Pages

ألقاب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

ألقاب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

من الألقاب التي يطلقها بعض كتاب الفرق والمقالات وغيرهم على الاثني عشرية ما يلي:

1- الشيعة:

لقب الشيعة في الأصل يطلق على فرق الشيعة كلها، ولكن هذا المصطلح اليوم إذا أطلق - في نظر جمع من الشيعة وغيرهم - لا ينصرف إلا إلى طائفة الاثني عشرية. وممن قال بهذا الرأي: شتروتمان [انظر: دائرة المعارف الإسلامية: 14/68.]، والطبرسي [مستدرك الوسائل: 3/311.]، وأمير علي [يقول أمير علي: "أصبحت الاثنا عشرية مرادفة للشيعة". (روح الإسلام: 2/92).]، وكاشف الغطا [يقول الغطا: "يختص اسم الشيعة اليوم على إطلاقه بالإمامية"، وهو يعني بالإمامية الاثني عشرية، كما يدل عليه ما بعد هذه الجملة. (انظر: أصل الشيعة وأصولها: ص92).]، ومحمد حسين العاملي [يقول العاملي: "بما أن الزيدية اليوم ومثلهم الإسماعيلية لا يعرفون إلا بهذين الانتسابين، وبما أن الفطحية والواقفية لا وجود لها في هذا العصر انحصر اسم الشيعة بالإمامية الاثني عشرية". (الشيعة في التاريخ ص 43).]، وعرفان عبد الحميد [يقول عرفان: "مصطلح الشيعة إذا أطلق من غير تحديد وحصر لا يعني إلا المذهب الاثنا عشري". (مجلة كلية الدراسات الإسلامية، العدد الأول، 1387ه ص 35).]، وغيرهم [انظر مثلاً: السامرائي/ الغلو والفرق الغالية ص 82، أحمد زكي تفاحة/ أصول الدين وفروعه عند الشيعة: ص 21، إحسان إلهي ظهير/ الشيعة والتشيع ص 9.].

وأقول بهذا الرأي، لا لأن الاثني عشرية يمثلون القاعدة الكبيرة من بين الفرق الشيعية فحسب، بل لسبب أهم - لم أر من تعرض بالدراسة والبيان، وبحثه يحتاج إلى دارسة مستقلة تعتمد على التحليل والمقارنة - وهو أن مصادر الاثني عشرية في الحديث والرواية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية التي خرجت في فترات التاريخ المختلفة إن لم يكن كلها - كما سلف -، فأصبحت هذه الطائفة هي الوجه المعبر عن الفرق الشيعية الأخرى.

2- الإمامية:

هذا اللقب عند كثير من أصحاب الفرق والمقالات يطلق على مجموعة من الفرق الشيعية، ولكن تخصص فيما بعد عند جمع من المؤلفين وغيرهم بالاثني عشرية، ولعل من أول من ذهب إلى ذلك شيخ الاثني عشرية في زمنه "المفيد" في كتابه أوائل المقالات [أوائل المقالات: ص 44.]، وأشار السمعاني إلى أن ذلك هو المعروف في عصره فقال: "وعلى هذه الطائفة - يشير إلى الاثني عشرية - يطلق الآن الإمامية" [الأنساب: 1/344، ابن الأثير/ اللباب: 1/84، السيوطي/ لب الألباب في تحرير الأنساب، حرف الهمزة، لفظ إمامية.]. وقال ابن خلدون: "وأما الاثنا عشرين فربما خصوا باسم الإمامية عند المتأخرين منهم" [تاريخ ابن خلدون: 1/201.]. وأشار صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية إلى أن الاثني عشرية هي المتبادرة عند إطلاق لفظ الإمامية [مختصر التحفة الاثني عشرية: ص 20.]. ويقول الشيخ زاهد الكوثري: "والمعروف أن الإمامية هم: الاثنا عشرية" [الكوثري/ في تعليقاته على كتاب التنبيه والرد للملطي: ص 18.].

ويلاحظ أن كاشف الغطا - من شيوخ الشيعة المعاصرين - يستعمل لقب الإمامية بإطلاق على الاثني عشرية [أصل الشيعة وأصولها: ص 92.]، ومن شيوخ الشيعة الآخرين من يرى أن الإمامية فرق، منهم الاثنا عشرية، والكيسانية، والزيدية، والإسماعيلية [محسن الأمين/ أعيان الشيعة: 1/21.]. وبعدما عرفنا أن الإمامية صار لقباً من ألقاب الاثني عشرية نعرج على ما قيل في تعريفه:

الإمامية:

ويقول شيخ الشيعة في زمنه المفيد: "الإمامية هم القائلون بوجوب الإمامة، والعصمة، ووجوب النص، وإنما حصل لهم هذا الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول، فكل من جمعها فهو إمامي وإن ضم إليها حقاً في المذهب كان أم باطلاً، ثم إن من شمله هذا الاسم واستحقه لمعناه، قد افترقت كلمتهم في أعيان الأئمة وفي فروع ترجع إلى هذه الأصول وغير ذلك، فأول من شذ من فرق الإمامية الكيسانية" [العيون والمحاسن: 2/91.].

فالمفيد هنا يجعل لقب الإمامية لقباً عاماً يشمل كل من قال بهذه الأركان الثلاثة التي ذكرها: الإمامة، العصمة، النص، ولكنه في كتاب آخر له يضيق نطاق هذا المصطلح حتى يكاد يقصره على طائفة الاثني عشرية حيث يقول: "الإمامية علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأجب النص الجلي، والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي، وساقها إلى الرضا علي بن موسى - عليه السلام –" [أوائل المقالات: ص 44.].

