Pages

المقدرة على ممارسة الاختيار الحر

مما لا اشك فيه ان الانسان تستلب منه انسانيته الحقة وذلك عندما تستلب منه قدرته على ممارسة الاختيار الحر
.

هذا وان السالب الأخطر والأعظم للقدرة على ممارسة الاختيار الانساني الحر كان على مدار التأريخ ولا يزال وسيظل هو نفسه، اي الظلم (واقصد به الظلم بانواعه المختلفة). ومع ذلك فهناك عوامل او مسببات اخرى كثيرة في مسألة سلب مقدرة الانسان على ممارسة الاختيار الحر. واني ارى ان في مقدمة تلك المسببات (الفقر المدقع) والذي قد يشل العقل ويقيد الحركة فيضع قيودا خانقة على المقدرة على ممارسة الاختيار الحر. وان في مقدمة تلك المسببات كذلك، الانتماء الى الاحزاب او التنطيمات السياسية العقائدية المنغلقة والمتشددة (من قبيل الاحزاب الفاشية او الجماعات العنصرية المتطرفة ومثيلاتها)، وهذا النوع من الانتماء يعطل بشدة المقدرة على ممارسة الاختيار الحر ويخلق لدى الشخص المنتمي نوعا من التفكير النمطي المشلول (من الصعب الشفاء منه). ويمكن ان نقول نفس الشيء (ولربما بصوت اعلى) في شأن الجماعات والتشكيلات الدينية المتطرفة والتي كثيرا ما تلجأ الى اساليب غسل الأدمغة وذلك لضمان التزام اعضائها ومنتسبيها بالطاعة العمياء لقادة تلك الجماعات والتشكيلات او للآباء الروحيين لها، وهكذا كثيرا ما يتحول هؤلاء الاعضاء المسيّرون الى (روبوتات بشرية). ويمكن لنا باستمرار التقاط مشاهد او نماذج (لهؤلاء الاشخاص المسيّرين) من واقع الهيجان او الغليان السياسي والاجتماعي الذي تتعرض له مجتمعاتنا على نطاق واسع وفي ايامنا هذه
.

وارى انه لا بد ان اسلط الضوء هنا على جانب اجتماعي آخر لهذه المسألة واقصد بذلك ان انخراط او انتظام الاشخاص ضمن انماط معينة من الحياة الاجتماعية والسلوكيات المهنية قد يفرض قيودا كثيرة على المقدرة على ممارسة حرية الاختيار لديهم، وعلى سبيل المثال فان الخدمة (بمستوياتها المختلفة) في الجيش او القوات المسلحة وفي الاجهزة المخابراتية والأمنية وغيرها تقيد كثيرا القابلية على ممارسة الاختيار الحر
.

وهنك ايضا حالات شخصية (استثنائية) تؤثر سلبا (والى حد كبير) على المقدرة على ممارسة الاختيار الحر، واذكر على سبيل المثال حالة تعرض الانسان الى مرض خطير يكون الشفاء منه ميؤوسا فيصاب المريض باضطراب فكري شديد او تهتز ارادة الاستمرار في الحياة لديه، مما يؤثر سلبا على قابلية اتخاذ القرار لديه
.