Pages


أهمية الغدد والهرمونات .. في تحديد السيئات والحسنات

2

أعيد هذه السطور من المقال الأول للربط بين الجزءين ، ولكي تتضح الصورة ، ونتذكر معا فكرة المقال ا، الذي تأخر جزءه الثاني ، ولكي نتذكر معا مفهوم الغدد والهرمونات ودورهما الهام والفعال في تحديد جميع أفعال وانفعالات وتصرفات وسلوكيات ومشاعر الإنسان ..

أولا :ــ اقتباس من المقال الأول

" يوجد في جسم الإنسان عدد كبير من الغدد وظيفتها إنتاج أو إفراز مواد نافعة وكثير من هذه الغدد تفرز إنتاجها من خلال قناة وتسمى الغدد القنوية مثل الغدد اللعابية ، والبعض الآخر تفرز إنتاجها مباشرة إلى الدم بدون قناة ، وتسمى الغدد الصماء
ويحمل الدم الهرمونات إلى جميع أجزاء الجسم ليؤدي كل هرمون منها وظيفة معينة مختلفة في جسم الإنسان.
ويمكن تعريف الهرمون بأنه مادة كيميائية تفرزها الغدد الصماء في الدم مباشرة لأداء وظيفة معينة وعلى ذلك فوظيفة الهرمونات بصفة عامة تنسيق عمل أعضاء الجسم.
وبعض الهرمونات سريعة التأثير ، مثل : هرمون الأدرينالين الذي يهيئ الجسم لمواجهة المواقف الحركية ، والأنسولين الذي ينظم نسبة السكر في الدم ، وبعضها الأخر بطئ التأثير ويؤثر خلال فترة زمنية طويلة ، مثل هرمون النمو والهرمونات الجنسية " انتهى الاقتباس

ثانيا : ـــ أبدأ المقال الثاني بتذكر إشارتين:ـــ الأولى :ــ ((أن الهرمون مادة كيميائية ، وأن كل هرمون له وظيفة معينة مختلفة في جسم الإنسان. والثانية :ــ ((أن وظيفة الهرمونات بصفة عامة تنسيق عمل أعضاء الجسم))...........................................................................
ومن هذه الإشارات الهامة نحاول أن نفهم أكثر ونتبين من خلال هذا البحث المتواضع الذي سأربط من خلاله بين هذا الدور الهام للغدد ، والهرمونات كمواد كيميائية يتم إفرازها داخل الجسم حين تعرضه أو مروره بأي شعور أو عاطفة او فعل أو رد فعل يصدر من الإنسان أو يتعرض له ، وعلاقة هذا أيضا بذكر كلمة (الذرة) ــ وهي وحدة بناء المادة ــ في تسجيل الأعمال ، وما أهمية ان يقول ربنا جل وعلا في الآيتين الأخيرتين من سورة الزلزلة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ،  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) الزلزلة 7 ، 8 ..

لقد اتفق العلماء المتخصصون في الطب والكيمياء أن جسم الإنسان يفرز مواداً كيميائية مختلفة حين يتعرض لأي مثير جسدي أو نفسي ، ويقوم بهذا الدور الغدد بأنواعها المختلفة حيث تقوم بإفراز مواد كيميائية ، وعلى سبيل المثال تفرز المعدة عصارتها عند استقبال الطعام أو حمض الهيدروكلويك استعدادا لعملية الهضم لكي يتحول وسط الهضم إلى وسطاً حامضيا.

وكذلك في المواقف المختلفة التي تُثار فيها العواطف والمشاعر ، تفزر الغدد هرمونات او مواد كيميائية مختلفة حسب كل متطلبات كل موقف ، بمعنى أن الإنسان يُخرِج من مشاعر الحب والعواطف أنواعا مختلفة تماما حسب الشخص الذي نشعر تجاهه بهذا الحب ، لكنها في النهاية ــ أو في الظاهر ــ تندرج تحت مسمى واحد هو (الحـب) ، فالإنسان الطبيعي يُحب أمّه التي أنجبته ، وأخواته الإناث ، ( وزوجته أو زوجاته ) ، وبناته التي أنجبهن ، وعمّاته وخالاته ، ورغم أن كل هؤلاء من الإناث إلا أنه حين يتعامل معهن ويحنو عليهن فإن تعامله يكون مختلف ، ونوعية حبه لكل واحدة منهن لها طابع وشعور وإحساس وتفاعل كيميائي مختلف (هذا بالنسبة للإنسان الطبيعي) ..

