Pages


الضمير والمعتقد والحرية!



لقد ولدنا في قسوة العالم والحياة..... والى هذا أضفنا قسوة الكائن البشري وقسوة المجتمع الإنساني!


ربما تكون قسوة العالم الذي نعيش فيه وخطورته متأتية من تحول ارادة الحداثة في غزو الطبيعة والرغبة في السيطرة على العالم الى الرغبة في غزو الذات والتحكم فيها وتعنيفها وتبرير استعباد الشعوب وانتهاك خصوصياتها وتدنيس رموزها والإساءة الى مقدساتها من قبل عولمة متوحشة ورأسمال منفلت من عقاله وذئبية بشرية تتصيد المصلحة وتدوس على القيم وتتاجر بعذابات الانسان!




 لقد أضعفت الحداثة الفكرية التي شملت مجالات الفلسفة والسياسة والفن والعلوم والمجتمع معظم الروابط التي تجمع الناس بالدين وأبعدت الكثير منهم عن الاهتمام بشؤون الايمان وقد أرست العلمنة والمذهب الانسي والعقلانية والقراءة الموضوعية والتوجهات التطورية والوضعية والإلحاد المنهجي وانتصرت الى العلم والعقل ودعت الأفراد الى تنظيم حياتهم وفق قيم التقدم والتنوير!




 لكن ما بعد الحداثة>عادت بشكل سريع وبقوة الى تناول قضايا المقدس والرمز ومنحت فرصة كبيرة للعلوم الانسانية لدراسة الظاهرة التعبدية من زوايا متعددة وركزت بالخصوص على مفاهيم المخيال والذاكرة والوضع التاريخي والوجدان واللاشعور الجماعي والديني والإلهي والأخروي!



كما حرصت على التمييز بين الفضاء الخاص والفضاء العام وبين الحياة الروحية والحياة اليومية وبين الاعتقاد واللاّإعتقاد ولذلك جعلت الٍأرواح والقلوب تراوح بين الاقرار والنفي وبين الاثبات والشك وبين الايمان واللاّإيمان تاركة العقول تتأرجح بين الانزعاج والثقة وبين الحيرة والطمأنينة!


اللافت للنظر أن الأسباب التي سوغت هذه العودة هي أزمة الأسس والإحساس بالضياع بعد فقدان جذري لليقين والرؤية الضبابية وطغيان الوسائل على الغايات وغلبة العقل الأداتي على العقل التواصلي واكتساح الهمجية واللاّتسامح المدينة ونقص التفاهم بين الأفراد والجماعات!


ماهو في الميزان هو أن القبول بحرية الضمير كدائرة أوسع من دائرة حرية المعتقد لا يتم إلا بإصلاح الفكر وإصلاح التعليم وإصلاح الحياة وإصلاح الدين والربط بين المعارف والأفعال>


حرية الضمير بين الذات والجماعة>


 لا الحاكم المدني ولا اي انسان اخر مكلف برعاية النفوس فالله لم يكلفه بذلك لانه لا يتضح ابدا ان الله قد منح مثل هذه السلطة لأحد *على آخر بحيث يرغم الآخرين على اعتناق دينه*


ليس العقل أو فقط هو ما يميز الانسان عن بقية الكائنات وإنما وبالأساس الضمير أو الاعتقاد وذلك لأن الانسان حيوان ميتافيزيقي والتعلق بالماوراء والغيب واضفاء معنى القداسة على الأفكار والأشياء والأشخاص هي عملية متواصلة في اطار جهد التمعين

والتعيير الذي يقوم به باستمرار!


اذا كانت الأهواء صوت الجسد والعاطفة لغة اللاوعي  فإن الضمير هو صوت الروح وقاعدة العقل ومبدأ الذهن، وقد قال عنه فيلسوف التنوير جان جاك روسو:" أيها الضمير... أيها الصوت السماوي الخالد... أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر... فتخلق ما في طبيعته من سمو وما في أفعاله من خيرية لولاك لما وجدت نفسي ما يرفعني على الحيوان، إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال الى ضلال بمعونة ذهن لا قاعدة له وعقل لا مبدأ له!


هكذا يكون الضمير الحسن والمطمئن هو القدرة على اصدار أحكام أخلاقية على قيمة أفعال البشر واستعداد نفسي للتمييز بين الحسن والقبيح منها . ويكون الضمير مصحوبا باللذة والألم اذا كان يتعلق بالماضي وبنداء الواجب والاستجابة الى أمر باطني اذا كان متوجها الى المستقبل!.