اسطورة المهدي المخلص المنتظر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بدايتا لا بد من التنبيه إلى إن مراجع ومصادر هذا المقال كانت طويلة وكثيرة ومتشعبة مما يصعب علينا ذكرها جميعآ.....ونقدم أعتذارنا لكل من أقتبسنا منه ولم نذكر أسمة أو اسم كتابة أو مقالة.
إن عقيدة إنتظار مخلص أو منقذ أو مصلح عالمي ينشر العدل والرخاء في ظهوره، وتتطهر الأرض من الظلم والقهر، من العقائد البارزة التي تؤمن بها العقائد أو الديانات المختلفة (سواء أكانت سماوية أو فكراً إنسانيا) حيث كان للظواهر الطبيعية والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية دوراً في ظهور عقيدة الانتظار، وقد اختلفت شخصية هذا المنقذ عند العقائد الوضعية، فلاحظنا مثلاً انه النيل عند المصريين القدامى، وتارة أخرى تمثلت شخصيته بالإله تموز عند العراقيين القدامى، وأخرى تمثلت في شخصية (كرشنا) و(رامى) عند الديانة الهندوسية، وبوذى عند الديانة البوذية، وزر آدشت عند ديانة الفرس القديمة، وأخرى تظهر لنا بطبقة البروليتاريا عند المفكرين والفلاسفة .
وتلتقي العقائد الوضعية مع بقية الأديان السماوية الأخرى، كالديانة اليهودية والديانة المسيحية في عقيدة انتظار منقذ، والمنتظر المنقذ عند الديانة اليهودية هو المسيح المنتظر، وهو ليس النبي عيسى بن مريم (عليهما السلام) كما تعتقد به الديانة المسيحية، بل تؤمن الديانة اليهودية بأن الذي وعد به اليهود لم يأت، لذلك هم ما زالوا ينتظرون مجيئه ليحقق منجزاته الكبرى .
ومنذ تقادم العصور وازدياد الظلم بين البشرية، كانت الأمم تتطلع إلى رجل مصلح يظهر ليحررها من نير الذّل والعبودية والاضطهاد، وظلت ترنيمة المخلص الموعود ترددها البشرية وتلهج بها الشعوب.
وقد وصل بأيدينا من آثار السلف الماضي ما يدل على أن القرون الماضية كانت تتطلع بلهفة وشوق إلى ذلك المصلح الموعود، بل البشرية جمعاء ، فقضية ظهور المصلح وانقاذ الانسان من العبودية للمخلوق والتوجه إلى العبودية المطلقة لله تعالى هي أصل مسلم عند جميع الأديان السماوية ، ولكن تجد هذه القضية أكثر جلاءً وأوضح استدلالاً في ديننا الاسلامي الحنيف الذي جعل من هذه القضية أصلا إعتقاديا تتوقف عليه جملة من الأمور وقد نصّ على أهمية هذا الموضوع كتاب الله العظيم ورسوله الكريم والأئمة الطاهرين وكذا السلف والخلف .
استندت الرسالة على فرضية وهي إن عقيدة انتظار مخلص أو منقذ عالمي احتلت حيزاً واسعاً لدى الديانات السماوية وغير السماوية، وتركزت هذه العقيدة بشكل خاص في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر من خلال عقيدة انتظار الإمام المهدي (عج)، تعاملت ضمن إطار وتصورات ورؤى فكرية متميزة عن غيرها .
ومن خلال البحث تم التوصل إلى نتائج عدة وهي كالآتي :
إن انتظار منقذ ومخلص لدى اليهود كان يأخذ أبعاداً وتيارات عديدة، فهناك تيار من يفسر انتظار المنقذ لظروف قاسية التي عاشها الشعب اليهودي أثناء وبعد السبي البابلي والذي أدى إلى اضطهادهم من الشعوب الأخرى، وتيار آخر يفسر بأن الانتظار هو فكرة غير أصيلة لدى الديانة اليهودية بل مستمدة من الديانات الأخرى نتيجة لخضوعهم لها كالديانة الفارسية، أما الاتجاه الآخر وهم الأصح، هو الذي يفسر هذه الفكرة بأنها أصيلة وذلك لوجود كثير من النصوص القدسية في مصادرهم التي يعتقدون بها .
