آلصراحة وآلإعتراف
لو سئلت: أي اللحظات أحب الى قلبك؟ لقلت انها لحظات الاعتراف والاقرار بما لم أكن أجرؤ على قوله لنفسي في الماضي ولحظة ادراك مالم أدركه فيما مضى من عمري ..ولو سئلت: أي اللحظات هي الأقسى في حياتك؟ لقلت على الفور: أنها لحظة ادراك أنني لم أعترف بما كنت أعرف حين كان يجب أن أعترف.. وقد عشت كلتا اللحظتين في آن معا أثتاء الأزمة السورية والربيع العربي ككل..
>اني أعترف أنني لم أدرك حجم الكارثة التي وصلنا اليها ..ولم تدرك عيناي ضوء الحقيقة الذي سطع حتى زاغ بصري..
لاتستعجلوا ياأصدقائي قراءتي .. ولاتستعجلوا استجوابي ..لأن ماأعنيه ليس انقلابا على آفكاري ومواقفي.. بل هو امعان في موقفي القديم ..موقف لاأبيع فيه ولاأشتري ..
>لن أعبأ بمن سيستهجن ماسأقول، ولن أكترث بمن سيرخي عليّ تهم العمالة والاندساس للنظام ويسترسل في استنتاج أنني أدافع عن القيد والسلاسل ..ومن هنا سأهزّ اصبعي متحديا في وجه أولئك اللاعنين والساخطين لما سأقول .. وسأقول بملء صوتي:
ان سلوك الثورات هو الانعكاس الحقيقي لما يخفيه المجتمع في ثناياه من أسرار تطوره او انتكاساته .. فسلوك الثورة هو اما انعكاس لأزمة المجتمع السوداء .. أو هو انعكاس لانبثاق طاقاته النبيلة وانبعاث الخير من البؤس ..وليس سلوك السطة ولاسلوك الديكتاتوريات هو الذي يعكس أزمة المجتمع لأن سلوكها يعكس أزماتها هي .. كما أن شكل المعارضة هو الذي يحدد أزمة المجتمع وليس شكل السلطة هو الذي يحدد أزمة المجتمع ..لأن السلطة تعكس حالها كمساحة ضيقة من مجتمع عندما تكون متسلطة ديكتاتورية فيما المعارضة التي تدّعي "الثورية" تعكس حال مجتمع كامل واسع بقواه الرئيسية وقيمه وأخلاقياته ومعادلاته..
اني أعترف..نعم اني أعترف
>أعترف انني لست مذهولا من هشاشة الحزب أو الأحزاب الحاكمة وكوادرها بل مصدوم من أن المعارضة ظهرت أكثر هشاشة.. وأن ضمور الحياة السياسية في بلداننا كانت بسبب هلامية وهزال المعارضات التي تذرعت بالقمع .. وأشاحت بوجهها خوفا من اكتشاف الحقيقة في عيونها.. المعارضات التي ظلت مهاجرة في المنافي عقودا لم تتعلم في تلك المنافي كيف تخاطب الناس وكيف تخاطب العقل ..بل تعلمت كيف تخاطب الغرائز ..وتعلمت أن تطيع من لايطاع..
>اني أعترف ..انني عشت في وطن لايقرأ، والمعارضة الواعية لاتنمو في وطن لايقرأ .. ولكن مهلا، ليس النظام من منعنا من القراءة !!.. فأنا قرأت كل النشرات السرية والكتب المعارضة عندما أردت، وكانت متاحة رغم انف كل جنرالات الأمن..لكني عندما قرأت كتب التنوير والتحديات الكبرى كان المجتمع ومثقفوه كلهم يتحولون الى رجال بوليس وضباط أمن يقتادونني الى زنزانة النبذ والاقصاء والسخرية والتعنيف
>واني أعترف ..أنني عشت في وطن كنت أمرّ فيه على المكتبات فلم أجد على بواباتها رجل أمن ولارجل بوليس ولم يسجل أحد رقم بطاقتي ونوع الكتاب الذي سأختار .. ولكني ايضا لم أجد فيها زوارا ولاقراء الا من أتوا ليقرؤوا كتب الطب النبوي وتفسير الأحلام ..
>واني أعترف أنني عشت في وطن فيه أستاذ الجامعة -ان كان معارضا صامتا أو مؤيدا مجاهرا- فانه لايقرأ .. ورفوف مكتبته نظيفة من الكتب الا كتب الأدعية أو كتب "الحزب" ونشرات الدعاية للمنتجات الغربية .. صامت في المؤتمرات العلمية لكنه يخوض في نقاش عن الصحابة وأهل البيت كشيخ فقيه..
.
