Pages


آل سعود<> فاكهة...! أمريكا...؟


تاريخ العالم زاخر بأمثلة عن دول تسلطت على غيرها، احتلتها، أو استعمرتها، أو استعبدتها، أو أذلتها، واستغلتها، باختصار استفادت من مواردها، ومن طاقاتها بشكل أو آخر. ولكن كل تجارب الاستعمار، والاستغلال تخبرنا عن حقيقة جلية، وهي أن كل أشكال الاستعباد، والإذلال، والاستغلال كانت على الدوام جزئية، إذ يمكن أن يؤدي قهر بلد ما، واحتلاله إلى إطلاق يد المستعمر في نهب خيرات ذلك البلد، أو استغلال أرضه لإقامة قواعد عسكرية، أو ربط اقتصاده باقتصاد البلد المستعمِر، إلخ. يندر أن يجدالمرء في التاريخ حالة استطاعت فيها الدولة القاهرة من أكل الدولة المقهورة لحما، وجلدا، وعظما، ولبنا. هناك دائما حدود لما يستطيع المستعمِر القاهر فعله بشعب مقهور. حتى اليابان التي استسلمت للأمريكيين دون شروط لم يفكر الأمريكيون بابتلاعها كلقمة سائغة، إذ تركوا لها ثرواتها، واقتصادها واكتفوا بجعل قوتها الاقتصادية سندا لهم. لم تقم أمريكا، مثلا، بتجنيد اليابانيين لخوض حروبها في الفيتنام والأماكن الأخرى. إن القوات المسلحة اليابانية سمح لها، أصلا، أن تؤدي مهمات عسكرية غير قتالية خارج اليابان لأول مرة عام 2003 عند احتلال العراق. والشيء نفسه يقال عن ألمانيا التي استسلمت للحلفاء في الحرب العالمية الثانية دون شروط. لقد أقام الحلفاء على أرضها قواعد، وأجبروها على دفع الجزية لليهود تعويضا عما يدّعونه من وقوع ما يسمى الهولوكست. وغير ذلك أبقيت للشعب الألماني كرامته، وترك له أن يطور اقتصاده، بل ويصبح قوة اقتصادية ذات وزن عالمي

أما تاريخ التحالفات فلا معنى للخوض فيه، فالتحالف يفسر نفسه، ولا يدع مجالا للحديث عن استغلال

وفي عالمنا العربي نرى مثلا أن الأمريكان احتلوا العراق، فنهبوا نفطه، وربطوه باتفاقيات ذل تعطيهم حرية التصرف في أرض وسماء هذا البلد. لكن لم نسمع أن الأمريكان يستغلون العراقيين في غير ذلك، فالعراقيون قاوموهم مقاومة بطولية، ولم يرضخوا لهم. وقبل ذلك احتل الفرنسيون الجزائر، فنهبوا كل شيء، لكنهم لم يفكروا في تجريدهم من رجولتهم، فكان هناك رفض للفرنسي، وكانت هناك مقاومة قدم فيها الشعب الجزائري مليون شهيد. أما الشعب الفلسطيني فرغم أن الصهاينة سلبوا أرضه، لكنه ما يزال شعبا حيا يقاوم مقاومة لا سابق لها في التاريخ

هناك في العالم كله بلد واحد لا أحد يعتبره مستعمرة أمريكية لأن الأمريكان لم يحاربوه، ولم يحتلوه عنوة، وبالمقابل لا أحد يعتبر هذا البلد حليفا لأمريكا لأنه أولا لا تنطبق عليه شروط الحليف بل مواصفات العبد المطيع، ولأن أمريكا ثانيا ليست بحاجة إلى التحالف معه طالما تستطيع إقامة علاقة أخرى غير الاستعمار وغير التحالف معه. ومع هذا فإن هذا البلد يضع نفسه تحت تصرف الأمريكيين بشكل تام، وليس فيه أي شيء لا يجوز للأمريكي الاستفادة منه واستغلاله إن أراد، ومتى ما أراد. هذا البلد العجيب الغريب اسمه المملكة العربية السعودية