تعتقد الديانة المسيحية، كاليهودية، بالمسيح المنتظر أو المخلص، لكنها تختلف في مسألة المجيء، فالديانة المسيحية تؤمن بأن مجيء المنتظر قد تم على يد المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام)، لكن الذي ظهر بعد ذلك اعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر سوف يكون المجيء الثاني، وعليه فإن الديانة المسيحية تعتقد أن المسيح هو (المخلص) للشعب والمصحح لمسيرة اليهودية، وقد أطلق على هذا المخلص اسم (يسوع المسيح) أو ابن الله، وقد ورد ذكره في العديد من التنبؤات في كتاب العهد الجديد والتي تتحدث عن مخلص آخر الزمان.
إن عقيدة المسيح المنتظر احتلت مكاناً بارزاً في الذهن الأميركي، وذلك من خلال ظهور العديد من الاعتقادات بالانبعاث اليهودي وبالعصر الألفي السعيد، وبظهور المسيح المنتظر في الوجدان الأميركي حيث طوي الميل إلى الاعتقاد بإن عودة اليهود إلى فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية شرط ضروري لمجيء المسيح المنتظر .
إن الديانتين اليهودية والمسيحية تلتقي مع العقائد الوضعية من حيث مضمون فكرة الاعتقاد بإنتظار منقذ أو مصلح أو مخلص ينقذ البشرية من الظلم، وان اختلفت أسباب هذا الاعتقاد كما بينا سابقاً، جوهره يكمن في الاضطهاد والظلم والقهر، وقد أضافت الديانتان اليهودية والمسيحية أسباباً أخرى جعلت من مضمون فكرة الاعتقاد بالمنتظر فكرة أصيلة وذلك لوجودها في معتقداتهم وتعاليمهم ومصادرهم القدسية .
تلتقي العقائد الوضعية والسماوية(اليهودية والمسيحية) مع الدين الإسلامي الذي يرى بضرورة الثورة العالمية ضد الظلم الذي أرتكب بحق الإنسان، وتعد عقيدة إنتظار مخلّص أو منتظر منقذ للبشرية من الظلم واحدة من العقائد المهمة بل والأساسية عند المسلمين وغيرهم، والمنتظر عند المسلمين هو الإمام المهدي .
وعند متابعة الفكر الإسلامي لاحظنا أن عقيدة إنتظار المهدي هي موضع إتفاق بين غالبية المذاهب والفرق الإسلامية وذلك لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي أوردت خبر المهدي وإنتظار الفرج في ظهوره ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وردت عند كل من أئمة وعلماء السُنّة والشيعة .
إن نظرية الانتظار السلبي هي المفهوم والممارسة الخاطئة لعقيدة انتظار المهدي عند المسلمين، فأصحاب الانتظار السلبي عند الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بأن مسألة ظهور المهدي (عج) تعتمد على تحقيق (الشرط الموضوعي) ويعنون به: هو امتلاء الأرض بالمفاسد والمظالم، كذلك يعتقدون بأن العمل السياسي في غيبة الإمام المهدي (عج) ليس صحيحاً لهذا يدعون إلى إلغاء مشروع الدولة الإسلامية، وتعطيل مبدأي الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهم في هذا الشأن عدة مبررات ومرتكزات يرتكزون عليها، وهي مجموعة من النصوص القرآنية والروايات المروية عن الرسول (ص) والتي تم تفسيرها بشكل غريب، والتي تدعو، حسب اعتقادهم، إلى عدم الخروج على السلطان الجائر خشية من هلاكهم، لذلك فهم في هذا الجانب يشتركون مع أهل السنة لكنهم يختلفون في سبب عدم الخروج، فأهل السنة لا يخرجون على السلطان الجائر وذلك خشية من الفتنة والفوضى التي ستحدث بين الناس في حالة إطاحتهم بالحاكم الجائر، وفي كل الأحوال إن هذه الأمور تتعارض مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعوا إلى عدم إطاعة الحاكم الجائر، أما خوفاً منه أو خشيةً من الفتنة، وذلك الأمر يؤدي إلى إبقاء الفساد وتكراره ويجعل الأمة بلا انتظار، لأن الانتظار الصحيح هو الاستعداد لخلق وصناعة المستقبل وفق القيم والمبادئ التي جاءت بها تعاليم الدين الإسلامي .
