Pages

هل حقاً يحرص آل سعود على استقرار ووحدة اليمن



هل حقاً يحرص آل سعود على استقرار ووحدة اليمن وهم يقدّمون دعماً لا محدود في المعارك الدائرة بين الجماعة الحوثية والجيش اليمني؟ ولماذا هذا الاستبسال السعودي في الدخول على خط المواجهات دونما حسابات للسريّة وكسر القاعدة المثيرة للسخرية (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول)؟ هل تعيش العائلة المالكة في السعودية وضعاً حالكاً يدفع بها الى الانغماس في الشأن اليمني بطريقة سافرة، وكأن هناك مخاوف من زوال واقع بنته ودعمته لعقود طويلة؟.

كل تلك الاسئلة باتت اليوم مشروعة، فآل سعود يشعرون بأن اليمن الذي كان يوصي عبد العزيز أبنائه بأن يحظى باهتمام خاص، لأن خيرهم وشرهم منه، على موعد مع وقائع ميدانية تبعث على القلق..وليست الشرور الصادرة من اليمن بفعل يمني محض، بل هي نتيجة سياسات وممارسات سعودية مع أطراف يمنية في السلطة أنتجت ظواهر راديكالية داخلية وحتى عابرة للحدود..

يدرك اليمنيون تماماً بأن السياسات التي انتهجتها السعودية في اليمن هي المسؤولة المباشرة عن إجهاض مسيرته، وتهديد وحدته، وتصديع بنى استقراره. لم تضع معاهدة الطائف بعد حرب بين البلدين العام 1934 نهاية لتدخل سعودي في الشؤون الداخلية لليمن، فقد كان تفاوت الثراء بين البلدين محرّضاً لآل سعود على اعتبار اليمن حديقة خلفية يبدّلون ويعدّلون فيها ما يشاؤون. شاركت قواتهم في قمع انتفاضتي 1948 و1955، وبفعل دورها الفتنوي بعد حوادث سبتمبر 1962 سقط آلاف الضحايا في ما عرف بـ (حرب السبعين يوماً). وكانت العائلة المالكة تقرر من يبقى في السلطة ومن يخرج منها، بحسب القرب والبعد منها.

وحده اليمن الذي لديه حاكم ظل من العائلة المالكة في السعودية، ممثلاً في الأمير سلطان، العليل، والذي يدير من وراء كرسي الرئيس علي عبد الله صالح السياسات في الدولة اليمنية. ولأن السعودية تعرف درجة شهية حلفائها، فقد قبلت تحقيق رغبات الشهيّة طالما أن ذلك يجعلهم مجرد منفّذين لأوامر آل سعود.

ما يجري اليوم من تدخّل شبه سافر للسعودية في النزاع الداخلي في اليمن يأتي مدفوعاً برغبة الابقاء على مستوى النفوذ السعودي على حاله، كيما يسمح له بفرض شروطه في المعادلة السياسية اليمنية. كانت السعودية تؤمر فتطاع داخل الحكومة اليمنية، ولا تجد العائلة المالكة غضاضة في أن تطلب بعزل هذا المسؤول وتنصيب ذاك، وقد مارست ضغوطاً على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيات واستبدالهم بأميركيين، وحين رفضت نظّمت سلسلة محاولات انقلابية بالتواطؤ مع شيوخ محليين..الأخطر في الأمر كله أنها تقرر متى تتوحّد اليمن ومتى تنقسم، ولطالما بذلت جهوداً لمنع الوحدة بين شطري اليمن، ولم تدعمها إلا لأن الوحدة ستأتي في صالحها، لأن الجنوب كان سيخرج من المعسكر الشرقي وسيقع في المعسكر الأميركي.