>وأنا أعترف أنني عشت في الغرب سنوات ولم تسآلني المخابرات عما قرأت ..ولكني رأيت الجاليات العربية غارقة في كل شيء في الغرب.. كل شيء ..الا الثقافة..!؟؟
>وأنا أعترف أنني عشت في وطن يهاجر استاذ جامعي ومفكر الى الغرب ليصبح استاذا في اليمنيين ليكتب عن (اغتيال العقل) لا ليوقف اغتيال العقل الذي اكتشفه بل ليقود عملية اعدام العقل بنفسه وليعترف أن أقصى ماتمناه هو أن يكون بيده سلطة ويخرج مالديه من عقد الزعامة ..ورشوة من أمير جاهل قطري..
>أنا لاأستطيع تبرئة سلطة من مسؤولياتها عن أزمات مجتمع اذا مااتهمت بالديكتاتورية .. وهناك أزمة مجتمع في اليمن للسلطة دور ما فيها بسبب تآكل عمليات التطوير المؤسساتي التي ربما تسبب بها الافراط في التركيز على الشأن الخارجي ...ولكن أليس من المفروض أن تعبّر ثورة على الديكتاتورية عن حالة مناقضة تماما، وأن تتصرف على أنها تحل أزمات المجتمع التي خلقها سلوك الديكتاتورية؟؟
انني لاأقبل الثورات فورا لأنها ثورات .. وكما يطلب الثوار محاكمة سلوك الديكتاتوريات واخفاقاتها فليس منطقيا ترك الثورات الناهضة دون محاكمة أيضا .. فالثورات ليست آلهة طاهرة دائما.. كما أن الثورات ككل الاشياء في الحياة قد تكون على صواب وقد تكون على خطأ.. وهي تشبه في حياتنا أشخاصا تجمعنا بهم ظروف خاصة وسيكون من الخطأ قبول صداقتهم وصدقيتهم وتناسبهم مع قيمنا من اللقاء الأول .. كما هو ربما من الخطأ "الوقوع في الحب من النظرة الأولى" والزواج من امرأة نلتقيها أول مرة ترتدي ثيابا مثيرة وتتعطر فيما لانعرف أمها ولاأباها ولا من أين أتت.. لذلك من الخطأ الوقوع في حب الثورة من "المظاهرة" الأولى ..والبيانات الأولى..
الثورة الحقيقية كفعل نافر كنصل السيف الساخن، وكعناق الأخلاق مع الأخلاق، والنبل مع النبل، هي وحدها التي تحمل روح المجتمع الحقيقية التي حجبتها الديكتاتوريات وغطتها ..والثورة هي اندفاع المشاعر النبيلة العارمة في المجتمع كاندفاع مياه بحيرة حبيسة خلف سدود الديكتاتورية نحو عناق الأرض العطشى ...وكاندلاع النار الوهاجة في برد الصقيع ضد حالة غير طبيعية من جفاف المشاعر وتبلدها وتجمدها في مجتمع النفاق الطاغي
فالكل كان يدور في نقاشه حول مجموعة نقاط مكررة وهي الحرية من حكم الحزب الواحد وانطلاق الحياة السياسية وحكم العائلة والفرد والفساد وكرامة المواطن .. وبالطبع يتم تحميل هذه النقاط ببعض المصطلحات مثل مصطلح 30 عاما والمخابرات والحلول الأمنية ..الخ .. وهذه شظايا حقائق.. ولكن الثورة أخفت عنا الحقيقة الكبرى التي بدت كعصا موسى .. أفعى عملاقة تبلع كل الحقائق الصغيرة ..والحقيقة الكبرى لاتظهر الا عندما نأخذ هذه الثورة الى محكمة الجنايات ونستجوبها .. دون تحامل عليها..
في محاكمة سلوك الثورة وحقائقها نجد أن الثورة اليمنية تصرفت بنفس منطق الديكتاتوريات دون أدنى فرق..ولم تقدم نموذجا يباهي به الانسان فقد صمتت عن القتل والتعذيب وظهر لها حفاتها ومفارزها الأمنية وأقبية التعذيب..وجهاز الاعلام الذي يتصرف كالبوق الممجد للثورة وانجازاتها والذي يبرر كل قراراتها دون ذكر بسيط لنقد بنّاء ومراجعة تضفي على سلوكها صفة "العقلانية" الثورية ..
في محاكمة الثورة سنكتشف الكارثة الكبرى في فرز هذا الشكل الفاسد من المنطلقات والأهداف وهذا النمط المتعفن من الخطاب الذي خلا من الشفافية ولجأ للتهويل ..وأسلوب ألف ليلة وليلة ..فترجم ذلك الى انحراف المجتمع الى عنف غير مسبوق ودموية فاجأت الجميع حتى السلطة.. وفتحت أفواهنا وعيوننا دهشة وذهولا..