إن نظرية الانتظار الايجابي هي المفهوم والممارسة الصحيحة لعقيدة انتظار المهدي عند المسلمين، فأصحاب الانتظار الايجابي عند الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بأن ارتباطهم بعالم الغيب لم ينقطع وإنهم بذلك يترقبون ظهور الإمام المهدي (عج) دائما وفي أي لحظه، كذلك يعتقدون إن انتظار الإمام لا يعني أن يتخلى المسلمون عن مسؤولياتهم وواجباتهم، بل الأمر على العكس من ذلك بل دعوا إلى تهيئة الأرضية المساعدة لإقامة حكومة العدل فيربوا الأفراد والمجتمع ليكون مجتمعاً يسعى نحو الحق، كذلك دعوا إلى مقارعة الظلم ، لذلك كانت نظرتهم إلى كل مسلم بأن يضحي في سبيل الإيمان والإسلام لكي يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (عج) وذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوة الإمام المهدي (عج) لكي يكون مؤهلا للانخراط مع أتباعه وأنصاره ويقارع أعداءه بكل ثبات .
وبشائر وتنبؤات كثيرة حول المهدي الموعود، وظهوره نجدها في ما وقع بأيدينا من الكتب السماوية المقدسة وآثار السلف الأخرى وما وصلنا من مقولات الحكماء القدامى، وقد جمع بعض المتتبعين قسماً من هذه البشائر والمقولات. بل حتى الآثار المصرية القديمة توجد منها دلالات وإشارات حول المصلح والمنقذ.
وللتأكيد على هذا المطلب نعرض هنا مجموعة من البشائر التي ذكرتها الكتب المقدسة عند الأديان
ويؤكد التاريخ ، بأنه كلما وقع شعب ما في محنة ما أو في مأزق ، أو تعرض الى عدوان وإضطهاد من قبل شعوب وأمم أخرى ، أو ضاقت به سبل العيش والحياة الحرة ، كلما إزداد لديه الإعتقاد بوجود ( المخلص المنتظر ) والقادم لخلاصه آجلا أم عاجلا .
فالإعتقاد بوجود ( مخلص منتظر ) ، هو إعتقاد تبنته معظم الأمم والشعوب وفي مختلف المراحل والأحقاب التاريخية . فتجده مدوّن في معظم كتب الديانات القديمة منها والحديثة ، وإنه في بعض جوانبه نراه يتشابه ظهوره في كل تلك الأحقاب ، وكأنه تراث تشترك به كل الشعوب ،فتتناقله الأجيال تلقائيا من جيل الى آخر ومن حقبة الى اخرى .
وقد جاء الحديث حول المنقذ والموعود في أعراف الهنود وكتبهم، مثل كتاب (مهابهارتا) وكتاب (بورانه ها) حيث قالوا:
تذهب الأديان جميعاً إلى أنه في نهاية كل مرحلة من مراحل التاريخ يتجه البشر نحو الإنحطاط المعنوي والأخلاقي وحيث يكونون في حال هبوط فطري وابتعاد عن المبدأ، ويمضون في حركتهم مضي الأحجار الهابطة نحو الأسفل فلا يمكنهم أنفسهم أن يضعوا نهاية لهذه الحركة التنازلية والهبوط المعنوي والأخلاقي، إذن لابد من يوم تظهر فيه شخصية معنوية على مستوى رفيع تستلهم مبدأ الوحي وتنتشل العالم من ظلمات الجهل والضياع والظلم والتجاوز، وقد أشير لهذه الحقائق في تعاليم كل دين إشارة رمزية منسجمة مع المعتقدات والقيم الأخرى إنسجاماً كاملاً.
