آزمات الشعوب...!
حضارتنا العريقة علّمت الكثير
من الشعوب وأنهضتها من ركام التخلف يوم سطعت شمسنا ونشرت بهاءها في مناطق واسعة من
الارض غير اننا لم نقف عند هذا الحدّ ورحنا نستزيد من الرقيّ الحضاري فنهلنا من
الشعوب العريقة علمها وأدبها وفلسفتها ، أخذنا من الاغريق وغير الاغريق وترجمنا
غالبية ماكتب الفلاسفة والمفكرون في شتى العلوم وتلاقحنا مع بقية الشعوب الناهضة
فأخذنا منهم وأخذوا منا ، هكذا هي الحياة ؛ نهوض وتسامٍ وربما تلحقها كبوات وسقطات .
أذكر هذا وفي خلَدي الفاجعة
التي حلّت باليابان قبل اكثر من سنتين وتحديدا في العام/2011 ووقوع تسونامي "
سينداي " إذ لحق الخراب والدمار في مفاعل فوكوشيما النووي نتيجة الانفجارات
التي حصلت في أهمّ وحداته التوليدية ؛
المفاعل النووي فوكوشيما الذي يعد واحدا من اهم المفاعلات النووية ذات الاغراض
السلمية في العالم لانتاج الكهرباء وكيف تعاملوا مع ذلك الحدث الجلل بأناة وعزيمة
وجرأة قلّ نظيرها عند بقية الشعوب حتى الناهضة منها وحريٌّ بنا ان نتعلم منهم ومن
سلوكهم السويّ ونرى كيف كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض أوقات المحن والازمات التي
تعصف ببلدهم
1)لم نلحظ ايّ مظهر من مظاهر
الندب او النواح او اللطم وشقّ الصدور رغم شدة المحنة فكان الجميع في حالة هدوء
تام وبرباطة جأش قلّ نظيرها وهذا ديدن الشعوب الحية التي تتحكم بأعصابها عند حدوث
الازمات بحثا عن مخرج آمن وحلول سليمة وبأقلّ عدد من التضحيات
2)طوابير هادئة منتظمة تنتظر
دورها في الحصول على الماء وبقية الاحتياجات الغذائية ولا يوجد ايّ مظهر للتذمر او
الملل او الانزعاج او التسابق على الاولوية رغم الزحام الهائل وشدة الحاجة
3)الابنية والعمارات الشاهقة
تأرجحت بفعل الزلازل لكنها لم ولن تنهار وتقع على ساكنيها لانها صُممت بمخففات
الصدمات التي تم تركيبها في اسس الابنية حفاظا على مواطنيهم من الهلاك
4)لم يدر في خلَد ايٍّ من
مواطنيهم ان يستحوذ على المزيد من الاغذية والمياه لخزنها في بيته وحرمان بقية
مواطنيهم من حصته المقررة فهؤلاء الناس اشتروا ما يحتاجونه فقط لقوت يومهم كي
يستطيع الآخرون الحصول على احتياجاتهم الآنية الملحّة بالتساوي دون تفضيل احد على
آخر مهما كان موقعه او مركزه الوظيفي او الديني او السياسي
5)لم تحدث اية فوضى في محلات بيع
الاغذية ولاعراك او زعيق او تسلل للتسابق للاستحواذ على المواد الاساسية فالجميع
بلا استثناء تفهّموا الوضع الاستثنائي واستوعبوا ظروفهم العصيبة
6)هناك العديد من اليابانيين
آثروا البقاء في المفاعل النووي فوكوشيما المدمّر وكانت مهامهم ضخّ ماء البحر في
اجهزة المفاعل بغية تبريده رغم المخاطر الشديدة والموت المحدق بهم نتيجة احتمال
التسرب الخطير جرّاء شدة الضرر في الوحدات التوليدية الكهربائية بسبب تأثير
التسونامي
7)كل المحال التي تعنى بتلبية
احتياجات الناس الاساسية كالطعام والشراب والكساء قد خفّضت اسعارها بما فيها
المطاعم والاسواق طواعيةً لإمكان حصول اغلب الناس على احتياجاتهم الاساسية . وأخذ
القويّ يهتم بالضعيف والمسنّ والاطفال الصغار والعاجزين عن الحركة
8)عرف كل واحد مسؤولياته صغارا
وكبارا ، وفعلوا ما يستطيعون فعله دون ان يطلبوا اجرا او ثوابا من احد وكان لكل
فرد دوره في التخفيف من وقع الكارثة من خلال تنظيم دورهم بأنفسهم دون تكليف من
الدولة او اية جهة نافذة
9)تعاملَ الاعلام بحكمة وعقلانية
ولم يكن هناك مذيعين يزبدون ويرعدون ويزعقون ويملأون شاشة التلفزيون صراخا وعويلا
، كل ماهنالك ظهرت تقارير هادئة تخفف من غلواء الحادثة وتوعد الشعب بإزالة مخلفات
الزلزال وإعادة المرافق والابنية الى سابق عهدها وترميمها وبنائها مثلما كانت في
السابق بعزم وإصرار
10)حينما انقطعت الكهرباء بفعل
الزلزال وتوقف المفاعل عن تغذية المدن بالكهرباء والانارة أوقف المتسوقون شراء
بضائعهم وأعادوها الى الرفوف فوراً وغادروا أماكن التبضّع بهدوء تام دون ان يجرؤ
فرد واحد على السرقة
11)بعد سويعات همّ العاملون في
قطّاع الطاقة بربط الكهرباء من مولّدات ديزل احتياطية ضخمة أعدّت للطوارئ وعملوا
على تغذية البيوت وإنارتها ريثما يتمّ اصلاح مايمكن اصلاحه
هكذا تعاملوا مع غضب الطبيعة
بأناة وصبر وعمل جاد بنكران ذات قلّ نظيرها لتجاوز الازمة ؛ وهل يُعرف الانسان
الصقيل الروح الاّ في ايام الشدة والمحن والحروب والكوارث ومن المؤسف اننا لانرى
مثل هذه السمات والطبائع النبيلة في بلادي رغم المرارات الهائلة التي ذقناها ، عسى
ان نتعلم من هؤلاء كي تسمو ارواحنا ونفوسنا كما كنا من قبل . نتمنى ذلك مع علمنا
بان التمني هو رأسمال الواهنين