ديناصورات آل سعود
رغم ان لا أحد يمكنه ان يعتبر النظام السعودي نظاماً اسلامياً إلا جزافاً وتجنياً على الحقيقة، وتجاوزاً مفضوحاً لابسط بديهيات الحكم الاسلامي، إلا ان هذه الاسرة التي أخذت ارض الجزيرة العربية بكل خيراتها وسكانها في عملية استرقاق ومصادرة نادرة الوقوع في التأريخ البشري ووفقاً لبرتوكولات باتت مفضوحة للجميع نحو مراهنات عبثية، ومواقف شاذة، نجحت الى حد كبير طوال ما مضى وحتى أمد قريب في لعبة التوظيف السياسي للخطاب الديني وبالتحديد الفكر الوهابي في ضرب وتخريب حياة الكثير من الشعوب العربية والاسلامية من خلال ادواتها المعروفة، وعبوديتها المطلقة لاسيادها، والمال الوفير الذي وفره ويوفره لها النفط الاسود في عمق ارض الجزيرة العربية.
وبلا شك فان فترة الحكم الراهنة التي يعيش أوانها آل سعود تعد حتى أمد قريب فترة ذهبية سمحت بها ظروف متعددة أهمها الارتفاع المهول لاسعار النفط، وكذا السعي الغربي للحفاظ أو لضمان توفر مصادر الطاقة المتمثلة بالبترول العربي ومعه السيطرة على اسواقه الاستهلاكية وبقائه مرتهناً لها حتى أمد بعيد جداً، ومن هنا كانت هذه المراهنة المقلقة على التابع المطيع العجوز في ارض الجزيرة والذي لم يدخر جهداً في اثبات ولائه وانقياده لكل السيناريوهات والخطط والمؤمرات دون تردد طالما تبقى ديناصورات آل سعود تتوارث عرش عبدالعزيز آل سعود ومعه الثروات الهائلة والسلطات المطلقة التي يتمتع بها فقط حوالي ثلاثة عشر بالمائة من سدنة آل سعود على ما صرحت به أحدى اميراتهم وهي بسمة بنت عبدالعزيز، ولا ينال الباقون إلا ما يسمح به سادتهم، حين يضرب الفقر شرائح واسعة من المجتمع السعودي عدّها بعض الكتاب السعوديين ومنهم الصحافي خالد الحربي في صحيفة عكاظ، ونشرته ايضاً صحيفة الامارات اليوم الى انها تصل الى ما تتجاوز نسبته 50% من السكان، وأن كان تقرير متواضع نشره كيفن سوليفان في الواشطن بوست الامريكية والغارديان البريطانية أشار الى ان هناك حوالي اربعة ملايين سعودي يعيشون تحت خط الفقر، بل وترتفع نسبة البطالة الى اكثر من 40% في آخر تقرير على ما ذكره الكاتب الاقتصادي السعودي عبدالحميد العمري في اليوم الاول من هذا العام!! فاضحاً المدعيات الكاذبة التي يروج لها أركان النظام ويحاول ان يخدع بها الرأي العام الدولي
وبلا شك فان بروز أهمية المنطقة العربية بعد اكتشاف النفط فيها بوفرة كبيرة، وظهور بعض حركات التحرر القومية والتي استطاعت ان تمتد عميقاً في وجدان الشعب العربي في منتصف القرن الماضي ومنها ثورة يوليو في مصر وسطوع شخصية الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر والذي تحول الى رمز قومي عربي مؤثر في الساحتين العربية والعالمية، برزت الحاجة الملحة للابقاء والمحافظة على النظام السعودي لاستخدامه في التآمر أو مواجهة كل المستجدات غير المرغوب بها، وايضاً المحافظة على مواصلة انسياب النفط دون اي عقبات.
بلا شك لم يدخر آل سعود جهداً في التقيد الحرفي بالدور المرسوم لهم، وباتت مليارات الدولارات مشاريع للتآمر والتخريب، وكان يتوج ذلك كله التحالف الشيطاني بينهم وبين سدنة الفكر الوهابي الذي تشكل بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي.
وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان النظام يتخفى خلف قطعان الوهابية والافكار السلفية وجهد في أن يتنصل من الكثير من الجرائم والنكبات التي كان هو السبب فيها والعنصر الفاعل بها، فقد كان يخشى المواجهة والتحدي المباشر، رغم ان كل المعطيات كانت تشير اليه بوضوح.