كانت تستفرد باليمن، لاعتقادها بأنه شبه مستعمرة سعودية، وتتم إدارته عبر المندوب السامي السعودي (الأمير سلطان)، ولذلك فإن ملف تدخلاتها العسكرية والسلمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولضخامته الفارطة، أصبح يمنياً بامتياز، بمعنى التطابق بين الداخل والخارج في معادلة الحكم اليمني، فكل ما تقوم به السعودية من تدخلات صغرى وكبرى، تبدأ بدعم مرشحين للبرلمان اليمني، وتنتهي الى تغيير الرئيس الحاكم بانقلاب عسكري، ومروراً بالمصادمات الحدودية والنزاعات الاهلية والاغتيالات..

لا ترى في السيادة اليمنية حاجزاً أمام تدخلاتها، بل ترى في المجال الجوي والحدود البرية والبحرية مجرد مسارح مفتوحة أمامها للقيام بكل نشاطات تخدم مصالحها. لا نستغرب على الإطلاق ما قيل عن مشاركة طائرات حربية سعودية في معارك الجيش اليمني ضد الجماعات الحوثية، لأسباباب عديدة من بينها أنها ليست أول مرة تشارك السعودية بطائراتها الحربية في الشؤون الداخلية اليمنية، فقد قامت بذلك في الثمانينات والتسعينيات. ونقلت مصادر أوروبية أن الملك فهد أعطى أوامره الى طائرات حربية سعودية في الحرب بين شطري اليمن في التسعينيات، وبلغ الخبر للأميركيين فاتصلوا على الفور بالحكومة السعودية وطالبوها بإرجاع الطائرات أو سيتم اسقاطها بصواريخ أو طائرات أميركية.
الحرب اليمنية: ابحث عن السعودية

في دواخل اليمنيين كره شديد للسعودية، وعلى مستوى النظام بوجه خاص، ففي المجالس الخاصة يتحدّث المقرّبون من الرئيس علي صالح عن السعودية بطريقة ساخرة، وإن كانوا يتلفّتون حولهم، خشية أن يكون جهازاً للتنصّت قد وضع في مكان ما أو أن جهاز استشعار عن بعد قد التقط كلماتهم. في الشارع اليمني ليس هناك من يحمل مشاعر ود للعائلة المالكة، ويصف أحدهم السعودية بأنها (بطل لا يجيد الا قهر ذويه، فيما أمام العدو ذليلاً لا يستطيع أن يصنع شيئاً، بل يستسلم له) تأسيساً على المواقف السعودية من العدوان الاسرائيلي على غزة، وكذلك موقف قناة (العربية) التي يقول عنها (تحولت الى قناة للعدو الاسرائلي تبرر جرائمه وأفعاله..).

بالنسبة لليمني المسؤول والمستفيد، فإن قيمة السعودية بقيمة المال الذي تدفعه، وليس هناك ما يجعلها متميّزة عن غيرها من الدول لا دينياً ولا ثقافياً ولا حضارياً، فقد أضفى النفط الأسود والحرمين الشريفين معنى خاصاً على السعودية، ولولاهما لكانت مجرد دولة نجدية تستجدي المساعدات من الدول المجاورة والمؤسسات الدولية، ولكانت أقل شأناً من كل دول الجوار..ولما استطاعت أن تمدّ ذراعها تارة يميناً وأخرى شمالاً.

في إشارة لافتة الى التدخل السعودي المباشر، وفي الوقت نفسه خضوع القيادة اليمنية للإملاءات السعودية، جرت في الثاني من سبتمبر الجاري جلسة مباحثات يمنية سعودية أردنية بمدينة أغادير المغربية، حيث يمضّي ولي العهد السعودي الأمير سلطان رحلة الاستجمام المفتوحة. وبعيداً عن الكليشيهات المقرفة (الاطمئنان على الصحة والتنويه بالعلاقات الاخوية بين البلدين الشقيقة)، فإن الجلسة كانت مخصّصة لمناقشة سبل الخروج من الأزمة الداخلية على خلفية المعارك الدائرة بين الحوثيين والقوات النظامية. الجلسة التي حضرها من الجانب اليمني رئيس مجلس النواب يحي الراعي ووزير الخارجية أبو بكر القربي ومن الجانب السعودي الأمير سلمان وعدد آخر من الأمراء، إضافة الى الملك الأردني الذي جاء للاطمئنان على صحة سلطان، بعد أنباء عن تدهوّرها بشكل دراماتيكي، تم تخصيصها لزيادة الدعم السعودي المالي على أن تشارك كتائب من الحرس الأردني بتمويل سعودي في المعارك إن تطلب الأمر.