العلاقة بين أمريكا والسعودية حالة فريدة في تاريخ العالم، وتاريخ العلاقات بين الدول، فكل ما في السعودية تحت تصرف أمريكا، بل إن يد الحكومة الاتحادية في أمريكا ليست طليقة في أية ولاية من ولاياتها الخمسين او الواحدة وخمسين مثلما هي طليقة في السعودية، وما تستطيع أمريكا أن تطلبه من السعودية لن تحلم حتى بطلبه من أي من ولاياتها، أو من حلفائها، أو من الدول التي تحتلها احتلالا قهريا

دعونا نعطي بعض الأمثلة، ونسأل بعد ذلك عما إذا كان هناك أي شيء في السعودية لا تستفيد منه أمريكا، ولا يوضع تحت تصرفها، طوعا وعن رضى، وبلا تحفظ، وبلا مقابل

أولا) واردات النفط في السعودية هي جزء من بورت فوليو الاقتصاد الأمريكي. هذا الجزء من واردات الخزانة الأمريكية تتصرف بها الإدارة الأمريكية بالطرق التالية: أ) تمويل حروب أمريكا في العالم، ومؤامرتها في أمريكا اللاتينية، وحروبها ومؤامراتها ضد البلدان العربية، ب) جزء يذهب إلى زعزعة استقرار بلدان الشرق الأوسط، ج) جزء يذهب إلى شراء السلاح الأمريكي المستهلك لإنعاش اقتصاد الشركات الأمريكية، د) والجزء الفائض يذهب إلى البنوك الأمريكية على شكل حسابات مصرفية سيتم الحجز عليها لاحقا حين يأتي الوقت المناسب للكشف عن أدلة على تورط أصحاب تلك الحسابات في تمويل المنظمات الإرهابية مثل القاعدة وجبهة النصرة، فتبقى مئات المليارات تلك في بنوك أمريكا إلى يوم يبعثون. وفي الوقت نفسه نجد السعوديين شعبا فقيرا مثل معظم شعوب البلدان التي ليس لها واردات نفطية، ونجد البلد من ضمن البلدان التي تصنف على أنها قرووسطية إذ لا تنمية فيه، ولا تطور، ولا نية للتطوير

وتستخدم أمريكا النفط السعودي كذلك كصمام أمان يوازن العرض والطلب في السوق العالمية، ولولا النفط السعودي واستعداد السعودية للإنتاج حسب الطلب الأمريكي لكانت أسعار النفط اليوم بلغت مستويات تحطم معه الاقتصاد الأمريكي بالذات

ثانيا) ليس هناك بلد مثل السعودية يضع أرضه، ومياهه، وأجواءه، تحت تصرف أمريكا دون قيد أو شرط كلما أرادت أمريكا شن عدوان على بلد عربي. أرض السعودية، ومياهها، وأجواؤها ملكية للأمريكي يستعملها متى ما شاء، ثم يتركها، فهو فيها مصون غير مسؤول

ثالثا) ليس هناك حكام في أي بلد في العالم يطاوعون أمريكا في حماية إسرائيل مثل حكام السعودية. إن أي حاكم عربي، مثلا، يفتح فمه في دعم إسرائيل أو التطبيع معها يذهب في غمضة عين. في مصر اغتالوا أنور السادات لأنه عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وشلفوا مرسي لأنه خطا خطوة نحو الوقوف مع إسرائيل ضد سورية. أما السعودية فإن حكامها أصبحوا رسميا في نفس الخندق مع إسرائيل، وأصبحت هي امتدادا للكيان الصهيوني، ولا شيء يحدث وكأن السعوديين أغنام يسوقهم آل سعود إلى حيث يريدون

رابعا) السعودية تضع نفسها في خدمة أهداف أمريكا لمحاربة المسلمين وتبرير شن الحروب عليهم. مثال واحد يكفي. حين أرادت أمريكا عام 2001 ذريعة لضرب أفغانستان والعراق استقدمت مرتزقة مجرمين من السعودية حصرا لينفذوا مسرحية ضرب برجي التجارة في نيويورك