وبلا شك فان تجربتي الملك التي انهارت سلف لآل سعود تبقى ماثلة أمام أعينهم وهذا ما جهدوا أن يتحاشوه وكان ذلك هو ما ساعد في أن يمتد العمر بالنظام رغم انه بات موضعاً لكل الآفات والتصدعات، حتى انه تجاوز العمر الافتراضي الذي رافقه في فترتي الحكم السابقتين له في أرض الجزيرة، ففي حين بلغ عمر فترة حكمه الاولى الاربعة والسبعين عاماً امتدت منذ عام 1744 م لتنتهي عام 1818 م بسقوط عاصمتهم الدرعية بيد القوات العثمانية تحت قيادة ابراهيم باشا، لم تتجاوز ثاني فترات حكمهم الثلاثة والسبعين عاماً انتهت على يد محمد بن عبدالله بن رشيد أمير حائل عام 1891 م، ولم يتسنى لهم العودة مرة اخرى إلا في مطلع القرن العشرين على يد عبدالعزيز آل سعود في بقعة صغيرة حول الرياض ثم ليمتد ملكهم الى عموم أرض الجزيزة العربية ابتداء من الرياض ومروراً بالقصيم والاحساء، ووفق أجندة وتعهدات ملزمة لم يتأخر عميد هذه الاسرة بالموافقة عليها دون قيد أو شرط مع الدول الكبرى الراعية له.
أن آل سعود الذين لم يُعرفوا حتى أمد قريب إلا بأسم (آل مقرن) نسبة الى مقرن بن مردخان!! أو مرخان!! كما يحرصون على هم على التأكيد عليه بعد مراراً وتكراراً ونفي حرف الدال منه بشكل يذكّر المرء بالقول العربي الشائع (يكاد المريب يقول خذوني)، ومعتمدين في دعاواهم على ما اعتبروه شجرة نسبهم التي وضعها أحد التابعين المقربين من عبدالعزيز آل سعود وهو محمد امين التميمي والتي خضعت رغم ذلك التدليس والافتراء للكثير من التغييرات والتعديلات الاضافية لاقناع البعض بانهم فعلاً يعودون بنسبهم واصولهم الى نزار الجد الثامن للنبي محمد ص!! كما أثبته لهم التميمي في تلك الشجرة التي ليس لها من قرار.
أقول ان آل سعود بتحالفهم مع ابن عبدالوهاب وافكاره الشاذة وجدوا بلا شك في البيئة الصحراوية التي تغلف حياة أهل نجد وتطبع حياتهم وسلوكهم حينذاك مرتعاً خصباً من خلال اتباعهم للمذهب أحمد بن حنبل المتشدد في مسألة تغليب النقل على العقل، والدعوة الى متابعة أقوال وأفعال السلف، وحمل الخبر أوالنص على ظاهره مهما كان، فكان أن أسسوا مع الايام والسنين من أتباعهم عقولاً متحجّرة متطرّفة تكفّر من سواها وتستبيح ماله وعرضه ودمه، وبأسم الشريعة والدين!! ولم يعجزهم ايجاد أمثال هذه العقول الغارقة في الجهل والتخلف في مناطق مختلفة من العالم.
وبلا شك فان تلك الافكار المنحرفة وبفعل المال الوفير الذي ينفق بسخاء في ترويجها ودعمها أثمر شروخاً افقية وعمودية في حياة الشعوب، وأشاع لغة التكفير والقتل والموت، وأوجد مدارس شاذة تحمل افكاراً تخريبية وتنتج عقائداً هدامة تحمل معها الخراب أينما حلت.
وباتت تلك العقول الفاسدة بضاعة سامة تنشر الخراب والموت وهي ترقص جذلة كالبلهاء، وتزمجر بعصبية حين تلوح بسيوفها استجابة لدعوات ضالة تحت مسمى الجهاد الداعي لقتل ابناء الدين الواحد، وقطع رقابهم، وتشويه جثثهم، واستباحة اعراضهم، تلبية لدعوة حاخامات آل سعود وجهلة شيوخ الوهابية.
سادية وشذوذ، وتعطش للدماء، واستخفاف بابسط القيم السماوية والانسانية، مسوخ شيطانية باشكال بشرية تنتشر في بقاع الارض حيث يصل المال السعودي والفكر الوهابي، فأمست البشرية ترقب مذهولة كيف تنحر الرقاب، وتشق البطون، وتؤكل الأكباد، بل وتشاهد مبارة لكرة القدم استبدلت بها الكرة برؤوس مقطوعة كما فعل ذلك بساييف الشيشاني الوهابي عام 1993 في ملعب سوخومي الرياضي عندما قتل مجموعة من المدنيين الجورجيين، وقطع رقابهم، وبأسم الدين!! وأعاد أقرانهم فعل ذلك مرة اخرى في سورية حيث تدحرجت الرؤوس المقطوعة في مبارة لمسوخ آدمية، وبأسم الدين أيضاً!!! أنه الدين الوهابي الذي استبدله آل سعود بالاسلام وتابعهم عليه الحمقى.