فمثلاً: في الديانة الهندية وفي كتب بورانا (burana) شرح تفصيلي حول مرحلة العصر الكالي (kali) يعني: آخر مرحلة قبل ظهور أو تاراي ويشنو العاشر.
هناك مجموعة من الكتب الزرادشتية جاء فيها من الأخبار الكثيرة حول آخر الزمان، وعن ظهور الموعود الذي سيخلص البشرية من الكبت الحرمان ومن ضغوط الحكام الطواغيت الذين يسعون في الأرض فساداً ومن جملة هذه الكتب:
كتاب أوستا ــ كتاب زند ــ كتاب رسالة جاماست ــ كتاب قصة دينيك ــ كتاب رسالة زرادشت.
وقد طرحت الديانة الزرادشتية موعودين يطلق على كل منهم اسم ((سوشيانت)). وكان هؤلاء الموعودون ثلاثة، أكثرهم أهمية الموعود الثالث، وقد كانوا يلقبونه ((سوشيانت المنتصر)) وسوشيانت هذا هو الموعود حيث قالوا: إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهودية، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين.
وجاء في كتاب شابوهرجان، من الكتب المانوية المقدسة عندهم:
....خرد شهر إيزد لابدّ أن يظهر في آخر الزمان وينشر العدل في العالم... سوشيانت، من الكتب الزرادشتية المقدسة جاء فيه :
... استوت إرت، سوشيانت أو ألمنقذ العظيم. سوشيانس، أو موعود آخر الزمان.. وسيلة وعلاج جميع الآلام به ، يقتلع جذور الألم والمرض والعجز والظلم والكفر، يهلك ويسقط الرجال الأنجاس..
رسالة جاماسب، صفحة121:
... سينشر (شوشيانت، المنقذ) الدين في العالم فكراً وقولاً وسلوكاً. فقد ورد في بعض المصادر والدراسات أن مسألة الإنتظار قضية مطروحة في الديانة البوذية (ففي الأعراف البوذية) كان هناك انتظار، والمنتظر هو بوذا الخامس. إن كل أمة من الأمم وشعب من الشعوب له معتقداته الخاصة وثقافته التي ورثها وأمله الذي ينتظره ليخلصه من محنه وآلامه، فكما أن الديانات الأخرى لها منقذها ومخلصها الذي سيظهر في آخر الزمان، كذلك البوذيين فإن مخلصهم ومنقذهم هو بوذا الخامس.
جاء في كتاب أوبانيشاد. المقدمة صفحة 54 ما نصّه, حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون.
وجاء في كتاب ريك ودا، ماندالاي ص 4 و24:
يظهر ويشنو بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض.
فجميع الأديان والملل والنحل كان لها منقذ مستقل أو مشترك سموه باسماء مختلفة منها:
آرثر، أودين، كالويبرك، ماركو كر اليويج، بوخص، بوريان بو روبهم و.... يعتقدون أنهم حينما يظهرون ينشرون العدالة في الأرض.
لقد عظُم هذا الإعتقاد عند اليهود عندما تاهوا في صحراء سيناء لأربعون عاما ، وفقدوا كل أمل لهم بالنجاة ، فوعدوهم كهنتهم ـــ الذين قادوهم الى هذا التيه ـــ بأن مخلصا ما سيرسله الرب لإنقاذهم من مهنتهم وإرشادهم الى طريق الخلاص ، وأعطوا الكهنة بعض المواصفات الدالة على شخصية هذا المخلص ، ومن بين تلك المواصفات ، بأنه سيكون من نسل داوود الملك ، وسيجعل هذا المخلص مدينة أورشليم عاصمة له ، وإن نفوذه سيكبر ليسيطر على كل العالم ويحكمه.....
