Pages

الإسلام يطعن من الداخل!


الوهابية؟

لأن الاسلام متميّز عن غيره من الأديان في أمور جوهرية تفرّد بها فقد ناصبه كثير من الخصوم العداء منذ زمن بعيد ، فبخلاف اليهودية – وهي دين قومي منغلق – والنصرانية – وقد أصبحت على يد الكنيسة مجرد تسبيحات روحية وتهويمات تجريدية -  تُعدّ رسالة محمد عليه الصلاة والسلام دينا عالميا يعمل على الانتشار في أرجاء المعمورة من جهة ، ويسيّر بأحكامه وشرائعه وأخلاقه حياة الأفراد والمجتمعات الروحية والدنيوية من جهة أخرى ،  لذلك لم يفتأ أولئك الخصوم والأعداء على تطوير وسائلهم لمواجهة انتشاره ولإضعاف فعاليته النفسية و الاجتماعية بطرق شتى ، من أهمّها التشويش بالشبهات والقراءات المتحاملة والشاذة  ، وقد تولى هذه المهمة المنصّرون قصد إفساد العاطفة ، والمستشرقون لتحريف الفكر ، يعضدهم الاستعمار الغربي لفرض نمطه الحضاري المنقطع عن الدين والأخلاق والمعادي للإسلام ، وقد دام هذا المسعى ردحا من الزمن وكانت له نتائج ألقت بظلالها على حياة المسلمين الدينية والاجتماعية نسبيا لكنها لم تحقق مقاصدها المرسومة لاستعصاء الاسلام عليها  ، فاتجهت جهود الدوائر الغربية إلى تحريك أطراف من الفضاء الاسلامي ذاته تتبنى الرؤية الغربية وتعمل على إلحاق الاسلام بها بأساليب وأدوات مختلفة تصبّ كلها في ضرب الاسلام من الداخل ، حيث يتولّى هؤلاء الحديث باسمه وتأويل أحكامه وزعزعة قطعياته وثوابته استنادا إلى اجتهاد لا يملكون أدواته بل هي محاولات فجّة لتطويع الدين للثقافة الغربية ، فبرز رجال ونساء في ميادين الفكر والتأليف والمناظرة ولإمامة ، يحملون أسماء عربية وإسلامية يعرضون أفكارا وسلوكيات يقولون إنها هي وحدها القراءة الصحيحة للإسلام ، وتقوم الدوائر الغربية والتغريبيون بتسليط الأضواء عليها وعلى أصحابها والترويج لها على أوسع نطاق.
في المجال الفكري الأكاديمي : ظهر ما سُمّي " مفكرو الاسلام الجدد " ، وهم مفكرون وكتّاب أعلنوا القطيعة مع التراث الاسلامي وحمّلوه جميع مآسي المسلمين وتخلّفهم ونادوا بقراءة عصرية للإسلام خلاصتها وجوهرها استبعاد المقدس وإلغاء كل ما يعارض الفكر الحداثي أي " علمنة " الدين و " أنسَنَتُه " ، وقد تولّى كبْر هذه الدعوة مجموعة من المتشبعين بالفكر الغربي الناقمين على الدين والقيم والأخلاق ، بين ملحد يكفر بالدين وعلماني يهمّشه ومنهزم يريد إلحاقه بالمنظومة الفكرية الغربية ، من  محمد أركون وحسن حنفي إلى سيد القمني ونصر حامد أبو زيد مرورا بمحمد شحرور وهشام جعيّط ونحوهم.

في المجال الأدبي : برز لون جديد من الكتابات الأدبية يوظّف أحداثا وشخصيات من التاريخ الاسلامي توظيفا مغرضا يقلب الحقائق ، الغرض منه تشويه التاريخ ليصبّ في تقزيم الاسلام والانتصار للأطروحة العلمانية التغريبية ، فكاتبة مثل آسيا جبار تصوّر السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كثائرة ضدّ النظام الاسلامي وقائدة للحركة النسوية المتمرّدة عليه ، وغيرُها من الكتّاب – من المفرنسين وبعض المعرّبين المنهزمين حضاريا وروحيا - لم تعد رواياتهم تدور إلا على محور واحد هو تصوير المسلمين كإرهابيين ومتطرفين متعصّبين تعاني منهم الحرية والمرأة والأقليات والعالم كله ، ويتمثل البديل الذين يقترحونه عبر قصصهم في إشاعة الحرية الشخصية أي الفواحش والخمر والشذوذ ومحاربة التطرف الديني ويقصدون به الدين نفسه.