مزيد من التوضيح :ــ

أنت تحب زوجتك ، حين تحاول التعبير عن هذه المشاعر بأن تحنو عليها أو تبادر بتقبيلها واحتضانها فإن هذا الشعور وتلك العاطفة تكون مصحوبة بتغييرات فسيولوجية دقيقة جدا داخل جسمك ، يعبر عنها الجسم بإفراز هرمونات ومواد كيميائية معينة ، وقد تتطور هذه المشاعر لممارسة علاقة جنسية كاملة مع الزوجة ، وهنا يكون الدور المحوري للهرمونات الجنسية المصاحبة للفعل ، ومؤكد أن هذه الهرمونات لها صيغة أو تركيبة كيميائية دقيقة جدا تتكون من ذرات محددة العدد والنوع .. وهنا أهمية أن ندرك معنى ان الذرة هي وحدة بناء المادة .. وهذا التفاعل الكيميائي مناسبا للعلاقة الزوجية (بين كل رجل وزوجته).. ، وأعتقد أن ممارسة الجنس بين ذكر وانثى في علاقة غير شرعية يكون مصحوباً بإفراز نفس الهرمونات السابقة مع نوع إضافي من الهرمونات التي تعبر عن الخوف والقلق ، أو الإحساس الداخلي بالذنب ، جدير بالذكر أن ممارسة العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته لا يُكتب لها النجاح حين يشعر الزوج بالقلق أو الاضطراب من دخول الأطفال عليهم ، او بمجرد الشرود والشروع في التفكير في أي شيء بعيدا عن هذه العلاقة بحيث تتغير طبيعة التفاعل الكيميائي المناسب لنجاح العلاقة ، مما يؤكد أهمية الهرمونات ودورها المحوري في تحديد وتنوع أي عمل يقوم به الإنسان ..

و نفس الشخص ــ السوي الطبيعي ــ حين يعبر عن مشاعر الحب تجاه ابنته ، أو أخته أو أمه فإن الوضع يختلف تماما ، فمن المستحيل على أي إنسان طبيعي سّوِى أن تتحول مشاعر حبه وعاطفته وحنيته تجاه (ابنته أو اخته أو أمه) إلى مشاعر جنسية ، فهو حب لكنه مختلف ، وما يحدد هذا الاختلاف بدقه هو التفاعل الكيميائي المصاحب لهذه المشاعر الإنسانية والعلاقة الاجتماعية أو صلة الرحم ، وهذا التفاعل الكيميائي هو المناسب لهذه العلاقة الاجتماعية بين الأهل بعيدا عن أي تغير فسيولوجي يسير في اتجاه الغريزة الجنسية ، ولو حدث تغير يوصف الشخص بأنه مريض وغير طبيعي وغير سوى .. إذن الهرمونات كمواد كيميائية تتكون من ذرات لها دور أساسي ومهم في تحديد الاختلافات بين الأفعال والأعمال ، وكذلك تميز بين فعل الإنسان السوى والغير سوي ..

الأمر يحتاج لمزيد من التوضيح ..

الإنسان قد :ــ  يُحب ويكره ، يتسامح ويظلم ، يؤمن ويكفر ، يُصلِح ويُفْسِد ، يدعو للخير ويدعو للشر ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر أو العكس ، يحب الخير للناس أو يحقد عليهم ، يؤدى عمله بضمير ، أو يعيش مستهتراً فوضويا ، يؤمن بالله جل وعلا وحده لا شريك له ، أو يشرك مع الله جل وعلا شركاء و أولياء من البشر والحجر ، يقول كلمة الحق ويشهد بالحق أو يشهد زورا ، يُخلص في صلاته وعبادته لله جل وعلا ، أو يصلي رياءاً ، بأن يقع في الشرك ، يُخرج زكاة ماله ويتصدق من أفضل ما عنده بنفس راضية قاصدا مرضاة الله جل وعلا ، أم انه يفعل هذا رياءاً في المجتمع طلبا للشهرة والصيت وانتظار المقابل من الناس .............الخ ، امثلة كثيرة جدا يعيشها الإنسان ويمارسها في حياته اليومية ، وكل هذه الأفعال لها شقين :ــ الأول ظاهر للناس ويمكنهم رؤيته ومشاهدته وسماعه مثل (احمرار واصفرار الوجه أو الابتسامة أو الضحكة أو الكلام بصوت مسموع ، أما الشق الثاني:ــ باطني داخلي خفي غيبي ، لا يعلمه إلا الله جل وعلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويعلم ما نخفي وما نعلن ، وما نبدي وما نبطن ، العامل المشترك في كل هذه الأمور هو التفاعل الجسدي النفسي الذي يعبر عنه بكل دقة تفاعلا كيميائياً مختلفا يعبر بدقة متناهية عن مدى صدق او كذب الفاعل أو القائم بالعمل ، فمن المستحيل أن يُخلص إنسانا عقيدته ودينه وصلاته وزكاته وصومه لله جل وعلا وحده ، ويتساوى هذا الفعل بفعل نفس الإنسان حين يشرك بالله في عقيدته ودينه وحين يصلى رياءاً وووووو .. فلكل فعل منهما تغيرات تحدث في جسم الإنسان ، ويصاحب كل عمل منهما تفاعلا كيميائيا دقيقا يعبر عن مدى حقيقة هذا العمل ونسبة (الإخلاص والصدق ) أو (الكذب والتدليس) فيه ..