كان الطلب السعودي للأميركيين بالتدخل في الملف اليمني، والذي جاء متأخراً دليلاً على أن الأمور باتت على وشك خروجها من السيطرة، في ظل إتهامات يمنية بتدخل أطراف إيرانية لصالح الحوثيين. كان التخبّط واضحاً في تصريحات الرئيس اليمني، الذي صار يوزّع الاتهامات يميناً وشمالاً، فمرة إتهم ايران الدولة، ثم تراجع وقال مرجعيات دينية هي التي تدعم الحوثييين، ثم لما اقترح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الوساطة، وجّه الرئيس صالح إليه الاتهام، وقال بأن اقتراحه للوساطة دليل على تورّطه (نتمنى أن لا تكون القيادة القطرية قد سمعت مثل هذا التصريح كيما لا تتهم هي الأخرى بالتدخل حين رعت الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين).

فيما يبدو، أن جلسة أغادير بين الرئيس اليمني وولي العهد السعودي قد أسفرت عن حلول حاسمة، خصوصاً بعد أن كشفت الجماعات الحوثية عن تورّط سعودي مباشر في الأحداث عن طريق عمليات التسليح المستمرة..وتنقل مصادر يمنية بأن الجماعات السلفية المسلّحة التي حاولت التدخل لصالح الحكومة اليمنية تكبّدت خسائر فادحة على يد المقاتلين الحوثيين ما دفع بأفراد الجماعات تلك للانسحاب من المعركة على وجه السرعة، بذريعة أنها ليست معركتهم..ما تخشاه السعودية أن تؤدي المعارك الدائرة الى إضعاف قدرة القوات الأمنية اليمنية على ضبط الحدود، الأمر الذي يفتح الباب أمام تسلل مجموعات قتالية من القاعدة الى الداخل وإعادة موجة العنف التي جرت سنة 2003 ـ 2004 ولكن بوتيرة أكثر تنظيماً وذكاءً.

بعد يومين من اللقاء الثلاثي، قررت الحكومة اليمنية في 4 سبتمبر تعليق العمليات في شمال اليمن ضد الجماعات الحوثية، لإيصال المساعدات والمؤن الغذائية للمتضررين، وحتى لا يفهم من القرار على أنه تنازل، أو إشارة انكسار، أعلن في نفس اليوم عن قتل ثلاثة من قادة الجماعة. في الجانب الآخر، عرض الحوثيون قذائف مورتر عليها شعارات السعودية حصلوا عليها بعد سيطرتهم على وحدة تابعة للجيش اليمني، إضافة الى جنود أسروا في منطقة ماران، وفي أخرى لقطات لجنود يستسلمون ودبابة تحترق. وقال بيان صادر عن الجماعة في 3 سبتمبر (إنهم يضعون أمام أعين الجميع حقيقة الدعم السعودي المباشر الذي تحدثوا عنه من قبل وان النظام اليمني تخلى عن سيادته وسلم البلاد الى مصالح أجنبية).

قد يكون القلق السعودي من تسرّب العنف من الحدود الجنوبية هو ما دفع مستشار أوباما جون بيرنن لمكافحة الإرهاب لزيارة السعودية واليمن في 7 سبتمبر الجاري. في الزيارة الأولى التقى بيرنن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وسلّمه رسالة من نظيره الأميركي يؤكّد فيها (وقوف الولايات المتحدة الى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره). وأضافت الرسالة (أن أمن اليمن أمر حيوي لأمن الولايات المتحدة والمنطقة) الخليجية الغنية بالنفط.

