القضية ليست قضية صراع بين شيعة وسنة
الصفويون الجدد اسم ربما يكون غريبا على اسماع من لم يقرأوا التاريخ الذى يشعرنا بالدوار والدهشة عندما تتكرر حوادثه بشكل لايمكن تصديقه . ليس لان هذا التكرار معجز , وانما لاننا وعلى الرغم من تفسيرات التاريخ واشاراته بكلتا يديه الى جرائم اناس بعينهم الا اننا وبكل بساطة نكرر اخطاءنا الساذجة ونضع ثقتنا فى غير محلها وهو ما اوردنا من قبل موارد الهلاك .
يجب ان ننبه الى ان القضية ليست قضية صراع بين شيعة وسنة كما يحاول البعض ان يقول , وانما القضية ابعد من ذلك بكثير . وحتى نستطيع فهم ابعادها فان علينا فتح ملف الصفويين ومحاولة فهم دورهم الحقيقى وصولا من الماضى الى الحاضر بكل قسوته وتواصله مع الماضى البعيد .
ربما لايعرف الكثيرون ان ايران التى نعرفها الان على انها دولة مسلمة شيعية تناطح امريكا باصرارها على تخصيب اليورانيوم والمضى قدما فى مشروعها النووى وانشاء المفاعلات النووية , ربما لايعرف الكثيرون انها مهد الدولة الصفوية التى ارست دعائم مذهب الشيعة الامامية او الاثنى عشرية فى ايران , وهى واحدة من طوائف الشيعة الموجودة فى ايران ولبنان وافغانستان واذربيجان والعراق . وهذه الطائفة سميت بهذا الاسم لانها تقول بان عليا اوصى بالامامة لابنه الحسن الذى اوصى بها لاخيه الحسين وهكذا استمرت الامامة فى ابناء فاطمة الزهراء -رضى الله عنها - حتى امامهم الثانى عشر . بينما توجد عدة طوائف اخرى شيعية اقربها لاهل السنة هى الشيعة الزيدية , الموجودة ايضا فى بعض اقطار الوطن العربى .
ولكن اهتمام ايران الاول كان دائما لاصلها الفارسى وليس للمذهب الشيعى بدليل تقديمها الدعم للفرس فى افغانستان على الرغم من انهم سنة , دون غيرهم من المسلمين خاصة الاتراك الشيعة . كما تتحسر ايران حتى يومنا هذا على هزيمة القادسية رغما من ان هذه المعركة كانت لها الفضل على الفرس فى الدخول فى الاسلام . كما ناصرت ايران الفرس الارمن فى اذربيجان ضد المسلمين .
وترجع جذور الدولة الصفوية الى صفى الدين الاردبيلى (1252-1334م) الذى كان شيخ طريقة صوفية , وظلت ايران بعده لمدة طويلة على المذهب الشافعى , الى ان جاء اسماعيل الصفوى وفرض التشيع على الايرانيين قسرا وجعله المذهب الرسمى لايران , وكان اسماعيل الصفوى قاسيا متعطشا للدماء , ويشيع عن نفسه انه معصوم وليس بينه وبين المهدى فاصل وانه لايتحرك الا بناء على اوامر الائمة الاثنى عشر , وقد تقلد سيفه واعمله فى الايرانيين وكان يتخذ من سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الايرانيين فمن يسمع السب منهم عليه ان يهتف قائلا : ( بيش بادكم باد ) وهى كلمة باللغة الاذربيجانية معناها : ( ان السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه ) اما اذا امتنع السامع عن النطق بهذه العبارة فتقطع رقبته فى الحال . وعندما فتح اسماعيل الصفوى تبريز فى بداية امره واراد فرض التشيع على اهلها بالقوة , ولكن شيوخهم اشاروا عليه ان يتريث لان ثلثى المدينة من اهل السنة ولايصبرون على سب الخلفاء الثلاثة على المنابر , ولكنه اجابهم ( اذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفى فلا ابقى منهم احدا حيا ) .
الجانب الاخر من من اثر الدولة الصفوية الذى لايجب ان ننساه هو حروبها لدولة الخلافة الاسلامية وتعاونها مع الاعداء من البرتغاليين ثم الانجليز ضد المسلمين . حيث اشتعلت الحرب بين السلطان سليم الاول سلطان الدولة العثمانية وبين اسماعيل الصفوى حاكم ايران انتهت بانتصار سليم الاول فى معركة (جالديران) الا ان الانتصار لم يكن حاسما , وتأجل حسم القضية بعد ذلك لسنوات طويلة ظلت خلالها الحروب قائمة بين الطرفين الشيعى والسنى .
الصفويون بحروبهم ضد الدولة العثمانية قاموا بتفكيك وحدة الدولة الاسلامية وهو ما اكده السلطان عبدالحميد فى مذكراته حيث يقول : ( ان الصراع بين الصفويين والعثمانيين لم يكن لصالح الامة الاسلامية بل لصالح الكفر والكافرين ) ..كما يفسر الكاتب (سعيد حوى ) كيف ان الانتماء الحقيقى لشيعة الدولة الصفوية ليس الى الاسلام وانما للعرق الفارسى وذلك فى كتابه ( الخمينى شذوذ فى العقائد .. شذوذ فى المواقف ) فيقول : انه اذا كان حب العرب مركوزا فى فطرة كل مسلم , فان كثيرا من الشيعة خلال العصور لم يستطيعوا ان يخفوا كرههم للعرب خاصة الفرس منهم وهكذا كان كثير من الشيعة الفرس دعاة ورعاة للشعوبية الحاقدة على كل ماهو عربى ومسلم . مشيرا الى مواقف بعينها منها , مساعدة ابن العلقمى للتتار للقضاء على الدولة العباسية واقناع نصير الدين الطوسى لهولاكو بانهاء الخلافة العباسية , ومحاولة الحشاشين - فئة من الطائفة الاسماعيلية الشيعية - اغتيال صلاح الدين الايوبى .
ولعل التاريخ الذى يعيد نفسه يبتسم بمرارة وهو يكتب بين صفحاته الكلام الذى قاله عبدالعزيز الحكيم - رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية فى العراق - من انهم يعطون لاهل السنة فى العراق ثلاثة خيارات لا رابع لها : اما ان يتشيعوا , واما ان يخرجوا من العراق , واما ان يقتلوا . وبنفس المرارة ايضا سيكتب التاريخ ان السيستانى اصدر فتواه المشهورة بعدم مقاتلة القوات الامريكية والبريطانية الغازية لبلاد الرافدين واعتبارها قوات صديقة فى تحالف غريب اشبه بالتحالف الذى قام بين الصفويين و اوربا للقضاء على الدولة العثمانية واسقاط دولة الخلافة . وهو ما اعاد مسمى الصفويين ليتردد بقوة على الالسنة مستحضرا لماض اليم وشاهدا على حاضر اكثر ايلاما