Pages


الدواعش والمالكي!1

قال المتنبي


أغايَةُ الدِّينِ أن تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ * يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِن جَهْلِهَا الأُمَمُ


و مع الاعتذار الحار للمتنبي، الأمم لا تجهل بل يجري تجهيلها .

وتحوير بسيط في الشطر الثاني من بيت الشعر الخالد يفي بالغرض

يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِن جَهْلِ قادتها الأُمَمُ

ربما يذكر البعض الإعتصامات الكبيرة التي قام بها أهل الأنبار والموصل بسبب بعض االمطالب من بينها إطلاق سراح أبنائهم وبناتهم القابعين في السجون لمدد طويلة بدون محاكمات.

كان موقف المالكي رافضاً لكل هذه المطالب وحجته أن لهم نواباً يدافعون عنهم والإعتصامات كأسلوب للضغط على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً لا يجوز.

بعد وقت، فض المالكي اعتصاماً باستعمال القوة متبعاً في ذلك ما فعله عبد الفتاح السيسي بعد فضه لاعتصام رابعة والنهضة.

في الحالتين المالكي والسيسي هما نموذج للحكام الذين يستطيعون الوصول الى السلطة ولكنهم لا يعرفون كيف يحكمون.

فمعظمهم يعتقد ان استعمال القوة هو الحل الوحيد لكل مشاكلهم.

يعرف الجميع، بما فيهم المالكي، أن مخططات تقسيم العراق جاهزة وتطبخ على نار هادئة وأنه اذا أراد الحفاظ على وحدة العراق عليه أن يتبع استراتيجيات مخالفة لموقفه المتعنت الذي يتمسك بحرفية صندوق الانتخابات ونتائجه.

ما كان ضرّه لو أنه لبى مطالب المعتصمين وكانت أعدادهم تدل على أنهم نسبة كبيرة من السكان في تلك المناطق ، أي هل تستاهل وحدة العراق إرضاء (الأقلية السنية) ، وتعاف النفس استعمال هذه المسميات التي أصبحت متداولة الآن بكل بساطة.

لو اهتم بهذه المناطق وأنشأ فيها مدارس ومستشفيات ومصانع لتشغيل العاطلين عن العمل فمن الممكن أن يدعو له بالثناء وسيقولون إنه يخدمنا أكثر من أي رئيس سني حكم العراق من قبل.

لم يفعل الرجل شيئاً لأنه لا يمتلك أية رؤية تؤهله لحكم البلاد، كان وما زال رجلاً طائفياً يعاقب طائفة السنة بلا ذنب جنوه سوى أن حكام العراق قبله هم من نفس الطائفة.

هل كان يريد التخلص منهم نهائياً والاستقلال بجنوب العراق وتكوين دولة تكون فيها الأغلبية ذات طيف واحد؟

هذا احتمال وارد، فحياته الطويلة في المنافي والمعارضة تجعله يفكر بأنه ما زال من الأقلية المظلومة ، ولكن هل يمكن أن تترك دولة مثل هذه لتعيش بسلام؟

وكأن عمر بشير واحد غير كاف لهذه الأمة المبتلاة بحكامها الجهلة؟

كانت محصلة حكم المالكي بعد ثماني سنوات هي العودة بالعراق الى الوراء مئات السنين. ولو استعرضنا تاريخ دول تعرضت لما تعرض له العراق من حروب وكوارث لوجدنا انها نهضت على قدميها في أقل من هذه المدة.

العراق الذي كان طيلة حياته بلد الشعراء والعلماء والإبداع اصبح بلد الفقراء والجوعى الذين لا يجدون ما يأكلون ، فالفساد في عهده يأكل الأخضر واليابس وتذهب فيها ثروة العراق النفطية الى جيوب المحاسيب والوسطاء والسماسرة.

الغريب في الموضوع انه يمثل حزباً إسلامياً هو حزب الدعوة.

ما يطرح علامات استفهام على إسلامية هذا الحزب والتي أتحذها ستاراً للوصول الى سلطة لم يعرف كيف يستعملها. وما يؤسف له فعلاً ان يتم انتخابه لفترة جديدة.

مقابل هذا المثل البائس من الحكام نجد أشد بؤساً في داعش وأخواتها. يذكرنا بتتار جنكيز خان وهولاكو الذين صبغوا مياه دجلة بلون الدم الأحمر.

ولكن لماذا نبتعد عن تاريخنا ، فمنذ الفاً واربعمائة عام أمر معاوية بن ابي سفيان ولاته بسب علي وأهله في خطب صلاة الجمعة، خلال خمسة عشر عاماً تكون جيل جديد من المسلمين تم غسل أدمغتهم، الأمر الذي مكن يزيد بن معاوية من ارتكاب مذبحة كربلاء بدون ان يرف جفن لمرتكبي المذبحة الذين كوفئوا بالمال الوفير.

