Pages

العرب أكثر شعوب الدنيا تخلفا وجهلا ؟ من المسئول ؟ وإلى متى ؟

للتخلف مظاهر كثيرة ولكنّ أخطرها هو العجز عن الحوار والنقاش وقبول الآخر ، وحل المشاكل بين أبناء الشعب الواحد ضمن الوطن الواحد بالحوار والطرق السلمية، وأحيانا غياب الحوار حتى ضمن العائلة الواحدة ، بل والبيت الواحد!! . حينما يغيب الحوار وتأخذ مكانه الأصوات الصاخبة والأيدي المرتفعة والبنادق المرتفعة فنحن بالتأكيد أمام أخطر حالة من حالات التخلف والجهل ،بل والتوحّش، ولا يفيد معها مليون برنامجٍ ومقالٍ وكِتابٍ وتصريحٍ عن الماضي الغابر والمجيد وعن حضارةٍ مغروسةٍ بعمق التاريخ سبعة آلاف أو ثمانية آلاف سنة !! فكل ذلك يبقى كلاما فارغا لا معنى له

فليس هناك من شعبٍ ظهر البارحة على سطح الكرة الأرضية ، أو هبَطَ قبل أشهر من سطح المريخ ، وكل شعوب الدنيا هي امتداد لأجيال سبقتها آلاف آلاف السنين ، والعبرة ليست هنا وإنما في أين هي اليوم على خارطة الأمم والبشر ؟ ( لا تقُل أصْلي وفصْلي أبداً – إنما أصلُ الفتى ما قد فَعَلْ ) أين هم العرب على خارطة الكون الاجتماعية والإنسانية والبشرية والعلمية والتربوية والحضارية ، وليس الخارطة الجغرافية أو التاريخية !!أمريكا تم اكتشافها قبل خمسمائة عام ونيِّفٍ ولكن أين هي اليوم وأين العرب !! هل من شعبٍ اليوم يشبهُ شعوب العرب ؟؟. حتى الشعوب الأفريقية مضرب المثل في الجهل والتخلف سبقت العرب مائة سنة على خارطة قبول بعضها والحوار ضمن مجتمعاتها بترسيخ الاحتكام لصناديق الاقتراع التي تحسم كل خلاف سلميا وتُبقِي الحوار قائما بين كل أطياف المجتمع

بل هناك بندا في ميثاق الإتحاد الأفريقي للديمقراطية لا يعترف على أية حكومة لا تأتي عبر الحوار والعملية الدستورية ويتم تعليق عضوية البلد فورا إن جاءت حكومته إثر انقلاب عسكري أو بشكل غير ديمقراطي ، وكانت بوركينا فاسو آخر مثل !!. شعوب آسيا التي يأتي أبناء شعوبها ليعملوا بالملايين في ديار العرب وفي بيوتهم ومزارعهم ،يعيشون في بلدانهم فضيلة الحوار والاحتكام لصندوق الاقتراع ونرى النساء يتبوأن رئاسات الحكومات كما في الهند وسريلانكا وبنغلادش والباكستان والفيلبين وميانمار

بينما كم سيدة عربية تبوأت رئاسة بلدها أو رئاسة حكومتها !! فهي ما تزال لدى البعض غير صالحة حتى لقيادة سيارة وناقصة عقل ودين ،وكل ما فيها عورَة بحسب بعضِ المرضى والشاذِّين الذي يحتاجون لمصحّات عقلية !! وحقيقة الأمر أن من يعتبرها كذلك هو الناقص للعقل والدين والوعي والنضج والسوية، ورأسهُ أشبه بثمرة يقطين يابسة تخشخش بداخلها البذور!!.. مع الاحترام للعقول التي ما زالت تفكِّر بشكل سوي ولم يُصِبْهَا الانفصام بعد !!..

ميثاق الجامعة العربية في موادِّهِ العشرين لا يوجدُ ذكرٌ لكلمة (ديمقراطية أو حقوق إنسان) لأنّ هذه لا تناسب تقاليد وثقافة العرب بحسبِ الأنظمة المَلَكية المطلَقة في العالم العربي !!. وأتحدّى إن كانت هذه البُلدان تسمح بورود كلمة (ديمقراطية) في كتابٍ واحدٍ من مناهجها التعليمية، فهي مُحرّمة شرعا في بلدانهم لأن الحاكمية بها للشعب ، وهذا كفرٌ في اعتقادهم، وهم لا يحتكمون لا إلى للشعب ولا إلى الله !!وإنما إلى غرائزهم البهيمية!!.فكم من السخرية أن يقوم أولئك بدعمِ ما هو مُحرّمٌ في بلدانهم ، خارج بلدانهم !! أليسَ هذا هو العهرُ السياسي والديني والأخلاقي بعينه ؟!.

