Pages


  الوطن الذي


الوطن الذي صار فيه الموت مثل قبلة صباحية نستفتح بها يومنا
لم يعد وطناً بل صار مأتماً يومياً ينّعي كلّ يوم أولاده ويجهّز أكفانهم
صار جنازةً محشوةً بكل الأسماء التي تنتظر دورها على القائمة المرتقبة
صار ملهماً لكل من أراد أن يتطور ويصير إنساناً حسب نظرية داروين
صار كواجب وطني على كل من يريد أن يمارس حقوقه الوطني في يومٍ ما
الوطن الذي صار فيه الدفاع عنه مجرد اجتراء على حرية الاخرين,
هو وطن يهاجمه الاخرين كي يلغوا الذين يحاولون أن يدافعوا عنه ؟؟

لم يعد الوطن مجرد شعارات نقرأها في الكتب ونحفظها من المؤتمرات والخطب الحزبية
لم يعد الوطن كلمة السر لكل من أراد أن يتزحلق بصابونة كي يشغل منصب ما أو يتسلق كرسي ما
لم يعد الوطن الكلمة المفقودة في جملة الكلمات المتقاطعة في جريدة وطنية لا يقرأها أحد ولا تهمّ أحد
لم يعد الوطن بطلاً مخلوعاً من أبطال حروب الردّة ولا جريحاً في خيام الشتات والذلّ على حدوده المخترقة
لم يعدّ الوطن فقط شرف لكل من لا شرف فيه ولا مجرد غشاء بكارة جديد لكل جريمة زنى بأجرة مدفوعة سلفاً ؟

الوطن صار حقيقة لأول مرة ..صار شيئاً لا يشبه أي شيء ولا يفسّره أي شيء
لقد صار حياً يشاطرنا أنفاسنا ويقاسمنا رغيف الخبز ..ويجلس على كراسي العزاء يستقبل الوافدين ويودع الراحلين
ويمسح على خدّ أمٍ فقدت إبنها أو زوجةٍ خسرت أبو أولادها ويناقشك في السياسة التي تمارس رذيلتها عليه بكل حزن
و في الاقتصاد الذي كسر ظهره وهو يحمله طوال هذه السنين وفي الأوضاع التي لا تبشرّ بخير رغم تفاؤله بالخير
لقد صار مثلي ومثلك حقيقة موجودة لكننا لا نراه ولا نلمسه ..فقط نشعر به .. نحسّ بهِ ..؟
صرنا نعيشه اليوم أكثر مما مضى ونشعر به وبوجعه وألمه , صرنا نواسيه بكلامنا ونداوي جراحه ونطبطبّ على ترابه
لقد صار ملموساً محسوساً مجسداً بكل صرخة وبكل كلمة, بكل زيارة للمقابر وبكل آية قرآنية تنتهي بكلمة آمين
بكل صباحية تبدؤها بسؤالك المعهود "شو أخبار البلد؟" . لقد صار جزءً منك دون أن تدري دون أن تفهم دون أن تستوعب
لقد عشعشّ فيك واحتلّ كلامك واهتماماتك وحبكّ وعشقك وعقلك وسرق وقتك و مواعيدك ومشاويرك
ولم يعد المواطن الصالح في هذا الوطن هو المواطن الميت .. بل صار المواطن الذي يستحقّ الحياة وهو ميتّ ..؟؟


الوطن يا سادة صار لأول مرة حيّاً ينبضّ بكم
بكل كلمةٍ تكتبوها على صفحات النت .. يرتوي منكم
بكل دفاعٍ مستميتٍ عنه ضد المؤامرات .. يكبر فيكم
بكل طهركم لحمايته من قذارة البعض .. يرتقي بكم
لم يعد غضبك لأجله مجرد خدمة تصرفها لك الدولة آخر الشهر
لم يعد حبك فيه مجرد رشوة تنعق بها على صفحات الجرائد والمجلات
لم يعد حزنك عليه مجرد مسرحية تمتهن فيها دموع التماسيح وارتداء الأقنعة
الطفل الذي يحمل علم بلاده اليوم يحمله لانه يعرف أنه قد لا تواتيه الفرصة كي يكبر ويحمله
الشاب الذي يقاتل على جبهات المعارك او النت بكل شراسة يعرف الآن لماذا يقاتل وعن ماذا يقاتل ويحارب
كما الصبية التي تقلمّ أظافرها على "الكيبورد" حباً في الوطن واستماتةً لأجله بدل أن تطليها بالألوان
الرجل الذي صار يصرف وقته في كتابة مقال لأجل الوطن ولا أحد يصرف عليه أو يتصدقّ عليه
المرأة التي تنسى الطبخ ولا تنسى أنها صارت مجنّدة في خدمة العلم دون أمر جمهوري أو عرفيّ..؟؟

على حافة الوطن

هذا وطننا يا سادة فأخبروني عن أوطانكم وعن شعوبكم
هذا وطننا يا سادة يلبس ياقة حمراء وهو يزفّ الشهداء كل يوم
هذا وطننا يا سادة ينتقي أجمل شبابنا وأروع رجالنا وأطيب نسائنا
هذا وطننا يا سادة كريم لا يعرف البخل في الارواح ولا في النفوس
هذا وطننا يا سادة صار في طعامنا وشرابنا وملبسنا ومشينا ونومنا
هذا وطننا يا سادة حلوٌ يظل على شفاهنا رغم أن طعمه صار سادة ..؟؟