في المجال الاعلامي : في مسعى كأنه ردّ فعل على ما سمي بالدعاة الجدد اقتحمت المجالَ الاعلامي العربي الرسمي وجوهٌ نسوية ظاهرها الانتماء للإسلام ( ارتداء الحجاب أو وضع الخمار) تدعو إلى قراءة غير ذكورية للدين على أساس أن ما عليه المسلمون منذ البعثة النبوية هو تفسير الرجال الذي ظلم المرأة وهمّشها وهضم حقوقها لصالح الرجل !!!وتقوم هؤلاء النسوة " الداعيات "  بإعادة الأمور إلى نصابها وفق قراءة جديدة خلاصتها أن المرأة متساوية تماما مع الرجل في كل شيء ، ولا معنى إذن للقوامة وكيفية قسمة الميراث ومسألة الشهادة وتعدّد الزوجات لأن كل هذا دخيل على الاسلام العظيم ولو كان مثبّتا في القرآن !!! وهكذا ظهر مصطلح " الفينميزم الاسلامي " وهلّل له الاعلام العلماني والغربي ونفخ فيه إلى أبعد حدّ ، وتبعا لذلك تولّت امرأة تضع على رأسها خمارا تدريس التربية الجنسية في قناة فضائية مصرية رسمية ، وكل حديثها عن مقدمات الجماع  وكيفيته وأوضاعه ونحو ذلك ممّا يقتضي  الستر والحياء والحشمة ، ولكن هل لمسعاها غرض سوى التخلص من الحياء والحشمة والأخلاق الكريمة ؟ وقد سمعتُ واحدة من هؤلاء تشرح  اجتهادها هذا على الشاشة بكلّ لطف واطمئنان وثقة بالنفس وتؤكد أن جميع العلماء قد أخطئوا تفسير القرآن والسنة ، والخطأ ليس عيبا ، فعليهم الاعتراف بذلك والأخذ بهذا التفسير الصحيح الذي يحلّ مشكلات المرأة والرجل أيضا !!!

في مجال الاعلام الغربي : دأب الاعلام الغربي في المدة الأخيرة على استضافة شخصيات " مسلمة " تحلّل الأحداث – خاصة أعمال العنف المنسوبة لمسلمين - ، والقاسم المشترك بين هذه الشخصيات تبنّيها الكلي للرؤية الغربية ونسبة كلّ الشرور ليس فقط للتفسير الخاطئ لنصوص الوحي ولكن للقرآن والسنة ذاتهما ، ولعلّ القنوات الفرنسية أكثرها استعمالا لهذا الأسلوب ، ونجمُها المتألق كان العلماني المتطرف عبد الوهاب المؤدب ، وقد خلَفه الآن الجزائري المتفرنس محمد سيفاوي وهو أشدّ بغضا للإسلام من اليمين المتطرف ، يعلن رفضه لجميع أحكام الاسلام الثابتة وعلى رأسها حجاب المرأة ، فهو لا يطيقه... ومع ذلك يتولى الحديث باسم الاسلام ، لكنه إسلام آخر غير الذي يعرفه المسلمون ، بل هو " لا إسلام " تماما.

في المساجد : بلغت حملة التشويه أوجها حين اقتحمت حمى المساجد اقتحاما جريئا سلك سُبُلا شتى كلها ظلمات بعضُها فوق بعض ، ففي أمريكا بادرت المدعوّة " آمنة ودود " إلى إمامة رجال ونساء مختلطين في صلاة الجمعة ، فخطبت فيهم وصلّت بهم بعد أن قامت برفع الأذان امرأةٌ أخرى حاسرة الرأس ، لأن هذا هو الاسلام الصحيح في رأيها ، أما ما عليه المسلمون منذ خمسة عشر قرنا فهو تحريف للدين.

وفي جنوب إفريقيا افتتح ثلّة من " المسلمين " مسجدا خاصا بهم يجمع الشواذ جنسيا ، لأن الاسلام يبيح الشذوذ وإنما يحرّمه المتشدّدون فقط !!!.

وفي مدينة فرنسية سطع نجم إمام احد المساجد كداعية للتسامح الديني والعيش المشترك ، هذا الرجل – واسمُه حسن شلغومي – شديد العطف والتفاهم مع اليهود والمسيحيين ، وشديد التبرم من المسلمين وعلمائهم ودعاتهم ، زار فلسطين المحتلة وحظي فيها باستقبال كبير من طرف الصهاينة ، وجلّ ظهوره في فرنسا يكون مع القادة المشهورين بعدائهم للإسلام  من المنظمات الصهيونية واليمينية المتطرفة ، وتسلط عليه الأضواء لأنه نموذج  "المسلم المتفتح " الذي يحبه الغرب ويعمل على تعميمه لتخليص المسلمين من ...الاسلام.

ومن الغرائب أن الجرائد الفرنكوفونية كانت تهلّل تهليلا ضخما لرجل تسميه " مفتي مرسيليا الأكبر " ، هو نموذج المسلم بل وعالم الدين المثالي ، فهو عضو في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية اللائيكي ، لا يعترف بشرعية الحجاب وزوجته سافرة ، لا يعرف شيئا محرما في الدين ، فهو يمارس النحت ويخوض في الموسيقى ويؤلف كتبا خلاصتها ان الاسلام دين العلمانية ، يكره أمرا واحدا هو التمسك بالإسلام كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يحمل بالضرورة معاني الجمود والتطرف والتخلف.


هذا هو مسعاهم الذي لا يجوز التغافل عنه بل العمل العلمي والدعوي البصير لمواجهته ودحضه ، بعيدا عن التهوين والتهويل