لماذا تسخرون من حلم الوحدة العربية ؟
"لا تفزع من أن افكارك غير معقولة فكل الافكار العظيمة بدأت كذلك"
مثل غربي معروف
في كثير من المحافل تدور النقاشات بين المواطنين العرب سواء بين أبناء الجنسية الواحدة أو الأقطار العربية المختلفة ، هناك الكثيرون ـ وأنا أحد هؤلاء ـ يتمنون أن يرون أمتنا موحدة تملئها العدالة وتنعم بالتنمية الحقيقة الفاعلة وأن يكون المواطن فيها مكرما ، وأن أتنقل بين أقطاره بحرية وسلاسة كما يحدث في أروبا اليوم إذ لا حواجز بين دولها .
لست قطريا ولا حزبيا وأرفض رفضا تاما أن أرى وطني من ثقب صغير ، دوما حين أسأل أقول : أنا مواطن عربي وبس . فأنا أمقت التحزب لأن أفقه ضيق جدا .
وطني ليس القطر الذي نشأت فيه ، فهو بالنسبة لي فقط أشبه بمدينتي الصغيرة التي نشأت بها وترعرعت ، أنما وطني هو الوطن العربي الكبير .
أحلامي هذه التي يشاطرني بها أغلب أبناء هذه الأمة هي مدعاة لسخرية بعض المتهكمين الذي لا يرون أبعد من أنوفهم . فأنت لا يحق لك أن تسخر من حلم أي إنسان مهما كان حلمه .
فالعلم والتاريخ والعقل المنير يقولون جميعهم أن لا شيء مستحيل ، كم من حلم كان حلم وظنه الناس خرافة لا يمكن تحقيقها ، لكنها اليوم حقيقة ، ففي العلم نجد الطيران والهاتف وباقي التكنولوجيا .
يقول اديسون : ( الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء)
كيف كانت آمال التحليق في السماء والتحدث عن بعد عبر أسلاك قبل أن تصبح حقيقة ؟
كانت مجرد حلم ظنه الجميع وهما وجنونا لا يمكن تحقيقه وهاهو اليوم اصبح أمرا معتادا وعقلانيا ، وفي السياسة مثلا كانت أروبا دوقيات ودويلات وأمارات تسعى كل منها للتهام الأخرى . حَلُم كثير من ساستها بالوحدة ، وكانوا مَثار تهكم البعض وسخريتهم ، وهاهي اليوم حقيقة رغم أنها كانت أشبه بتحقيق معجزة .
كان أوتو بسمارك يقول :"طالما سمعت تكرار شعار "أروبا" من رجال السياسة ، بينما كانوا بنفس الوقت يتوجهون إلى قوى أخرى بطلبات لا يتجرؤون على صياغتها بأسمائهم الصريحة "
لذا أقول ..
يمكن لأمتنا أن تعيش في الوحدة التي تريدها ليس شرط أن تكون وحدة سلطة ووحدة حدود ، أنما وحدة تكاملية يسودها التعاضد والتكافل والتعاون والمحبة المتبادلة ، كما هو الحال في الأتحاد الأوروبي .
نحن أجدر منهم بها ، لأننا نمتلك من المقومات ما يجعل تلك الوحدة التكاملية أكثر نجاحا عندنا منهم ، فنحن نشترك في اللغة (حتى الأعراق غير العربية في الوطن العربي تجيد العربية ) ، ونحن نشترك في الدين ، ونشترك في القيم والعادات إلى حد بعيد جدا ، ونشترك في الدم ( وحتى غير العرب فينا يعيشون أخوة لنا وأنساب وأصهار ) ، عندنا موارد أقتصادية يمكننا أن نشكل بها تكاملا أقتصاديا غنيا ورائعا يغنينا إلى درجة كبيرة عن الحاجة للأخر .
هذا النوع من الوحدة التكاملي ـ أن صح الأصطلاح عليه هكذا ـ أرى أنسب ما يكون وخاصة في الوضع الراهن ، وهو يناسب الوضع الحالي للأقطار العربية ، وبه لن يهمش احد ولن يكون بعيدا ونائيا .