لا يحتاج الأمر من يزيد بن معاوية الجديد القابع في الرياض الى خمسة عشر عاماً لجعل العامة في عصرنا هذا يؤمنون بما آمن به أجدادهم من قبل: ان من يتبع المذهب الشيعي هم روافض يجب التخلص منهم.

فمئات القنوات التلفزيونية تحرض ليلاً ونهاراً وتبث سمومها ومع المال الوفير الملوث بالدم يكتمل المشهد.

الفرق الهام أن يزيدَ القديم كان يعمل لمصلحته ، أما الجديد فهو يظن أنه كذلك ولكنه بقصد او دون قصد يصب في صالح القوى الاستعمارية الطامعة في ثروات هذه الشعوب المغلوبة على أمرها.

هل هناك من حل لهذا الوضع المأساوي الذي يدمر حياة الشعوب العربية في المنطقة؟

أولاً: إن الاستقواء بالأجنبي وخاصة الولايات المتحدة هو كمن يستجير من الرمضاء بالنار. فلا وجود لهدايا وأعطيات مجانية في السياسة الدولية. ويحتار المرء اين ذهبت النخوة والشرف العربي؟

ثانياً: لا يكفي ان يقال ان النظام السعودي يدعم الإرهاب. سيستمر في ذلك وفي نفس الوقت سيصرح بانه ضده. ولكن ستتغير المعادلات عند القول إن

النظام السعودي نظام إرهابي

وتقديم الأدلة على ذلك هو مسؤولية الأنظمة العربية في سوريا والعراق واليمن، فمخابرات النظام السعودي هي التي تمول وتنظم وتقدم الدعم اللوجستي لداعش وأخواتها. واستصدار قرار من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية بالحجز على أموال النظام وممتلكاته في الخارج ومنع سفر مسؤوليه تحت طائلة القبض عليهم، أصبحت الآن ضرورة.

اما الإكتفاء بالتصريحات النارية فهو مثل انتظار القتل والاكتفاء بالدعاء أن يعمي الله أبصار القاتل .

ثالثاً: ما العمل لوقف التدهور المستمر؟

ا: الوحدة بدلاً من تقسيم المقسم

ان وجود داعش على أجزاء من سوريا والعراق لا يعني وحدة تلك الأراضي بقدر ما سيكون مدعاة لحروب أهلية مستمرة في المنطقة والى مدى طويل، الأمر الذي يعني انحداراً الى مستوى جديد من الشقاء والمعاناة والقتل والدمار.

مقابل ذلك لو دعونا الى وحدة دول المنطقة، سوريا والعراق والاردن ولبنان خاصة وأن أنظمة هذه الدول تعاني من سكرات الموت.

ولا حاجة لتشريح كل دولة على حدة ولكن النظام الاردني الذي يبدو قوياً لهو أوهى من بيت العنكبوت، فأي نظام يعتمد على الخارج في استمراره وخضوعه لإملاءات لا تنبع من مصالح شعبه انما يُشك في مشروعيته خاصة وانه قد شكل في سايكس بيكو كخط دفاع ثان لدولة اسرائيل الوليدة، وما زال كذلك، وأرضه اليوم هي ساحة تدريب كبرى لمن سيقاتلونه لاحقاً.

ب: التسامح والمحبة بدل الطائفية البغيضة

حسن نصرالله هو الوحيد المؤهل لقيادة دولة كهذه فهو رمز المقاومة التي لا تلين ورمز التفتح والعقلانية، كما انه رمز الذكاء بين قيادات جاهلة تفكر في مصلحتها فقط وابتليت بها شعوب المنطقة، كما انه سيكون دليلاً على ان شعوب المنطقة لاتقبل التقسيم على أساس مذهبي او ديني اليوم مثلما لم تقبله سابقاً عبر كامل تاريخها.

ج: تركيز اتجاه البوصلة بدل تشتتها.

دولة واحدة بزعامة جديدة هي توجيه للبوصلة في الإتجاه الصحيح وقد آن للجميع أن يدرك ان سبب مشاكل المنطقة كلها هو الوجود الإسرائيلي ومحاولة فرضه بالقوة على شعوب المنطقة.

هذه دعوة لمثقفينا ان يدعموا فكرة كهذه وقد يراها البعض ضرب من المستحيل اليوم في جو مشحون بالبغضاء والكراهية والنظرة الإقليمية ولكن تخضر البذرة وتورق حتى بين شقوق الصخور.