سؤال : مهم ..

ما أهمية الغدد والهرمونات والتفاعل الكيميائي والذرة والمعادلات الكيميائية في تسجيل أو تحديد الحسنات والسيئات ..؟

الذرة هي وحدة بناء المادة ، وبالطبع المادة هي عامل أو عنصر مشترك في بناء هذا الكون العظيم فإن الله جل وعلا ينفى امتلاك أي مخلوق في هذا الكون لأي شيء ، وهو توجيه وتحذير وتنبيه لكل من يدّعى وجود أولياء شركاء من البشر أو الحجر فيؤكد ربنا جل وعلا أن هؤلاء الشركاء لا يملكون في هذا الكون مقدار الذرة التي لا ترى بالعين المجردة يقول تعالى (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) سبأ :22

أزعم ــ وقد أكون مخطئا ــ أن أعمال الإنسان يتم تسجيلها في كتاب أعماله الخاص عن طريق تسجيل التفاعلات الكيميائية المصاحبة والمعبرة عن أفعاله وأقواله ومشاعره وعقيدته ودينه ، وكل ما يجول بخاطره من خير او شر ، من فساد أو إصلاح ، من صدق أو كذب ، من حب او حقد ، ولذلك ربنا جل وعلا يقول أن الحساب سيكون بالذرة وهي أصغر وحدة للمادة يقول تعالى(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ،  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) الزلزلة 7 ، 8 ..

إذن كل إنسان سيرى صورة حية لكل افعاله وأقواله في الدنيا ، لأن هذه الصورة تُستخدم فيها وحدة بنائية للمادة غاية في الصِّغر والدقة ، وهذه الصورة الحية لا يمكن لأي إنسان ان يراها في الحياة الدنيا ، لأنها عملية معقدة ودقيقة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، وهنا نتذكر قوله جل وعلا (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) سبأ 2 : 4 ، وذكرت الذرة للتعبير عن كتابة الحسنات وأن الله لا يظلم ، في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ..

وفي سورة يونس آية هامة جامعة نستدل بها ونؤكد ان كتابة الأعمال والأقوال والأفعال بأنواعها وعلى اختلافها يتم تسجيلها في كتاب مبين عند الله جل وعلا وهناك من الشهود على هذه الأعمال التي يقوم بها البشر أو حين يشرعون على القيام بها ، وتبين الآية أن الوحدة المستخدمة في آلية الكتابة هي الذرة (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) يونس :61

ولو صحَّ هذا الافتراض بأن الذرة وعلم الكيمياء لهما كل هذا الدور في تقدير وتحديد وتسجيل الحسنات والسيئات لكل إنسان ، فإن هذا يفتح لنا بابا للتفكر والسؤال أيضاً : ما هي أهمية أن يتوب ويستغفر كل إنسان ارتكب معصية أو وقع في الذنوب ، وكيف تتم عملية محو السيئات من كتاب أعماله ، بعد أن تم تسجيلها ــ كما ازعم ــ على هيئة معادلة كيميائية دقيقة معقدة..؟

عملية محو السيئات وتحويلها إلى حسنات يتم من خلال تفاعل كيميائي آخر قد اسميه ــ مجازاً ــ التفاعل الكيميائي العكسي ، أو بطريقة (التحويلات في الكيمياء العضوية) وهنا أيضا نجد الذرة عامل أساسي مؤثر في الموضوع بالإضافة لمؤثر آخر لا يقل أهمية وهو الشريط الوراثي أو البصمة الوراثية التي تختلف من شخص لآخر ..