أليس في دينهم ان محمداً صلى الله عليه وآله كان ذبّاحاً سفّاحاً، خلاف ما أرسله الله تعالى اليه عندما قال جل اسمه في سورة الانبياء: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ومن هنا فلا غرابة أن تجد هذه المملكة ترفع السيف شعاراً لها في علمها الوطني دون كل بلدان العالم، ولم تشابهم في ذلك إلا جماعة الاخوان المسلمين.
وباتت تسمية السيف قرين القتل والذبح لازمة ترافق حملة الفكر الوهابي، فهناك اكثر من سيف، وهناك جماعة ابو سياف، وجل الدماء التي تقطر من نصل هذه السيوف، هي دماء اسلامية، وضرب الوهابيون ورعاتهم عرض الحائط القواعد الاسلامية القائلة بان دم المسلم على المسلم حرام، وان دم المسلم أغلى وأعظم من الكعبة، بل وأعظم عند الله تعالى من هدم الكعبة!!
ولتبرير جرائمهم عمدوا الى تكفير ضحايا فسادهم، فاسقطوا صحاح الاحاديث التي تحرّم ذلك، ورسول الرحمة يقول: كيف تكفّرون الناس وهم يقولون لا اله إلا الله!! ولا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي، وغيرها، ولكنهم عمدوا الى التأويل والتحريف حيث لا ينبغي ليوافق شذوذهم، واحجموا عن ذلك كالدواب حيث يجب التأويل.
بحار من الدماء، واُمّة تتبعثر اشلاؤها، وعداء مستحكم بين فرق المسلمين وطوائفهم، وحروب يوقد لها لتستعر فلا تبقي ولا تذر، وهوام حمقى يسعون كالابل الضالة باظلافهم نحو هلاكهم وهلاك غيرهم، أعماهم واصمّهم عن تلمّس الحق فكر ابن عبدالوهاب الضال، وأموال النفط الخليجي، وآل سعود في مقدمهم.
أسرف آل سعود منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وعبر فتاوى وحماقة شركائهم الوهابيين في رسم لوحة مدمّاة تمتد على مساحات شاسعة من بلاد المسلمين ناهيك عن غيرهم، ولعل دفع الامة للسيرعلى حبال الطائفية والتعصّب المذهبي كان ولازال يشكل اللعبة الخطرة التي يمارسها، بل وهي العنصر الاكثر أرواءً لطالبي الجنة بمعصية خالقها، وامسى لعشرات السنين الدم الشيعي بوابة جهنم التي سعت قطعانهم الضالة للمزاحمة في ولوجها، ولم تؤت ثمارها كل حلقات التقريب، ودعوات التوقف والارتداع، فمازال الباحثون في رمم التعصّب الاموي وعدائهم المكشوف لبيت أهل النبوة يجد ضالته في عقول صدئة، ونفوس سقيمة، وارواح ضالة.
نعم لازال العالم مبتلى بالعديد من الحمقى والمجانين والافاقين ممن يقادون من خطامهم كالابل الضالة لا يميزون بين الغث والسمين، وبين الحق والباطل، أنهم مصداق من وجدوا آباءهم على ملة فهم على آثارهم مقتدون، لم يعملوا عقلاً، لم يصيخوا للحق سمعاً!! لا ينظرون إلا بأعين مسلوبة النظر، مطفأة رمداء، لم يتوقفوا يوماً ليسألوا أنفسهم أحقاً اننا على الحق ونحن ننشر الكراهية والحقد والموت حيث حللنا!! ولم يصر الآخرون على اننا لا حجة لنا إلا ترهات وتناقضات وأكاذيب لا تنطلي حتى على الصبيان!!
ان هؤلاء هم وقود المخططات السعودية وحطبها، لا ينفكون تهالكاً في خدمتها، وتفانياً في مواصلتها، بقصد أو بغير قصد، وهو ما أفلح آل سعود طوال ما مضى في آدمته واستمراره.