فأنت تلاحظ أنه شرط هنا النص الجلي، بينما في الموضع السابق أطلق القول بالنص ليشمل الجلي والخفي، كما أنه أضاف هنا حصر الأئمة بولد الحسين، وسياق الإمامة فيهم إلى الرضا علي بن موسى، في حين أنه لم يشترط ذلك فيما سبق حتى أدخل فيهم الكيسانية [سيأتي التعريف بها ص (180) من هذه الرسالة.].. وكأنه لاحظ هذا التغير في الرأي فقال: "لأنه وإن كان (أي لقب الإمامية) في الأصل علماً على من دان من الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفناه، فإنه قد انتقل عن أصله، لاستحقاق فرق من معتقديه ألقاباً، بأحاديث لهم بأقاويل أحدثوها، فغلبت عليهم في الاستعمال، دون الوصف بالإمامية، وصار هذا الاسم في عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة علماً على من ذكرناه" [أوائل المقالات: ص 44.].

وإذا تجاوزت تعريف المفيد هذا إلى كتب الفرق والمقالات الأخرى لاستطلاع آراء غير الشيعة في تعريف الإمامية نلاحظ أن أكثر مؤلفي الفرق لم يخصوا الإمامية بالاثني عشرية، بل كان لقب الإمامية عندهم أعم من ذلك وأشمل، فالشهرستاني يقول: "الإمامية هم القائلون بإمامة علي - رضي الله عنه - نصاً ظاهراً، وتعييناً صادقاً من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين" [الملل والنحل: 1/162.]، ومثله الأشعري حيث يقول: ".. وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب" [مقالات الإسلاميين: 1/86.]. ومن أصحاب الفرق من قال بأن "تسميتهم الإمامية" لأنهم يزعمون أن الدنيا لا تخلو عن إمام، إما ظاهراً مكشوفاً، وإما باطناً موصوفاً [عثمان بن عبد الله العراقي/ ذكر الفرق والضوال: ق 12 أ (مخطوط)، وانظر مثل ذلك عند القرطبي في كتابه "بيان الفرق" ق2 ب (مخطوط)، وانظر: شرح الاثنتين والسبعين فرقة: ق12(مخطوط).]. ولكن ابن المرتضى يقول: والإمامية "سميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها للإمام، وأنه كالنبي، ولا يخلو وقت من إمام يُحتاج إليه في أمر الدين والدينا" [المنية والأمل: 21.].

فمن هؤلاء من راعى في سبب التسمية مسألة النص، ومنهم من اعتبر في سبب التسمية قولهم بأن الدنيا لا تخلو من إمام، ومنهم من جمع إلى ذلك قولهم بأن أمور الدين كلها للإمام، وهي أقوال متقاربة يرجع بعضها إلى بعض.. ومصطلح الإمامية تظهر بعد شيوع مصطلح الشيعة، ويبدو أن ظهوره مرتبط ببدء الاهتمام الشيعي بمسألة الإمام والإمامة، وظهور الفرق الشيعية التي تقول بإمامة أفراد أهل البيت، وسيأتي بحث ذلك في موضوع الإمامة.

وقد ذكر ابن أبي الحديد أن مقالة الإمامية - فضلاً عن لقبها - لم تشتهر إلا متأخرة. يقول ابن أبي الحديد: "لم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوهم من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ (يعني في العصر الأموي) على هذا النحو من الاشتهار" [شرح نهج البلاغة: 4/522.].

3- الاثنا عشرية:

هذا المصطلح لا نجده في كتب الفرق والمقالات المتقدمة، فلم يذكره القمي (ت 299ه‍ أو 301ه‍) في "المقالات والفرق"، ولا النوبختي (ت 310ه‍) في "فرق الشيعة"، ولا الأشعري (ت330ه‍) في "مقالات الإسلاميين". ولعل أول من ذكره المسعودي [التنبيه والإشراف: ص 198.] .(ت349ه‍) -(من الشيعة). أما من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي (ت429ه‍) حيث ذكر أنهم سموا بالاثني عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه –" [الفرق بين الفرق: ص64.].

قال الرافضي المعاصر محمد جواد مغنية : الاثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعينهم بأسمائهم [الاثنا عشرية وأهل البيت: ص15.].

وظهور هذا الاسم كان بلا شك بعد ميلاد فكرة الأئمة الاثني عشر، والتي حدثت بعد وفاة الحسن العسكري (توفي سنة260ه‍) حيث أنه: "قبل وفاة الحسن لم يكن أحد يقول بإمامة المنتظر إمامهم الثاني عشر، ولا عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة الاثني عشر" [منهاج السنة: 4/209.].

ولكن يرى صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية أن زمن ظهور الإمامية الاثني عشرية، سنة مائتين وخمس وخمسين [انظر: مختصر التحفة: ص 21.].

ويبدو أنه عين هذا التاريخ بالذات، لأن تلك السنة (255ه‍) هي التي زعمت الاثنا عشرية أنه ولد فيها إمامهم الثاني عشر [كما نص على ذلك الكل الكليني في الكافي : 1/514، والمفيد في الإرشاد ص390، والطبرسي في أعلام الورى: ص393. ونجد في الأعلام للزركلي: 2/215، والعقل عند الشيعة، رشدي عليان: ص56، وتاريخ الإمامية، عبد الله فياض: ص183، بأن الولادة المزعومة كانت سنة (256ه‍).]، والذي يزعمون حياته إلى اليوم، وينتظرون خروجه، فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يحدد التاريخ بسنة 260ه‍؛ لأن دعوة وجود الإمام الثاني عشر المنتظر إنما ظهرت بعد وفاة الحسن العسكري (والذي توفي سنة 260ه‍).

أما الاثنا عشر الذي تقول الجعفرية بأنهم أئمتها، فهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحسن والحسين، وذرية الحسين.

