العولمة ليست ظاهرة ولا اتجاها عابرا
العولمة هى التكامل بين رأس المال والتكنولوجيا والمعلومات التى تتجاوز كل الحدود المفروضة بطريقة تنشأ عنها سوق عالمية واحدة . فالعالم العولمى مازال يحبو , فنظام الحرب الباردة البطىء والساكن الذى سيطر على الامور العالمية منذ 1945 قد تم استبداله بنظام جديد مترابط هو ( نظام العولمة) . فالعالم كله فى نهر واحد ولابد ان نفهم ذلك , وقد ولد هذا العالم مع انهيار سور برلين 1989, ولاعجب ان الاقتصاد العولمى الناشىء مازال يبدأ اولى خطواته .
فالعولمة ليست ظاهرة كما انها ليست اتجاها عابرا . فالعولمة اليوم هى النظام العالمى الرئيسى الرئيسى الذى يشكل السياسات المحلية والعلاقات الخارجية تقريبا . فالفكرة المحركة للعولمة هى رأسمالية السوق الحر, فكلما تركت السوق تحكم وكلما تركت اقتصادك مفتوحا للتجارة الحرة والمنافسة , كان اقتصادك اكثر كفاءة واكثر اثمارا . فالعولمة تعنى انتشار السوق الحرة فى كل بلدان العالم . كما ان لها مجموعة من القواعد الاقتصادية , قواعد تدور حول الانفتاح والغاء القيود على الاقتصاد . ولايمكن ان ننكر ان للعولمة تكنولوجياتها الخاصة المميزة : الكمبيوترية , والصناعات الدقيقة , والاجهزة الرقمية , والاتصالات عن طريق الاقمار الصناعية , والانترنت . فلهذه التكنولوجيات اثرها فى تكوين المنظور الخاص للعولمة . فاذا كان المنظور الخاص للحرب الباردة هو ( الانقسام ) فالمنظور الخاص للعولمة هو( التكامل ) . واذا كان حائط برلين يفصل بين الافراد رمزا للحرب الباردة , فان شبكة عالمية واسعة تربط كل فرد تعد رمزا للعولمة . واذا كانت المعاهدة هى الوثيقة الخاصة بالحرب الباردة , فان الاتفاقية هى الوثيقة الخاصة بنظام العولمة .
واذا كان المعيار المحدد للحرب الباردة هو( الكم ) خصوصا الكم الكبير للقذائف , فان النظام المحدد لنظام العولمة هو ( السرعة ) سرعة التجارة , السفر , الاتصال , التجديد . واذا كانت الحرب الباردة قد قامت على معادلة ( الحجم والطاقة ) لاينشتاين , فان العولمة تقوم على قانون ( مور ) الذى يرى ان القدرة الكمبيوترية لشرائح السيليكون ستتضاعف كل فترة تتراوح بين 18 الى 24 شهرا . وكما قال احد الساسة الالمان (كارل ستش) : ( ان نظام الحرب الباردة كان عالما من الاصدقاء والاعداء , اما نظام العولمة فانه يحول كل الاصدقاء والاعداء الى متنافسين ) , اذا كان القلق الخاص بالحرب الباردة متعلقا بالخوف من عدو ما تعرفه جيدا فى سياق صراع عالمى محدد وثابت . فان القلق الخاص بالعولمة يتعلق بالخوف من تغيير سريع من عدو لاتستطيع ان تراه او تلمسه او تشعر به . ويتمثل التحدى فى حقبة العولمة بالنسبة للدول والافراد فى ايجاد توازن صحى بين الحفاظ على الاحساس بالهوية والوطن والمجتمع وبين القيام بكل ما هو ضرورى للحفاظ على البقاء فى ظل العولمة .
كانت الحرب الباردة مثل السهل الفسيح الذى تتقابل فيه وتجزئه الاسوار والحوائط والخنادق والنهايات المسدودة . كان من المستحيل المشى لمسافة ابعد بكثير بدون الاصطدام فى او بسور برلين او بستار حديدى او حلف وارسو او بتعريفات جمركية او بقيود على رؤوس الاموال . وخلف هذه الاسوار والقيود استطاعت الدول ان تجد اماكن كثيرة للاختباء والحفاظ على انماطها الخاصة للحياة السياسية والاقتصادية والثقافية . واستطاعت ان تكون فى العالم الاول او الثانى او الثالث . وهناك ثلاثة تغييرات رئيسية نسفت كل الاسوار هى : - التغييرات فى كيفية اتصال بعضنا ببعض . - التغييرات فى كيفية استثمارنا لاموالنا . - التغييرات فى كيفية ادراكنا للعالم . وقد نشأت ونمت هذه التغييرات اثناء الحرب الباردة وتمكن العالم من الاندماج فى صورة دوامة قوية بصورة تكفى لنسف كل اسوار نظام الحرب الباردة , وتمكن العالم من الاندماج فى سهل واحد مفتوح ومتكامل ويفتح اكثر كلما انهارت اسوار اكثر , وكلما تم اقتناص دول اكثر داخل هذا السهل . وقد يكون هذا هو السبب فى انه لم يعد هناك مايسمى بالعالم الاول او الثانى او الثالث , فما يوجد فقط هو (عالم سريع - اى عالم السهل المفتوح جدا - ) و ( عالم بطىء - عالم من يتساقطون بجانب الطريق