فقط على حكامنا أن يكونوا شجعان ، وأن لا يضعون العقبات الوهمية أمامنا ليسدوا هذا الباب كالمعتاد طبعا . فاوهامنا دائما تحول بيننا وبين قدراتنا على تحقيق اهدافنا ، وأن يتركوا تلك الألعايب الطفولية التي تنشأ عن الغيرة من بعضهم البعض أو عن أنانية في حب الظهور بمظهر الزعيم الخالد ، أو القائد الفريد الملهم لهذه الأمة ، أو الركض وراء مصالح خاصة ضاربا بعرض الحائط مصالح الأمة وحتى مصالح شعب قُطره ودولته ، فخزعبلات كهذه كانت دوما سبب انحطاط أمتنا وتخلفنا وتعين عدونا علينا ، وليس الدين واللغة كما زعم الجاهلون .
إذن نحن لا نتحدث عن شيء خيالي أو محال ، هناك أمكانية فقط أن توفرت الإرادة الصادقة والقرار السياسي المخلص كما حدث في أوروبا فهي على أختلاف لغاتها وأختلاف أعراقها وعدم تكاملها إلى حد بعيد ، وحتى الدين رغم أن الشائع هو المسيحية إلا أنها بمذهبيتها تكاد يشكل كل مذهب دين مستقل بكتبه وقيمه الدينية .
في اروبا كان الأروربين في عهد بسمارك يحلمون بأروبا موحدة ، كانت العقبات كثيرة ، لذا كان تحقيق الأمر أشبه بمعجزة ، أما نحن فلنا من الأسباب الكثير يسهله ، فإذا كانت قد نجحت مع أروبا بهذا القدر العظيم مع كل تلك الصعاب فحريٌ بها أن تنجح عندنا نحن العرب ، ولن تعتبر معجزة بل وضع صحيح سليم .
أذن فالمرددين لسخرية بعض أعداء الأمة في أن حلم الوحدة هو تخلف أو شيء شاذ ، أو التسألات التي يطرحها بعض السياسيين الغربيين بهدف مغرض مثل : لماذا تبكون على قضية فلسطين مثلا ، فتلك دولة أخرى لا شأن لكم بها .
فأنا أطرح سؤال واحد فقط على هؤلاء الساسة وعلى المرددين خلفهم :
لماذا يتباكى الأروبيون والأمريكيون على الكيان الصهيوني ؟
رغم أن لا صلة بينهم أبدا لا دينيا ولا عرقيا ولا لغويا ولا ثقافيا ولا بحدود ولا بأرض ، وهم يعلمون أن اليهود لا يحبون أحد أبدا ، وتاريخ أروبا كله يشهد كره أروبا لهؤلاء اليهود بسبب أفعال الأخيرة المشينة في حق ابناء أروبا .
أما نحن فأهل فلسطين هم من لغتنا وديننا وتاريخنا العميق المشترك ومن دمنا فحق لنا الألم لألمهم والفرح لفرحهم وغير ذلك ، وقس على هذا كل دول الوطن العربي الكبير .
هم لا يفهمون مدى ترابط شعبنا العربي والإسلامي ، حتى المسيحيين من ابناء هذه الأمة أثبتوا أرتباطهم بهذا الوطن وأثبتوا وطنيتهم .
وأخيرا ...
في هذا الوطن العربي الكبير نحن نكمل بعضنا البعض فنحن حقا كجسد واحد لا يمكن أن تنزع طرفا منه وتطلب منه أن يعيش معافى . أنما سيعيش بعله وأعاقه .
ورغم الساخرين سأظل ومعي كل العاشقين لهذا الوطن العظيم نردد قصيدة فخري البارودي :
بلادُ العُربِ أوطاني ** منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ** ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا ** بغـسَّانٍ وعـدنانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ **إلى مصـرَ فتطوانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ ** سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ ** دهاةُ الإنسِ و الجانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مصـرَ فتطوانِ
فهبوا يا بني قومي ** إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي ** بلادُ العُربِ أوطاني