وفيما يلي بيان بأسمائهم وألقابهم، وكناهم،وسنة ميلاد كل إمام ووفاته:

سنة ميلاده ووفاته


لقبه


كنيته


اسم الإمام


م

23 قبل الهجرة، 40 بعد الهجرة

2-50ه

3-61ه

38-95ه

57-114ه

83-148ه

128-183ه

148-203ه

195-220ه

212-254ه

232-260ه

يزعمون أنه ولد سنة 255أو256ه‍ ويقولون بحياته إلى اليوم(1)


المرتضى



الزكي

الشهيد

زين العابدين

الباقر

الصادق

الكاظم

الرضا

الجواد

الهادي

العسكري

المهدي


أبو الحسن



أبو محمد

أبو عبدالله

أبو محمد

أبو جعفر

ابو عبدالله

أبو إبراهيم

أبو الحسن

أبو جعفر

أبو الحسن

أبو محمد

أبو القاسم


علي بن أبي طالب



الحسن بن علي

الحسين بن علي

علي بن الحسين

محمد بن علي

جعفر بن محمد

موسى بن جعفر

علي بن موسى

محمد بن علي

علي بن محمد

الحسن بن علي

محمد بن الحسن




(1)[انظر عن الاثنى عشر: الكليني/ أصول الكافي: 1/452 وما بعدها، المفيد/ الإرشاد، الطبري/ أعلام الورى، الأربلي/ كشف الغمة. وانظر: الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 90/91، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/169، ابن خلدون/ لباب المحصل: ص128 وغيرها.]

4- القطعية:

وهو من ألقاب الاثني عشرية عند طائفة من أصحاب الفرق، كالأشعري [مقالات الإسلاميين: 1/90-91.] والشهرستاني [الملل والنحل: 1/169.] والإسفراييني [التبصير في الدين: 33.] وغيرهم [انظر: الحور العين: ص 166.]. وهم يسمون بالقطعية؛ لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر الصادق [انظر: القمي/ المقالات والفرق: ص 89 ، الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص47،الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/90، عبد الجبار الهمداني/ المغني ج20، القسم الثاني ص 176، المسعودي/ مروج الذهب: 3/221.]، وهذا ما تذهب إليه الاثنا عشرية.

يقول المسعودي: "وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي.. وهو أبو المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية" [مروج الذهب: 4/199.]، ومنهم من يعتبر القطعية فرقة من فرق الإمامية وليس من ألقاب الاثني عشرية [مختصر التحفة الاثني عشرية: ص 19-20. ولاشك أن القطعية هم أسلاف الاثني عشرية، وسموا بهذا بعد القطع بإمامة موسى، وافترقوا بذلك عن الإسماعيلية.. ولكن إذا لاحظنا أن الشيعة تختلف بعد موت كل إمام فإن فرقة القطعية قد حل بها هذا الانقسام.. وانفصل منها فرق لم تعتقد بالاثني عشر. أي أنه قد صار من فرق القطعية من لم يكن من الاثني عشرية، فالقطعية أعم من الاثني عشرية.].

5- أصحاب الانتظار:

يلقب الرازي الاثني عشرية بأصحاب الانتظار، وذلك لأنهم يقولون بأن الإمام بعد الحسن العسكري ولده محمد بن الحسن العسكري وهو غائب وسيحضر.. ويقول: وهذا المذهب هو الذي عليه إمامية زماننا [اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: ص 84-85.]. والانتظار للإمام مما يشترك في القول به جمع من فرق الشيعة على اختلاف بينهم في تعيينه، ولا يختص به طائفة الاثني عشرية.

6- الرافضة:

ذهب جمع من العلماء إلى إطلاق اسم الرافضة على الاثني عشرية كالأشعري في المقالات [انظر: مقالات الإسلاميين: 1/88.]، وابن حزم في الفصل [الفصل: 4/157-158.].

كما يلاحظ أن كتب الاثني عشرية تنص على أن هذا اللقب من ألقابها، وقد أورد شيخهم المجلسي في كتابه البحار - وهو أحد مراجعهم في الحديث - أربعة أحاديث من أحاديثهم في مدح التسمية بالرافضة [ذكرها المجلسي في باب سماه: "باب فضل الرافضة ومدح والتسمية بها". ومن أمثلة ما ذكره في هذا الباب: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قلت: الرافضة، فقال جعفر: إن سبعين رجلاً من عسكر موسى - عليهم السلام - فلم يكن في قوم موسى أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله.

(البحار: 68/96-97، وانظر أيضاً: تفسير فرات: ص 139، البرقي/ المحاسن: ص157، الأعلمي/ دائرة المعارف: 18/200).]، وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا الاسم لهم، ولكن في هذه الأحاديث ما يفيد أن الناس بدأوا يسمونهم بالرافضة من باب الذم لا المدح، ولا تجيب هذه المصادر الشيعية عن سبب تسمية الناس لهم بهذا الاسم على سبيل الذم والسب لهم [هناك رأي يقول بأن أول من أطلق اسم الرافضة المغيرة بن سعيد، والذي تنسب إليه طائفة المغيرية، وقد قتله خالد القسري سنة (119ه‍) وذلك أنه بعد وفاة محمد الباقر، مال إلى إمامة النفس الزكية (محمد بن عبد الله بن الحسن) وأظهر المقالة بذلك فبرئت منه شيعة جعفر بن محمد فسماهم الرافضة.

(انظر: القمي/ المقالات والفرق: ص 76-77، النوبختي/ فرقة الشيعة: ص62-63، القاضي عبد الجبار/ المغني ج‍20 القسم الثاني ص 179).

ويبدو أن مصدر هذا الزعم هو الرافضة، وقد أشار إلى ذلك الطبري فقال: "فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم رافضة المغيرة حيث فارقوه" (تاريخ الطبري: 7/181)، وقد عد عبد الله فياض الرواية المنسوبة للمغيرة من تسميته الشيعة بالرافضة ضعيفة لا تصمد للنقد، إذ لو كان الذي سماهم بذلك هو المغيرة لم يوجب ذلك حنق الشيعة، واستحلال الولاة لدمائهم كما تذكره رواية الشيعة (تاريخ الإمامية: ص75).]. ولكن المصادر الأخرى تذكر أن ذلك لأسباب تتعلق بموقفهم من خلافة الشيخين، يقول أبو الحسن الأشعري: "وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر" [مقالات الإسلاميين: 1/89، وانظر أيضاً في سبب التسمية بالرافضة: الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/155، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص77، والإسفراييني/ التبصير في الدين ص34، الجيلاني/ الغنية: 1/76، ابن المرتضى/ المنية والأمل ص :21.].

ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية قول الأشعري هذا وعقب عليه بقوله: "قلت: الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك" [منهاج السنة: 2/130.].. وهذا الرأي لابن تيمية يعود لرأي الأشعري، لأنهم ما رفضوا زيداً إلا لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلافتهما [راجع: تاريخ الطبري: 7/180-181، ابن الأثير/ الكامل: 4/246، ابن كثير/ البداية والنهاية: 9/329-330، ابن العماد الحنبلي/ شذرات الذهب: 1/158، تاريخ ابن خلدون: 3/99.]، فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيداً أو لرفضهم مذهبه ومقالته مؤداهما- في نظري - واحد. إلا أن شيخ الإسلام راعى الناحية التاريخية، في ملاحظته على الأشعري، ذلك أن رفض إمامة أبي بكر وعمر قد وجدت عند بعض فرق الشيعة كالسبئية ونحوها قبل خلافهم مع زيد، ولكن لم يلحقهم هذا الاسم (الرافضة) ولم يوجد إلا بعدما أعلنوا مفارقتهم لزيد لترضيه عن الشيخين وتسمية زيد لهم بالرافضة.

هذا وهناك أقوال أخرى في سبب تسميتهم بالرافضة [فقيل: "سموا رافضة".. لتركهم نصرة النفس الزكية (ابن المرتضى/ المنية والأمل: ص21، وانظر هامش رقم 1 ص 111)، وقيل: لتركهم محبة الصحابة (علي القاري/ شم العوارض في ذم الروافض، الورقة 254ب (مخطوطة)، وقيل: لرفضهم دين الإسلام (انظر: الإسكوبي/ الرد على الشيعة: الورقة 23 (مخطوط)، وانظر: محي الدين عبد الحميد/ هامش مقالات الإسلاميين: 1/89).]. على أن هناك من أصحاب الفرق من أطلق اسم الرافضة على عموم فرق الشيعة [كالبغدادي في الفرق بين الفرق، والإسفرايين في التبصير في الدين، والملطي في التنبيه والرد، والسكسكي في البرهان في عقائد أهل الأديان وغيرهم. وانظر الملاحظة على ذلك: ص (117).].

7- الجعفرية:

وتسمى الاثنا عشرية بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق إمامهم السادس - كما يزعمون - وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص. روى الكشي أن: شعية جعفر في الكوفة (أو من يدعون التشيع لجعفر) سموا بالجعفرية، وأن هذه التسمية نقلت إلى جعفر فغضب ثم قال: "إن أصحاب جعفر منكم لقليل، إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه" [رجال الكشي: ص 255.].

وقد جاء في الكافي ما يدل على أن الناس كانوا يطلقون على من يدعي التشيع لجعفر الصادق "جعفري خبيث"، وأن بعض الشيعة اشتكى من ذلك لجعفر فأجابه: "ما أقل والله من يتبع جعفراً منكم، إنما أصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي" [أصول الكافي: 2/77.]. فهذا يدل - إن صحت الرواية - على أن اسم الجعفرية كان شائعاٌ ي زمن جعفر، وأن جعفر لا يرضى عنه الكثيرين منهم، كما يدل على أن لقب الجعفري كان يطلق على الإسماعيلية والاثني عشرية، لأن الافتراق بين الطائفتين تم بعد وفاة جعفر.

وقد أطلق اسم "الجعفرية" على طائفة من الشيعة انقرضت كانت تقول بأن الإمام بعد الحسن العسكري أخوه جعفر [الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين ص: 84، مختصر التحفة الاثني عشرية: ص21.]. وهناك ألقاب أخرى للاثني عشرية تطلق عليهم في بعض البلدان [مثل لقب "المتاولة" يطلق في الأعصار الأخيرة على شيعة جبل عامل وبلاد بعلبك وجبل لبنان وهو جمع متوالي إلى اسم فاعل من توالي، مأخوذ من الولاء والموالاة وهي الحب، لموالاتهم- فيما يزعمون - أهل البيت وقيل: إنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يقولون في حروبهم: مت ولياً لعلي فسمي الواحد منهم متوالياً لذلك.

انظر: حاضر العالم الإسلامي: 1/193-194، أعيان الشيعة: 1/22 .

ومثل لقاب "قزلباش" وهو لفظ تركي معناه ذو الرأس الأحمر... والآن اسم قزلباش ي بلاد إيران مشهور، وفي بلاد الهند والروم والشام يسمون كل شيعي قزلباش.

انظر: أعيان الشيعة 1/23-24 . وسيأتي في فرق الاثني عشرية أن القزلباشية من فرق الاثني عشرية.].

الخاصة:

وهو لقب يطلقه شيوخ الشيعة على طائفتهم، ويلقبون أهل السنة والجماعة بالعامة.

جاء في دائرة المعارف الشيعية ما نصه: "الخاصة في اصطلاح بعض أهل الدارية: الإمامية الاثنا عشرية، والعامة: أهل السنة والجماعة" [دائرة المعارف: 17/122.].

ويجري كثيراً استعمال هذا اللقب في رواياتهم للأحاديث، فيقولون: هذا عن طريق العامة، وهذا عن طريق الخاصة [انظر - مثلاً - غاية المرام لهاشم البحراني، ومن رواياتهم: "ما خالف العامة ففيه الرشاد" انظر: أصول الكافي: 1/68، وسائل الشيعة: 18/76.].

فرق الاثني عشرية:

الاثنا عشرية امتدا للشيعة الإمامية (بمعناها العام) وفصيلة من فضائلها.. بل فرقة واحدة من خمس عشرة فرقة انقسمت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري [انظر القمي/ فرق الشيعة: ص 120 وما بعدها.] سنة (260ه‍) ومع ذلك فقد انبثق من الاثني عشرية فرق كثيرة.

يقول الأستاذ محمود الملاح وهو من المعنيين بتتبع هذه الفرقة: "وفي عصرنا هذا نجد الاثني عشرية منقسمة إلى:

- أصولية [سيأتي التعريف بهما.].

- وأخبارية [سيأتي التعريف بهما.].