الخارطة العربية اليوم وعلى امتداد مساحته من أقصى المغرب لأقصى المشرق مصبوغة بلون الدم ، أو برائحة الدم !! لماذا؟ لأن الحوار ليس من ثقافة العرب ، حتى وقد أصبح من ثقافة كل شعوب الكون ، بعد أن وضَعَت دساتير عصرية مدنية أو عَلمانية، تُساوي بين كل أبناء الشعب على أساس المواطَنَة دون أدنى تمييز بين مواطن وآخر مهما تكن خلفية انتماءاته ، بينما العرب عجزوا وما زالوا عاجزين عن ذلك ، ولهذا حينما يغيب الحوار لا بدّ من نقيضهِ وهو العنف ، والاقتتال والذبح وسفك الدماء حتى يتمكن طرف من سحق الآخر ، تماما كما تفعل وحوش الغابات ، والأجدى بعلماء الإثنيات والوراثة إطلاق تصنيفٍ خاصٍ بالعرب ووضعهم في فصيلة مختلفة تجمعُ ما بين البشر شكلاً والوحوش(عقلاً) !!. بشرٌ من حيث الشكل، ووحوش من حيث السلوك

فالحيوان يختلف عن الإنسان (بالنطق) ، والله حباهُ بالنطق وفضيلة (الكلام) كي يتحاور مع ابن جلدته الآخر من بني البشر ويحل خلافاته معه بالكلام والنقاش والحوار ، ولكن العرب فشلوا بذلك بينَ بعضِهم البعض وداخلَ مجتمعاتهم أيضا !!.. وهذا يعني ببساطة أنهم لا ينتمون لفصيلة البشر (عَقْلا) حتى لو شابهوها شكلا وجسدا

قد يقول البعض أن المشكلة بالدين ، أو تحديدا بالإسلام ، ولكن رغم عدم صلاحية الإسلام ليحكم دُولا أو يكون دولة ، ورغم كل التشويه والقتل والعنف باسم الإسلام إلا أن المشكلة ليستْ كلها هنا ، لأن هناك شعوبٌ مسلمة في باكستان وبنغلادش وإندونيسيا وماليزيا تتحاور وتحتكم للحوار عن طريق نتائج صناديق الاقتراع ولم يُشكل الإسلام عائقا بهذا المجال ، ولم يطبّقوا حكم الشريعة الإسلامية بل تحكمهم دساتير عَلمانية أو مدنية تضع فاصلا بين قوانين الدولة وأنظمتها وتشريعاتها ، وبين الدين ، على مبدأ أن الدين لله والأوطان للجميع

ولو عزَينا الأمر للتخلف فهناك شعوب كثيرة متخلفة ، كما الشعوب الأفريقية السمراء ولكنها احتكمت للحوار وصناديق الاقتراع !! فلماذا العرب هم الشواذ في هذا الكون عن هذه القاعدة؟؟ . يبدو كل ما كتبهُ المستشرقون والآلاف من المثقفين في هذه الأمة هو الصحيح : وهو أن بنية العقل العربي بنية كارثية مأساوية لا تقبل في جيناتها الحوار والنقاش والرأي الآخر وحرية الرأي والتعبير ، ومسكونة بهاجس السلطة والاستبداد وشيخ العشيرة والقبيلة!!. هناك من يجادل اليوم أن تونس قد خرقَتْ هذه القاعدة واحتكمَ الأشقّاء التوانِسة للحوار وصناديق الاقتراع ، ولكن باعتقادي ما زال الأمر مُبكِرا جدا للقول أن تونس خرجت من حالة الاختناق وعنق الزجاجة، فالعبرة بالاستمرارية والصمود ونجاح التجربة!! فليس هنيئا لمن حَمَلَتْ وولّدت ولكن هنيئا لمن سَلِمَ لها المولود

كانوا في الجاهلية عشائر وقبائل وأفخاذ متناحرة متحاربة تغزو بعضها وتسبي نساء بعض وتقتل بعضها .... جاء الإسلام وفشل في تغيير العقلية أو تجاوزها ، بل أضاف لها صراعات من نوع جديد ، دينية وطائفية ومذهبية ، لم تكن معروفة قبل الإسلام ، واستمرت منذ ظهور الإسلام وحتى التاريخ الحديث فأضفنا لها صراعات من نوع جديد : سياسية وحزبية وقومية وعُرقية ومناطقية ... فباتت أشكال الصراعات وأنواعها تتفوّق على كل تشكيلات البضائع في أسواق أوروبا وأمريكا وجنوب آسيا وشرقها !!. هذه هي البضاعة العربية : كل أشكال الصراعات التي يجد فيها الجميع ما يطيب لهم ويستهويهم : قَبَلية، عشائرية، دينية، طائفية، مذهبية، سياسية، حزبية، قومية، عرقية، مناطقية ، تكفيرية، إرهابية ... الخ.. كل شيء متوفِّر وبحسب ما يرغب الراغب !!. هذا هو ما ابتكرهُ (العقل) العربي