بيد ان هذه الديناصورات المتحجرة لم تدرك تغير الكثير من قواعد اللعبة التي ألفوا على ممارستها، وأدمنوا في تعاطيها، ولم يفهموا أن العالم بدأ يدرك خطورة أساليب القرون الوسطى التي لم ينفك آل سعود ومتخلفي الوهابية على مواصلتها، وتأثيرها البالغ على مصالحهم، ونفرة العالم من مشاهد القتل على الهوية تحت شعارات التكفير التي تجاوزها العالم منذ قرون، وتركت بصماتها الموحشة في العقل الانساني.
لم يعد المشروع الوهابي السعودي مدركاً ان مراكز القوى في العالم متغيرة ومتفاوتة، وأن خصومهم التقليديين باتوا يمثلون ثقلاً عالمياً، ووجوداً فاعلاً ومؤثراً بات على العالم ان يتعاطى معه بشكل مختلف، مراعاة لمصالحه، وسعياً نحو الاستقرار العالمي، حين لازال آل سعود مجرد أدوات رخصية استنفذت صلاحيتها وبانت عوراتها.
ولم يعد غريباً أن يصف السفير الامريكي السابق جيفري فيلتمان النظام السعودي بانه لم ير أوقح وأسوء منه، كما نقل عنه، بل ويضيف: لا اعرف كيف ستواصل هذه الادارة الحكم.
ولا ريب بان الفساد الذي انتجه آل سعود في ادارة الحكم طول العقود الماضية، وتصاعد التذمر والاحتقان الشعبي، والقلق من الانفجار القادم هو ما دفع مؤسسة هيريتدج القلقة من تأثير ذلك على انسياب النفط الى وضع خطط بديلة لمواجهة هذا الامر بعد رحيل النظام وقدمتها للادارة الامريكية، للعمل فيها حال الطوارئ.
الغليان الشعبي بسبب احتكار الثروات وسوء توزيعها، وارتفاع معدلات البطالة، ومصادرة الحريات، والتدخل في ادق تفاصيل الحياة الخاصة للمواطنين من قبل المؤسسات الدينية، وتفشي أخبار مفاسد العائلة الحاكمة، بل وغير ذلك كان مؤشراً خطيراً للتصاعد البياني للرفض الشعبي، ما يحمله من دلالات واضحة على احتمال انفلات الطوق الامني الشديد الذي يحرص عليه النظام، وقيام ثورة شعبية عارمة تفوق مثيلاتها في باقي الدول العربية، بل وينضاف اليه تلاحق الانشقاقات والتنافرات الحادة بين بعض أفرادها ومسارعة البعض للقفز من هذه السفينة المتآكلة قبل غرقها، وحيث يتربع على ذلك كله الترقب المشحون لموت الملك عبدالله وما يمكن أن ينتج عنه، ويترتب عليه.
نعم ان الادراك العلمي بحقيقة المتغيرات لا تنفي التوجس والقلق الذي ما انفك يلاحق النظام المتهرئ بان العالم بدأ يتعامل معه كسقط المتاع وملياراته لن تجد لها صدى إلا نفوس اشياعهم وتابعيهم من التكفيريين والمتملقين، وأن هناك توجهاً صريحاً لتغيير جذري يطال الهيكل المتهاوي بديناصوراته المتخلفة وطي صفحتهم المليئة بكل ما يسيء للمفاهيم الانسانية، سيما وقد أخفقوا في تقديم أي شيء ذي جدوى لاسيادهم، خلا نشر الموت والدمار حيث ما وطأتهم لهم قدم.
ولعل هذا ما يفسر لهاثهم في فتح خزائنهم على مصراعيها أمام جموع المغول والتتار والتخلف التي تعيث في منطقتنا فساداً وتخريباً، والمزايدة حتى على اسيادهم في مشاريعهم، وما شكله ذلك من تخبّط زاد من عزلتهم ومن كراهية الشعوب لهم، بل وضاعف من رغبة العالم في الخلاص منهم.
أوشك العالم ان يطوي صفحة النظام السعودي، وأن بعض الرهان الآن عليه هو لعب في الوقت الضائع، ولم تعد تخبّطاته وتخرّصاته وسلوكياته لتجدي نفعاً، ولا لتحقق هدفاً، خلا مزيداً من الدماء ستعجل بنهايته، انها بلا شك رقصة الموت لهياكل مجنونة كما رسم ذلك الفنان الألماني ميكائيل فولغيمون في لوحته الشهيرة تحت هذاالاسم عام 1493.
وصدق الشاعر العربي المخضرم خويلد بن خالد بن محرث (ت 27 هـ) والمكنى بأبي ذؤيب الهذلي اذ قال:
وَإِذا الـمَنِيَّةُ أَنـشَبَت أَظـفارَها أَلـفَيتَ كُـلَّ تَـميمَةٍ لا تَنفَعُ