- وشيخية [الشيخية: وقد ياقل لها: الأحمدية، هم أتباع الشيخ أحمد الإحسائي (المولود سنة 1166ه‍، والمتوفى سنة 1241ه‍). وهو من شيوخ الاثني عشرية.

وقد قال الألوسي - رحمه الله - (عن الإحسائي وأتباعه): "ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في أمير المؤمنين علي على نحو ما يعتقده الفلاسفة في العقل الأول" كما نسب إليه القول بالحلول، وتأليه الأئمة، وإنكار المعاد الجسماني، وأن من أصول الدين الاعتقاد بالرجل الكامل وهو المتمثل في شخصه، وقد اختلف الشيعة الاثنا عشرية في شأنه بين مادح كالخوانساري في روضات الجنات: 1/94، وقادح مثل محمد ممهدي القزويني في كتابه: ظهور الحقيقة على فرقة الشيخية، ومتوقف مثل علي البلادي في أنوار البدرين ص 408، ومنهم من زعم التوسط في شأنه فقال: "..اختلف الناس فيه بين من يقول بركنيته وبين من يقول بكفره، والتوسط خير الأمور، والحق أنه من أكابر علماء الإمامية" - ثم امتدحه بجملة كلمات - إلى أن قال: "نعم له كلمات في مؤلفاته بجملة – كذا - متشابهة لا يجوز من أجلها التهجم والجرأة على تفكيره". (محمد حسين آل كاشف الغطا/ (حاشية) المصدر السابق ص 408-409). وهذا الاختلاف قد يدل على أن الكثير من الانثي عشرية تهون عندهم عظائم هذا الرجل وضلالاته.. (انظر في مذهب الشيخية: الألوسي/ نهج السلامة: ص 18-19(مخطوط)، مختصر التحفة: ص 22، الأعلمي الحائري/ مقتبس الأثر: 20/136، محمد حسن آل الطلقاني/ الشيخية نشأتها وتطورها، مجلة العرفان مجلد 33 ص 199، أعيان الشيعة: 8/390، محسن عبد الحميد/ حقيقة البابية والبهائية ص :36، مصطفى عمران/ تهافت البابية والبهائية ص 34، جولد تسيهر/ العقيدة والشريعة: ص270، مبارك إسماعيل/ التيارات الفكرية ص 110.].

- وكشفية [الكشفية: هم أصحاب كاظم بن قاسم الرشتي (المتوفى سنة 1259ه‍) تلميذ الإحسائي (مؤسس الشيخية) والقائم مقامه من بعده، والآخذ بنهجه مع زيادة في الغلو والتطرف، وسيمت بالكشفية لما ينسب إلى زعيمها من الكشف والإلهام. يقول الشيخ الألوسي عن الكشفية: الكشفية لقب لقبهم به بعض وزراء الزوراء (علي رضا باشا) أعلى الله درجته، وهم أصحاب السيد كاظم الحسيني الرشتي وهو تلميذ الإحسائي وخريجه، لكن خالفه في بعض المسائل، وكلماته ترشح بما هو أدهى وأمر مما ترشح به كلمات شيخه، حتى إن الإثني عشرية يعدونه من الغلاة وهو يبرأ مما تشعر به ظواهر كلماته، وقد عاشرته كثيراً فلم أدرك منه ما يقول فيه مكفروه من علماء الاثني عشرية، نعم عنده على التحقيق غير ما عندهم في الأئمة وغيرهم مما يتعلق بالمبدأ والمعاد.. ولا أظن مخالفاته لشيخه تجعله وأصحابه القائلين بقوله فرقة غير الشيخية (نهج السلامة ص19)، ومنهم من اعتبره فرقة مستقلة لتصريحه بذلك في قوله في كتابه دليل الحيران ص 136: "هذا مسلك لم يسبقني إليه أحد قبلي" (انظر: آل طعمة/ مدينة الحسين ص34) ولذلك يعتبره محمد حسين آل كاشف الغطا هو الذي خرج عن الجادة القويمة، وزاغ زيغاً عظيماً، وأنه أدخل على الشيعة الإمامية أشد فتنة وأعظم بلية، ومنه وأتباعه نشأت بلية البابية بخلاف شيخه الإحسائي: (محمد حسين آل كاشف الغطا/ حاشية علي أنوار البدرين ص 408-409، وانظر في الكشفية أيضاً: مصطفى عمران/ تهافت البابية ص 37- 39، آل طعمة/ مدينة الحسين، وفيه بحث مطول عن الكشفية من كتب زعيمها وتلامذته ص 24 وما بعدها، عبد الرزاق الحسين / البابيون والبهائيون ص 10).].

- وركنية [الركنية: أتباع مرزا محمد كريم بن إبراهيم خان الكرماني، من تلامذه الرشتي وعلى مذهبه، سميت بذلك؛ لقولها بالركن والشيعي الكامل، واعتباره من أصول الدين والمتمثل في شخص زعيمهم. (انظر: آل طعمة/ مدينة الحسين ص 56).

ومنهم من يعتبر الركنية والكشفية من ألقاب الشيخية والجميع فرقة واحدة. (انظر: مجلة العرفان مجلد 33 ص199، محمد آل الطلقاني/ الشيخية ص 274).].

- وكريمخانية [كريمخانية: هم أتباع محمد الفجري الكرماني كريمخان، وهو على مذهب الشيخية ولذلك قال فيه الحائري: "رئيس الطائفة الشيخية". (متقبس الأثر: 24/274-275).].

- وقزلباشية [القزلباشية: هم صوفية متشيعة من أتباع الصفويين، ولفظ القزلباش معناه الرؤوس الحمر، لتغطية رؤوسهم بشعار أحمر، وهو عبارة عن قنلسوة يلبسونها كشعار لهم وقد وصفها بعضهم بقوله: "لقد أمر حيدر ابن جنيد الصفوي أتباعه بأن ترتفع من وسط عمامتهم، ذات الأكوار العديدة قطعة مدببة على هيئة الهرم مقسمة من قمتها إلى إطرافها إلى اثنتي عشرة شقة تذكر بعلي وأبنائه الاثني عشر، ومن هنا سمي الصوفية من أتباع الصفويين بالقزلباش اتصالاً بهذا الشعار الاثني عشري الأحمر". وقد زعم محسن الأمين أن القزلباش لقب للاثني عشرية في بعض البلدان - كما مر- ولعله أراد التستر على كثرة فرق طائفته وانقساماتها كعادته.