وهكذا تأصل عند اليهود هذا الإعتقاد حتى صار جوهر إيديولوجيتهم في الحياة ، وأخذوا ينتظرونه بفارغ الصبر ، وأطلقوا على مخلصهم المنتظر هذا إسم المسايا المنتظر أو ( المسيح المنتظر او الملك المنتظر ) .
إن ( مسيحهم المنتظر ) هذا , كان يتغير ويتقلب بين فترة وأخرى حسب الظروف التي كانوا يمرون بها . ولما كانوا يستعصون ويتمردون على أوامر الملوك الأشوريين في بابل ونينوى ويحدثون القلاقل والمشاكل في المنطقة ، عمد الملوك الأشوريون الى إخماد عصيانهم وتمردهم وترحيلهم من أورشليم الى عدة مدن من بلاد مابين النهرين ، وتم إسكان معظمهم في نينوى وبابل ، وهذا الأمر لم يُطبق على مدن وممالك اليهود فقط ، إنما كان يُطبق في كل مدن وممالك الإمبراطورية الآشورية دون إستثناء . وبعد ترحيل اليهود من مملكتهم ، عاشوا في موطنهم الجديد أكثر من سبعون سنة متواصلة ، الى أن تآمروا كهنتهم وأنبيائهم مع الملك كورش ملك المملكة الفارسية ، ليفتحوا أبواب بابل أمام جيوشه ، مقابل وعد منه لهم بإعادتهم الى مملكتهم في اورشليم وبناء أسوارها المهدمة وترميم هيكلها . وعندما نفذوا مؤامرتهم مع الملك كورش، ودخلت جيوش الفرس مدينة بابل ، سمح الملك كورش بعودة اليهود الى مملكتهم في فلسطين مكافأة لهم بفتح بوابات بابل لجيوش الفرس . عندها أشاع كهنتهم بأن الملك كورش هو ذلك ( الملك المنتظر ) الموعود لبني أسرائيل ، لأنه خلصهم من مهنتهم و ( عبوديتهم ) وحررهم ، وأنقذهم وأعادهم الى مملكتهم أورشليم بعد أكثر من سبعون سنة من الترحيل .
وما كادوا اليهود يستقرون في مملكتهم ، وحتى قبل أن يعودوا الى حياتهم الطيبعية ، إكتشفوا عمق أكاذيب وأضاليل ودجل كهنتهم الذين خضعوهم دائما , وإكتشفوا معها أيضا بأن الملك كورش ليس هو ذلك الملك المنتظر كما وعدوهم كهنتهم ، فلا هو بنى أورشليم وهيكلها ، ولا حررهم ايضا ، بل سلط عليهم نفس سوط الإحتلال الذي سلطه على كل شعوب مابين النهرين ، وجعل من اليهود وقودا في حروبه المستمرة مع الرومان الى أن تمكن الرومان في نهاية المطاف من إحتلال مملكة اليهود وإمعان التخريب فيها وفي كل فلسطين ليبدأ إضطهادا جديدا آخر على بني أسرائيل .. لسبب واحد فقط ، هو خيانة كهنتهم وأنبيائهم لهم مقابل حفنة من الذهب والفضة قبضوها من الملك كورش الفارسي ثمنا لخيانتهم ومؤامرتهم ...
لقد بشرنا سيدنا عيسى (عليه السلام) بظهور نبي آخر الزمان وبأوصيائه الإثنا عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، والأمر يعود في ذلك إلى أسباب عديدة منها :
وقد ادعى الميرزا علي محمد الشيرازي المهدوية مستفيدا من التعاليم المبهمة والمتشابهة للصوفية والشيخية ثم أصبحت فيما بعد نواةً للبهائية. ـ زعم في بداية دعوته بأنه نائب الامام المهدي عليه السلام ثم ادعى بأنه الامام المهدي ثم ادّعى بعدها النبوة والاتيان بدين جديد. وكذلك فعل غيرة من الاحمديين والمعاصرين وأخرهم اليماني الموجود حاليى في العراق.