أمّا كيف هو الخروج من هذه الدوّامة الخطيرة التي دوَّختْ شعوب هذه الأمة فهنا تكمن المصيبة الأكبر ، لأن الطريق واضح وضوح الشمس وهو الفصل بين الدين والدولة ،فالدين للمجتمع وليس للدولة ، إلا أنّ هناك من يُصرِّون أن الدين لا يمكن أن ينفصل عن الدولة ، ولا يمكن إيجاد حل وسط ، وهذا يعني أنه لا أمل في الخروج من هذه الدوّامة وسنبقى نعيش المصائب جيلا بعد آخر إلى يوم القيامة

أوروبا عاشت هذه الحالة المأساوية أكثر من ألف وخمسمائة عام ولكن الله قيّض لها الفَرَج عام 1648 حينما اتفّقت الأمم الأوروبية على إبعاد سلطة الكنيسة عن الدولة وحصرها في المجتمع فقط ، فكان بعدها أن تفجّرت كل طاقات العقل الأوروبي والغربي حتى وصل لسطح القمر وكل يوم يتحفنا باختراع جديد واكتشاف جديد ودواء جديد ولقاح جديد وعِلم جديد وتكنولوجيا جديدة ، ولولاهم لكان العرب حتى اليوم يتبوّلون فوق (النفط) ولا يعرفون ماذا يوجد تحت الرمال التي يتغوّطون فوقها ، بحسب وصف مسرحية (باي باي لندن)!! بينما العرب يبليهم الله كل يوم بألف إرهابي جديد يتنافس مع الإرهابي الآخر بقطع الرؤوس وتفحيم المرأة وحصرها ضمن أكياسٍ أسودُ من الفحم

ولكن نعود للبداية هل أن المشكلة هي فقط بالتعصّب الديني ، أم أنّ هذا التعصُّب الديني هو نِتاج التعصُّب المُسبَق الساكن في جينات العقل العربي ؟؟. وما هو السبيل للخروج من ظلام هذا العقل وعتمتهِ التي حجبت الرؤيا عن البصر والبصيرة ، فأصبحنا نسمع خطابات من الحقد والجهل والتعصب والكراهية وإلغاء الآخر ، بما لا تفعله وحوش الغابات المفترسة !!.. كيف سيستمر العيش في هذه المجتمعات في ظل هكذا أحوال وأوضاع أكثر من مأساوية وأكثر من كارثية !! ألف وأربعمائة عام وشلال الدم لم ينقطع بسبب التعصّب ، وقبلها لا أدري كم من السنين في الجاهلية وشلال الدم لم ينقطع، ويأتي من يسعى للدواء بمن كان هو الداء ( أي المزيد من التعصّب) !!.. ثم يحدّثونك عن خير أمّةٍ أخرِجت للناس ، وعن تاريخ حضاري عريق تمتدُّ جذوره لأعماق الأرض وتخرقها من طرف لطرف كما يخرق سيخ الشوي الفرُوج وهو يتقلب ويدور حول النار

يعيشون على فضلات الصناعات الغربية التي اخترعها العقل الغربي ، ويقولون لك : كل شيء من الغرب حرام ، بحسب تنظيم (بوكو حرام)!!.. وكلمة (بوكو) تعني باللغة القَبَلية المحلية ( الغرب) ، أي كل شيء من الغرب حرام ، بينما البارودة التي يقتلون بها هي من صنع الغرب ، ولكنها ليست حراما طالما تُستخدّم للقتل والإجرام ، فهذا حلال !! . أيُّ شرعٍ في الكون هذا ؟ وأي دينٍ في العالم هذا؟؟ وأي انفصام للعقل هذا ؟؟.. العرب أمام مفترق خطير اليوم لم يحصل مثلهُ في تاريخهم رغم كل مآسيهم : فإما أن ينتصروا على هذا العقل التعصُبي التدميري الخطير ، وإما أن يقضي عليهم بالكامل ويفعل بهم كما يفعل السرطان بجسد الإنسان

المسئولية الكبيرة والتاريخية تقع على النُخب الواعية (المتبقية) في هذه الأمة وعلى مؤسساتها التربوية والدينية والتعليمية والثقافية ، فالمسألة بلغت من الخطورة حدود : أن تكون أو لا تكون ، !!.. والطامّةُ الكبرى أنّ بعض مَنْ كنّا نعتقدهم فلاسفة ومفكرين ومثقفين كبارا يصدحون بصوتٍ عالٍ ( أننا سنكون ولن نقبل العكس) ، وإذ بهم لحظة الحقيقة لا يختلفون عن الرعاع ولا عن أي تكفيري طائفي حاقد في منطِقهم وطروحاتهم وكتاباتهم !! وهذا مؤشرٌ خطيرُ جدا جدا جدا لما انحَدَرَ إليه (العقل) العربي وبعضُ النُخَب العربية !! فحينما تنهار دعائم البنيان فماذا سيكون مصير السقف والجدران ؟!!.. ولكن نحمدُ الله أن الدعائم كثيرة وإن انهارَ بعضُها فيبقى منها الكثيرُ يحفظُ البناءَ من الانهيار