(انظر: مصطفى الشيبي/ الفكر الشيعي: ص405-406، أعيان الشيعة: 1/23، 24).].

وكلها داخلة في المجموعة الاثني عشرية وأصولها مبثوثة في كتب الاثني عشرية، وهي بعد هذا يكفر بعضها بعضاً" [الآراء الصريحة: ص81.].

وزاد بعض الباحثين من الشيعة [آل طعمة/ مدينة الحسين: ص55-56.] أسماء أخرى هي: القرتية [القرتية: أصحاب امرأة اسمها هند، وكنيتها أم سلمة، ولقبها قرة العين، لقبها بذلك كاظم الرشتي في مراسلاته إذ كانت من أصحابه، وهي ممن قلدت الباب بعد موت الرشتي ثم خالفته في عدة أشياء منها: التكاليف، فقيل: إنها كانت تقول بحل الفروج ورفع التكاليف بالكلية. قال الألوسي (أبو الثنا): وأنا لم أحس منها بشيء من ذلك مع أنها حبست في بيتي نحو شهرين.. والذي تحقق عندي أن البابية والقرتية طائفة تعتقد في الأئمة نحو اعتقاد الكشفية فيهم، ويزعمون انتهاء التكليف بالصلوات الخمس وأن الوحي غير منقطع. (نهج السلامة: ص21، وانظر عن القرتية: آل طعمة/ مدينة الحسين ص56، 239، وما بعدها، وغالب الكتب التي ألفت في البابية تحدثت عن هذه المرأة وأتباعها (انظر مراجع هامش (4) من هذه الصفحة).]، البابية [البابية: أتباع الباب ميرزا علي محمد الشيرازي (1235-1265ه‍) وهو من الإمامية الاثني عشرية، ادعى أنه الباب للإمام الذي ينتظرونه، وأنه وحده الناطق عنه، ثم ادعى أنه هو إمامهم الغائب، ثم زعم أن الله - سبحانه - قد حل فيه، وله ضروب من الكفر والضلال. (انظر في مذهب البابية: محسن عبد الحميد/ حقيقة البابية والبهائية، مصطفى عمران/ تهافت البابية والبهائية، محمود الملاح/ البابية والبهائية، إحسان إلهي ظهير/ البابية).]، والكوهرية [الكوهرية: هم أتباع الآخوند ملا حسن كوهر المروجون لنحلته في كربلاء حتى اليوم (آل طعمة/ مدينة الحسين: ص 55) وكان للكشفية أثر بليغ في ظهورها (المصدر السابق ص 239) يؤلهون الأئمة ويقولون بنفي العقاب عن مرتكب المعاصي (انظر: المصدر السابق ص 53-54).].

وزاد بعضهم أيضاً النوربخشية [النوربخشية: نسبة إلى محمد نوربخش القوهستاني يكنى بأبي القاسم (المولود سنة 795ه‍، والمتوفى سنة 869ه‍) يدعي الاثنا عشرية أنها فرقة من فرقهم، وهي توجد في وديان هملايا، وكوهستان بلتستان المتصلة بتبت الصينية، وقد ادعى المهدية لنفسه، وطبق الأحاديث الواردة عن طريق أهل السنة في اسم المهدي وكنيته على شخصه، وأنكر مهدي الشيعة وانفصل عنها، وبهذا رأى بعضهم أنه ليس من فرق الاثني عشرية، بل هو من الصوفية أصحاب وحدة الوجود. (إحسان إلهي ظهير/ الشيعة ص: 316).

ولكن لا يمنع هذا أن يكون من الاثني عشرية في الأصل وادعى دعوى المهدية، وأخذ بروايات أهل السنة لانطباقها عليه، لأنه كان يقول بالأئمة الاثني عشر، ولهذا اكتفى في يوم بيعته بالمهدية بقبول اثني عشر تيمناً بعدد الأئمة (الشيبي/ الفكر الشيعي: ص 332).

كما زار - عندما قدم العراق - العتبات الشيعية المقدسة (المصدر السابق ص 333). أما المنزع الصوفي فإن الصلة بين التصوف والتشيع قائمة ووثيقة.

(انظر في مذهب هذه الطائفة: الشيعة والتشيع: ص 314، مصطفى الشيبي/ الشيعي: ص 328 وما بعدها).]، ثم إنه كما يقول الألوسي: "ولا يبعد أن تظهر فرق أخرى من الإمامية بعد" [أبو الثناء الألوسي/ نهج السلامة: ص22.]. نسأل الله تعالى العافية.

ومن خلال تتبعي لنصوص الاثني عشرية التي تنسبها للأئمة وترويها في كتبها المعتمدة وجدت أنها تحمل في ثناياها بذور نحل مختلفة وأهواء متباينة.. يجد فيها كل صاحب هوى وغلو وبدعة، بغيته ومرامه... فهي قد اتسعت بحكم معتقد التقية، وكثرة الكذب والافتراء على الأئمة، وانضواء الملحدين والمتآمرين في صفوفهم، وعجز شيوخ الشيعة عن تنقية المذهب مما علق به من كيد الملحدين عبر القرون، وفقدان الموازين الصحيحة الثابتة لتمحيص الروايات وتحقيقها، اتسعت بسبب ذلك وغيره لاحتواء تلك البذور السامة وذلك الركام الهائل من الأخبار المظلمة.

أما الحديث المفصل عن كل فرقة بذاتها فهذا موضوع يطول الحديث فيه، وقد لا يدخل في صل الموضوع الرئيسي لبحثنا والمعني بدارسة أصولهم لا نشأة فرقهم، وأخبار أصحابها وأقوالها وآرائهم. ولعلنا نكتفي بالحديث عن افتراق الشيعة إلى أصولية وأخبارية؛ لأن الأصولية هي أساس المذهب الاثني عشري، وتمثل الأكثرية، ويقابلها الإخبارية، وإن كانت أقل منها، أما ما سواها من فرق فهي ليست بذلك الحجم الذي تمثله الأصولية.. ولذلك اكتفينا بالتعريف الموجز عنها في الهوامش السابقة.