كارثة الثورة أنها لم تحمل من أزمات المجتمع على ظهرها الا ماهو مأزوم وظهرت الثورة أنها (ستؤزّم المؤزّم ) وأنها بدلا من حمل الأزمات لترحيلها عن المجتمع قامت بانتشال الألغام من مدافنها السحيقة ونشرتها على الأرصفة واستحال الوطن الى حقل ألغام كبير ..وتجلى ذلك في ظلام سلوكها الذي أضفى عليها مسحة من البشاعة والقبح في هذه النداءات والدعوات الطائفية التي تخفت بماكياج وأصباغ ولبست الأقنعة والألبسة التنكرية، لكن ذيل الشيطان كان يظهر من تحت الملابس .
ووقعت المعارضة في التناقض السخيف فيما قالت انها لعبة النظام الطائفية.. لأن قادة الصف الأول للثورة أصروا على لاطائفيتها، لكن قيادات الصف الثاني ومايليه أسهبت في حديث الطوائف وتوازناتها التي لم تكن تراها منطقية..وماقالته قيادات الصف الثاني ومالمحت اليه جماهيرها في المساجد بشعاراتها واعترافاتها الجانبية الصريحة هو جوهر الحقيقة ..ويبقى خطاب قيادات الصف الأول المنكر للروح الطائفية صالحا فقط للاستهلاك الاعلامي والانشاء الخطابي ومبدأ "التقية" السياسية...وهو مالايمر على النخب اليمنية الناضجة الحالمة بوطن بلا طوائف..
مما يدين الثورة في "محاكمتها" في نظر النخب الوطنية ويجعلها مصدر توجس وقلق، هو كثرة الدعم الخارجي ..وهذا يعكس جهل قادة المعارضة بشكل مخجل لطبيعة المواطن اليمني الذي ينظر بعين الريبة واللاارتياح الى الغريب عن العائلة اليمنية والذي تسود فيه ثقافة (أنا واخي على ابن عمي ..وأنا وابن عمي على الغريب) ..فالثورة كانت تريد أن تكون نزاعا بين ابن العم وابن العم في البيت اليمني فاذا بالغريب يدخل ليلغي الصراع بين أبناء العمومة عن غير قصد ويكون هو الطرف الرئيسي فيه..وهذا جهل بتاريخ الشخصية اليمنية ..
سأمتلك كل الجرأة لأعترف وأقول: ان الحرية غابت عنا ليس بسبب قمعيات دولنا البوليسية كما يردد فلاسفة الربيع العربي .. وكما يختصر بعض المثرثرين القصة كلها .. بل بسبب فشل نخب المجتمع في انهاضه فكريا وتلكؤها عن الاجتهاد وتوقف نمو المعارضة رغم مبررات نموها القوية والتي انشغلت بكل شيء الا تطوير نفسها طوال عشرات السنين عبر برامج ومنهج منطقي مع أن تواجد رموزها في الغرب بدأ منذ عقود ...فظهر نبتها ..شوكيا مريضا..كشجر الصبار لايستفاء بظله..فتمدد ترهل الحياة السياسية وتمدد الجهل ..وتمدد رجال الأمن..وحيث تتراجع الثقافة والمعرفة يتمدد اثنان (الجهل ورجل الأمن)..
بل لنملك شجاعة الاعتراف بأن ضحالة المعارضة وتقزمها قزّم فعل الثورة لأن المعارضة تعاني الجهل البيّن وممارسة الارتجال فأفرزت ثورة عرجاء عوراء ...الحرية غابت لأن المجتمع لدينا أنتج كل شيء الا الحرية والمعرفة وهذا جلي في فشل العملية التنويرية (الذي أفرز هذا العنف والشيزوفرينيا الاجتماعية الدينية) التي هي من واجب النخب المثقفة المحايدة على الأقل التي لاتأثير لأي نظام عليها ان أرادت النهوض بالتنوير والمعرفة فمعظم تنويريي أوروبا وثوارها كانت منصاتهم في عقر دار الحكومات الملكية القاسية ومحاكم التفتيش..
الشعوب التي لاننتج المعرفة لاتنتج الحرية ..ومن لاينتج المعرفة لاينتج الا العبودية وشكوى العبيد .. نخبنا الفكرية المعارضة التي ظهرت ليست نخبا ...وقد خانتنا وكذبت علينا وخدرتنا بوهم اننا تخلفنا عن العطاء والابداع لأننا مقهورون .......المثقفون الكسالى يلومون الأنظمة.. فقط ليصنعوا معارضة ..فصناعة المعارضة هي أسهل شيء على العربي هذه الأيام..أسهل من صنع المعرفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
!!!!!!!!!!!!!!!111111111111>>>آتعقلون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