خامسا) الاستفادة الأمريكية من السعودية لم تعد مقتصرة على الاقتصاد، والأرض، والسياسة، وخدمة إسرائيل، بل تعدت كل ذلك إلى الاستفادة من الطاقة البشرية فيها، فها هي أمريكا تستعين بالسعوديين لمحاربة أعدائها، فترسلهم إلى الموت الزؤام ليفجروا أنفسهم، ويقتلوا العراقيين، والسوريين، واللبنانيين، وغيرهم، بدلا من أن يقوم بذلك الجنود الأمريكيون. قبل عقود كانت أمريكا تصرف ملايين الدولارات لتجند بضع عشرات من المرتزقة. أما اليوم، وبفضل السعودية، فإنها تجند كراديس من المرتزقة "الجهاديين" مجانا. شباب السعودية أصبحوا يقدَمون كقرابين لمصالح أمريكا، ولم يفعلوا ذلك في أفغانستان وحدها، بل يفعلونها في كل مكان

سادسا) لم تجد أمريكا، ولن تجد من يجيد محاربة الإسلام، وطمس حقيقته مثل السعودية. تذكروا أن سلمان رشدي ما يزال محكوما بالإعدام لأنه استهزء بالرسول الأكرم، وافترى عليه، وذلك السياسي أو الفنان الهولندي قُتل لنفس السبب، وهناك رسام دنماركي تافه أقمنا الدنيا ولم نقعدها لأنه قدم رسوما كاريكاتورية أتفه منه بقصد إهانة الرسول الأكرم. ولكن انظروا إلى ما يفعله السعوديون دون أن يقول لهم أحد شيئا! إن مليون سلمان رشدي لن يستطيع إلحاق أذى بالإسلام مثلما يفعله شيوخ السعودية عبر فتاويهم. أمريكا والصهيونية وجدوا كنزا لا يفنى في هؤلاء الشيوخ فقد أصبح الإسلام على أيديهم دين القتل، والسبي، وجهاد النكاح، بل والدين الذي يبيح زنى المحارم. ليس فنان هولندي، أو رسام دنماركي من يقول إن للمسلم أن ينكح أمه، وأخته، وابنته. إن شيوخ السعودية هم من يقول ذلك. وأمريكا بهذا تستطيع أن تقول للعالم ليس فقط أن زنى المحارم ممنوعة في الدول "الكافرة"، ومباحة عند المسلمين، بل يمكنها أن تقول إن البعير في صحراء الجزيرة العربية لن يركب أمه، وإن أجبر على ذلك فالويل لمن يجبره على ذلك من انتقامه، بينما المجاهدون في سبيل الله لهم أن يفعلوا ذلك. أصبح جهاد الإسلام ليس في سبيل الله، بل جهادا في سبيل النكاح الذي لا يستثني حتى الأم. ماذا كنا سنفعل لو كان من افترى على الله هذا الافتراء إسرائيليا أو هولنديا؟

وبعد هذا، هل بقي في السعودية من شيء لا يستفيد منه الأمريكيون، وليس مسخرا لخدمتهم؟ النفط، والأرض، والسماء، والإرهابيون، وحياة الشباب، وشيوخ الإفتاء

لا بأس، لا تقلقوا، ولا تستعجلوا، فحتى لو كان هناك في السعودية ما لم يستفد الأمريكيون منه بعد فإنه سيكون تحت تصرفهم بعد حين

قصة أمريكا مع السعودية تذكّر بذاك الذي أرسل ابنه إلى البقال ليختبره بأن يطلب منه أن يعطيه شيئا يأكل منه، ويتسلى به، ويطعم منه حماره، فأعطاه البقال بطيخة. السعودية هي بطيخة الأمريكيين. إنها بحق بطيخة تاريخية، غنية بما فيها، وفوق كل ذلك مجانية، بل هدية من السماء للكاوبوي الأمريكي، يأكل منها لبّها أكلا لمّا، ويتسلى برقصات قرودها الذين يسمون أنفسهم شيوخ الافتاء والذين راحوا يكتبون قرآنهم الجديد الذي يحلّ لهم زنا المحارم. وما تبقى منها طعام للسعوديين. وقديما قال شاعرنا:

فهنيئا لكما ... كل امرئ يأكل زاده