كما أن الخلاف الأصولي الأخباري يمثل خلافاً في بنية المذهب الاثني عشري، فهو خلاف بين رجال الشيعة الذين جمعوا تراث المذهب الاثني عشري؛ فتجد الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، والكاشاني صاحب الوافي، والنوري الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل كلهم أخبارية مع أنهم مصنفو مصادرهم المعتمدة في الرواية عندهم. بل يعتبرون ابن بابويه صاحب "من لا يحضره الفقيه" أحد مصادرهم الأربعة المتقدمة هو رئيس الأخباريين [انظر: الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة: ص 4، كما أنك تلاحظ أن من شيوخ الأخبارية من ظهر واشتهر عندهم كمحمد حسين آل كائف الغطا صاحب أصل الشيعة وأصولها، وأيضاً تلاحظ كثرة الأخبارين في بعض الجهات مثل البحرين.. كما أن من كبار شيوخ الطائفة الأصولية الذين يمثلون الكثرة الغالبة.. محسن الحكيم، وشريعت مداري، والخوئي، والخميني وغيرهم.]، ويقابلهم الطوسي صاحب الاستبصار والتهذيب، والمرتضى المنسوب له (أو لأخيه) نهج البلاغة وغيرهما وهما من الأصوليين..

فإذن الخلاف بين الأصوليين والأخباريين هو خلاف بين أركان المذهب ومشيدي بنائه، فلنتوقف للتعريف بهاتين الفرقتين:

فالأخباريون يمنعون الاجتهاد، ويعملون بأخبارهم، ويرون أن ما في كتب الأخبار الأربعة عند الشيعة [وهي: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وسيأتي الحديث عنها في فصل "السنة" عند الاثني عشرية.] كلها صحيحة قطعية الصدور عن الأئمة، ويقتصرون على الكتاب والخبر، ولذلك عرفوا بالأخبارية نسبة إلى الأخبار وينكرون الإجماع (ودليل العقل) [انظر: العقل عند الشيعة الإمامية، رشدي عليان.]، ولا يرون حاجة إلى تعلم أصول الفقه، ولا يرون صحته، ويقابلهم الأصوليون أو المجتهدون، وهم القائلون بالاجتهاد، وبأن أدلة الأحكام الكتاب والسنة والإجماع وليل العقل، ولا يحكمون بصحة كل ما في الكتب الأربعة.. ويمثلون الأكثرية [انظر: حسن الأمين/ دائرة المعارف: ص 107، عز الدين/ بحر العلوم/ التقليد في الشريعة: ص 92، فرج العمران/ الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة: ص 19.].

لكن شيخهم الأنصاري يكشف - حسب ما ينقله عن محققهم غلام رضا القمي - أن الأخباريين لا يعتمدون في الأدلة الشرعية إلا على أخبار الشيعة فقط، ويقبلونها على علاتها بلا تفريق بين صحيحها وسقيمها. يقول ما نصه: "ويعجبني في بيان وجه تسمية هذه الفرقة (الأخباريين) المرموقة بالأخبارية وهو أحد أمرين:

الأول: كونهم عاملين بتمام الأقسام من الأخبار من الصحيح والحسن والموثق والضعيف [سيأتي إيضاح لهذه المصطلحات في فصل "قولهم في السنة".] من غير أنها يفرقوا بينها في مقام العمل في قبال المجتهدين.

الثاني: أنهم لما أنكروا الأدلة الثلاثة بما فيها القرآن الكريم وخصوا الدليل بالواحد منها، أعني الأخبار فلذلك سموا بالاسم المذكور" [القلائد على الفرائد، حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري، مبحث حجة القطع.

انظر: التقليد في الشريعة الإسلامية: ص 93.].

فهم هنا استجابوا لأساطيرهم التي تقول بنقص القرآن فأعرضوا عن كتاب الله في مقام الاحتجاج، واعتمدوا على تلك الأساطير، فهم بهذا أخرجوا أنفسهم عن دائرة الإسلام، ومع ذلك فإن جملة من شيوخ الشيعة تدعي مع هذا الكفر البواح الذي أعلنته طائفة الأخبارية أن الخلاف بين الأصولين والأخبارين "يتقصر على بعض الوجوه البسيطة ككل خلاف يحدث بين أبناء الطائفة الواحدة تبعاً لاختلاف الرأي والنظر" [التقليد: ص 92، وانظر: البحراني/ الحدائق 1/169-170.].

وقال صاحب "الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة": "إني بحسب تتبعي وفحصي كتب الأصوليين والأخباريين لم أجد فرقاً بين هاتين الطائفتين إلا في بعض الأمور الجزئية التي لا توجب تشنيعاً ولا قدحاً" [فرج العمران/ الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة ص: 2-3.].

فهل هم إذن وجهان لعملة واحدة؟!

ولقد حاول بعض الشيعة المعاصرين أن يخفف من وقع الكلمة السابقة حول عملهم بالأخبار وردهم للقرآن، فقال: "كيف ينكر الأخباريون وهم المسلمين دليلية الكتاب" [عز الدين/ التقليد: ص 93.]، ثم التمس لذلك مخرجاً بما ذكره شيخهم الاستراباذي من "أن القرآن ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية" [الفوائد المدنية: ص47-48، التقليد ص 94، الحدائق: 1/169.].. فلا يجوز فهمه والعمل به إلا بمقتضى أخبارهم [الفوائد المدنية: ص47-48، التقليد ص 94، الحدائق: 1/169.]. فكأن نهاية القولين واحدة، لأن أخبارهم قد حرفت معاني القرآن، وصرفتها عن مدلولها - كما سيأتي – ولا سيما وهذه الطائفة لا تفرق بين صحيح الأخبار وباطلها.