لاشك أن لمثل تلك تصريحات دلائل هامة، فهي تشير إلى موقف استراتيجي ثابت، إلى جانب الدعم المطلوب للنظام اليمني القائم. السعودية كانت المحطة الثانية في جولة بيرنن، حيث استقبله الملك عبد الله في قصره بجده وتناقشا في الخيارات المطروحة للتصدي لتداعيات ما يجري على الساحة اليمنية ومنع تسلل عناصر القاعدة الى الداخل. ونقلت مصادر يمنية بأن السعودية عرضت أدلة وصفت بأنها موجّهة لتصعيد الموقف الأميركي ضد ايران، وقالت المصادر بأن الأدلة تدور حول تقديم الأخيرة أسلحة وتجهيزات للجماعات الحوثية في حربها ضد الجيش اليمني.

الموقف الأميركي في المحطتين (صنعاء وجدّة) كان دون ريب محثوثاً بمخاوف سعودية، فانفراط الاوضاع الأمنية والسياسية في اليمن يعني انفتاح أبواب جهنم من الجنوب. كل المنافذ بالنسبة للدولة المرتابة تعتبر أبواب محتملة للجحيم، ولذلك تتعامل مع كل جيرانها خصوماً محتملين، ولا تكاد تخرج من دورة شك مع جار لها حتى تبدأ دورة أخرى، كذا كان الأمر مع عمان، والامارات وقطر والبحرين والكويت والعراق بل حتى اليمن التي تعتبرها محمية سعودية تحتفظ الشركات المسؤولة عن ترسيم الحدود بين البلدين بملفات حافلة بالاعتراضات والتحفّظات والاختراقات السعودية.

كانت السعودية تعتقد بأن ضربات عسكرية متواصلة، كالتي فعلتها القوات الاسرائيلية في لبنان وفلسطين، ستحسم المواجهات مع الجماعات الحوثية. ولكن فوجئت السعودية، كما فوجيء الاسرائيليون في جبهتي لبنان وفلسطين ـ غزة، بأن الحروب الخاطفة باتت في ذمة التاريخ العسكري في العالم، فقد أفاقت القيادتان اليمنية والسعودية على حقائق مريعة فقد تبيّن أن مقاتلي الجماعة الحوثية ليسوا أفراداً عاديين، بل هم عناصر في الجيش، والقوات الأمنية، ومتدرّبون في معسكرات نظامية، ويديرون معاركهم بكل اقتدار، وهو ما قلب موازين الجبهات بصورة دراماتيكية، فالقوات النظامية تقاتل من أجل الرئيس بينما تقاتل الجماعات الحوثية من أجل قضية تراها عادلة، وهي الحقوق العامة.

لا شك أن للسعودية مخاوف جديّة، ليس فحسب من جانب القاعدة، ولا انبعاث الحركة الشعبية في الشطر الجنوبي والمطالبة بإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الوحدة بسبب استئثار القيادة الشمالية بكل امتيازات الحكم والدولة، ولكن أيضاً لأن المعارك بين الحوثيين والقوات اليمنية تدور على تخوم الحدود السعودية، أعني محافظة صعدة التي تشكل مسرباً استراتيجياً لمن أراد النفوذ الى داخل السعودية.

ولأن صعدة تعتبر المعقل الأكبر دينياً واجتماعياً واستراتيجياً للشيعة الزيدية في اليمن، فإن الاضطرابات الواقعة فيها، دع عنك تفوّق الجماعات الحوثية والسيطرة عليها يمدّد خطرها الى داخل الأراضي السعودية، وهناك سكان في جنوبها يتقاسمون مع الحوثيين الانتماء المذهبي والاجتماعي.