرفين أو كليهما , وفى حالة تفاقم المشكلة بما يستدعى جهودا خارجية لاستعادة التناغم فى الحياة الزوجية بعد إحداث تغييرات فى مواقف الطرفين من خلال إقناع أو ضغط أو ضمانات خارجية تضمن عدم انتهاك طرف لحقوق الآخر .
2- تعلم مهارات حل الصراع : فالحياة عموما لا تخلو من أوجه خلاف , وحين نفشل فى تجاوز الخلافات تتحول مع الوقت إلى صراعات , ولهذا نحتاج أن نتعلم مهارات اساسية فى كيفية حل الصراع حين ينشأ حتى لا يهدد حياتنا ةاستقرارنا , وهذه المهارات تتعلم من خلال قراءات ودورات متخصصة ومبسطة .
3- تكوين ارتباطات شرطية جديدة بهدف تحسين العلاقة بين الزوجين : مثل : تغييرات في البيئة المحيطة بهما كأن ينتقلا من مكان لآخر أكثر راحة وبعيدا عن تدخلات العائلة الأكبر – تخفيف الضغوط المادية أو الإجتماعية أو ضغوط العمل – رحلات زوجية تسمح لهما بقضاء أوقات سعيدة كالتى اعتاداها وسعدا بها فى فترة الخطوبة .
4- العلاقة الثلاثية ( الله – الزوج – الزوجة ) ، تخفف من حدة الصراع وتهئ النفس للتسامح
5- ترشيد لغة الخلاف في حالة حتميته واستمراره : وذلك بتجنب استخدام العبارات الجارحة أو التهديد أو كشف الأسرار الزوجية .
6- تجنب استخدام الأبناء كأدوات في الصراع للى الذراع أو الضغط على الطرف الآخر .
7- التنبه للتدخلات العائلية المتحيزة أو ذات المصلحة ( الشعورية أو غير الشعورية ) في الانفصال
8- إعادة الرؤية والاكتشاف للطرف الآخربعيدا عن الأحكام المسبقة والإتهامات سابقة التجهيز
9- الكف عن الانتقاد أو اللوم المتبادل , فهما يقتلان أى عاطفة جميلة .
10- العلاقة بالحواس الخمس , وذلك بتنشيط كل وسائل ومستويات الإمتاع والإستمتاع بين الزوجين بحيث لا نترك حاسة إلا وتأخذ حقها لدى الطرفين حبا وفرحا وطربا .
11- العلاقة بكل اللغات الممكنة , من الكلمة الطيبة إلى الغزل الرقيق , إلى النظرة المحبة الودودة إلى اللمسة الرقيقة , إلى الحضن الدافئ , إلى العلاقة المشبعة , إلى نظرة الشكر والإمتنان , إلى الهدية المعبرة , إلى النوايا والأمنيات البريئة والجميلة.
________________________________________________________________________
’’’’’’’ن’’’’’’ق’’’’’’’’’’’ؤ’’’’’’’’’’’’م’’’’’’’’’’ل
******************************************************