أما بداية افتراق الاثني عشرية إلى: أصولية، وأخبارية فيذكر البحراني أن شيخهم "محمد أمين الاستراباذي" (المتوفى سنة 1033ه‍) "هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين، وتقسيم الفرقة.. إلى أخباري ومجتهد" [لؤلؤة البحرين: ص117.]. ومنهم من يذكر أنه أقدم من ذلك وأن الاستراباذي هو الذي جدده [انظر: الأصوليون والأخباريون فرقة واحدة: ص 4.].

هذا وقد جرى بين هاتين الفرقتين ردود ومنازعات وتكفير وتشنيع حتى إن بعضهم يفتي بتحريم الصلاة خلف البعض الآخر [انظر: محمد جواد مغنية/ مع علماء النجف: ص 74.]، وكان من شيوخ طائفة الأخبارية من لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشياً من نجاستها، وإنما يقبضها من وراء ملابسه [محمد آل الطلقاني/ الشيخة: ص 9.].

وقد كفر الاستراباذي (الأخباري) بعض الأصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين [انظر: لؤلؤة البحرين/ للبحراني: ص 118.] - على حد تعبيره - كما نسب الكاشاني (الأخباري) صاحب الوافي - إلى أحد مصادرهم الثمانية - جمعاً من علمائهم إلى الكفر [انظر: لؤلؤة البحرين/ للبحراني: ص 121.]، ورد عليه بعضهم بأن له من المقالات التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلاسفة ما يوجب الكفر كقوله بوحدة الوجود [وهو البحراني/ انظر لؤلؤة البحرين: ص121.].. وهكذا يكفر بعضهم بعضاً كما كان أسلافهم من قبل، كما صورته جملة من رواياتهم - كما سيأتي [انظر: مبحث الغيبة من هذه الرسالة.] - مع أن الطائفتين كلاهما من الاثني عشرية.

أما عناصر الخلاف بين الفريقين فقد ألف في شأنها شيخهم جعفر كاشف الغطا كتاباً بعنوان: "الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخبارين" [طبع في طهران عام 1316ه‍، انظر: الذريعة من 7/37-38.] أنهى فيه عناصر الخلاف إلى ثمانين، بينما نرى شيخهم البحراني يحاول أن يقلل من مسائل الخلاف بينهما فيهبط بها ليقصرها على ثمان [انظر: عز الدين بحر العلوم/ التقليد: ص 95.] أو أقل [لأني رجعت إليها في الحدائق فلم أجده أثبت أكثر من أربعة فروق، وانظر الحدائق: 1/167وما بعدها.]؛ لأنه يرى أن هذا الخلاف يؤدي إلى القدح في شيوخ الطرفين وفتح باب الطعن والتشنيع على الشيعة [الحدائق: 1/167.]. ومن بعده محسن الأمين الذي جعلها خمساً [انظر: أعيان الشيعة: 17/453-458.]، وصنف ثالث توسط فجعلها ثلاثاً وأربعين [وهو شخيهم عبد الله بن صالح البحراني في كتابه منية الممارسين، انظر: الحدائق 1/167.] أو أربعين [وهو شيخهم عدبالله السماهيجي (انظر: روضات الجنات: 1/36).] أو تسعاً وعشرين [وهو: الخوانساري. انظر: المصدر السابق 1/36 وما بعدها.].

والتقليل من الخلاف يعود إلى أنهم يرجعون بعض المسائل إلى بعض، أو يحكمون بأن الأمر فيه خلاف عند هؤلاء وهؤلاء، فلا يعتبر حينئذ خلافاً بين طرفين، أو أن الخلاف ليس بخلاف حقيقي كخلافهم حول الإجماع الذي يثبته الأصوليون وينكره الأخباريون، ولكن شيخهم البحراني يعتبر هذا ليس بخلاف ثابت؛ لأن الإجماع وإن ذكره المجتهدون (الأصوليون) في المكتب الأصولية وعدوه في جملة الأدلة.. إلا أنك تراهم في مقام التحقيق في الكتب الاستدلالية يناقشون في ثبوته وحصوله وينازعون في تحققه ووجود مدلوله حتى يضمحل أثره بالكلية [الحدائق: 1/168.].

وليس الغرض هنا بسط مسائل الخلاف بينهم [انظر هذه المسائل في: مقتبس الأثر للحائري: 3/296 وما بعدها، الخوانساري/ روضات الجنات: 1/36، البحراني/ الحدائق: 1/167 وما بعدها، الكشكول: 2/386-389، محمد صادق بحر العلوم/ دليل القضاء الشرعي أصوله وفروعه: 3/22-26، محسن الأمين/ أعيان الشيعة: 17/453-458، عز الدين بحر العلوم/ التقليد ص: 95 وما بعدها، الغريفي/ الاجتهاد والفتوى: ص 99.

هذا وقد ذكر بعضهم بأن أهم النقاط التي جرى فيها الخلاف هي أربع، إحداها: تنويع الحديث إلى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف، حيث قرره الأصوليون ومنعه الأخباريون، والثانية: مسألة التقليد فالأصوليون لا يجوزون تقليد الميت، ولكن الأخباريين يجوزونه، وثالثها، ورابعها: الإجماع والعقل حيث قال الأصوليون بالاحتجاج بهما بعد الكتاب والسنة، ومنع ممن ذلك الأخباريون (انظر: الغريفي/ الاجتهاد والفتوى: ص 99).] وإنما الإشارة إلى انقسام الشيعة على نفسها إلى حزبين متعاديين متنازعين في أصول الاستدلال وغيرها، وإن حاول بعضهم أن يخفف من هذا.. وهنا أشير إلى أن الخلاف الذي وقع بين هاتين الفرقتين من الاثني عشرية قد كشف أموراً كثيرة من حقائق المذهب بحكم ارتفاع التقية في صولة النزاع، وما كانت لتبين لو لم يكن هذا الخلاف.

وإن دراسة واعية متأنية للخلف بين الطرفين لتكشف الكثير من أسرار المذهب [وقد استفدت مما جرى من خلاف بينهما في فصل: قولهم في السنة، وفصل الإجماع.].