لقد انشغل هؤلاء المتدينون عن المفاهيم العامة للدين وأركانه وأصوله ودوره في الاندماج بالحياة بالجري وراء مجاهل وأسرار (حول المهدي)، وتفسيرات واجتهادات متناقضة في جزء منها، وروايات وتنبؤات ضعيفة السند في جزء آخر، ولاتصمد أمام أي دليل أو قاعدة علمية بسيطة يمكن أن تدعم تنبؤاتهم وتوقيتاتهم، في حين أنهم راحوا يكثرون من قصص اقتراب الظهور وادعوا أنه وشيك،
والتاريخ يذكر بأناس استعجلوا الظهور أو يئسوا من الانتظار، فعمدوا الى الادعاء أنهم رسل المهدي أو أنهم المهدي نفسه كما فعل الكثيرين قديمى وحديثا ،وأخرهم مجموعة (جند السماء) التي ادعى مروجها اتصاله بالنسب الى الإمام علي (ع)، وأنه باب الله في الأرض وسيطرعلى عقول الجهلة من الناس بإدعائه أنه المهدي الذي سيقضي على علماء الزمان ويعلن دولته في الكوفة. ولايغيب عن البال قصة جهيمان العتيبي الذي ادعى عام 1979 أنه المهدي المنتظر وحاول السيطرة على الكعبة المشرفة ويعلن دولته من هناك، لكن المدرعات السعودية عاجلته الى منيته هو وأتباعه عندما اعتصموا داخل الكعبة. أما الديانة البهائية فالجميع يعرف أن أصل منشئها هو يأس علي محمد الشيرازي (الباب) وأتباعة من ظهورالإمام الغائب عام (1260 هـ) بعد مرور ألف عام من غيبة الإمام المهدي، فادعى أنه (وجه المهدي)، ثم قال انه (المهدي نفسه) ثم ارتقى في السلم ليقول انه المهدي وانه أحد مظاهر الله) وكذلك فعل حضرة مرزا غلام أحمد القادياني (الإمام المهدي والمسيح الموعود في الديانة الاحمدية)، وهكذا تتواصل مسرحية وأسرار قضية المهدي بلا توقف.
وهناك قصة رجل ادعى أنه (المهدي) في مصر ابان الغزو الفرنسي عام 1798 وارتدى البياض وأقنع أتباعه بأن ترديدهم لعبارة (الله أكبر) كافية لقتل الجنود المدججين بالسلاح الحديث، وأن الرصاص لن يؤثر في أجسادهم لأنهم يحملون صفة "الأبدال" وهم جنود المهدي الذين يحملون قدرات إلهية خارقة، وعندما رشقهم الجنود الفرنسيون بالرصاص تساقطوا جميعا كسرب طيور مرة واحدة ولم ينج منهم حتى (مهديهم) الذي اختلط دمه ببياض ثوبه.
وقد برز تحكم الجهل في أعداد كبيرة من الناس رغم دخولهم القرن الحادي والعشرين ودفعهم الى تلك النهاية المؤلمة، ثم يأتي دور النخب المثقفة بما تملك من طاقة تنويرية لتكمل مايبدؤه علماء الدين وتحل إشكالات الإزدواجية بين فكرة انتظار الإمام المهدي وبين إسقاط العلامات الوقتية الكونية والسياسية وغيرها على الزمن الراهن.
وقد ارتبطت قضية الإمام المهدي المنتظر بالكثير من الآمال التي يعيشها المظلومون من الشيعة وغيرهم وحـتى غير المسلمين فلهذا نجد إن الكثير من يريدون التسلط و التأمر يعمل بهذا الاتجاه لأنه يجد الإقبال عليه بسبب تعلق العواطف بالأمل المنشود والمخلص الموعود فلهذا نجد الكثير من الحركات التي تهتف باسم الإمام الحجة المنتظر والموعود ومخلص البشرية لكي تنجح في أداء دورها سواء كانت هذه الحركات إصلاحية فعلا أم إنتهازية تستغل عواطف الأبرياء لتمرر مشاريعها الخبيثة