الإرتماء فى أحضان الغرب
إن سلوك الحكام الجدد الذين آلت إليهم الأمور بعد ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا واليمن...... يجعل الحليم حيراناً,فالكل يتساءل لماذا هذا الإرتماء غير المبرر فى أحضان الغرب وخاصة أمريكا ؟ وهل قرأ الحكام الجدد واقع الأمة قراءة صحيحة ؟ وهل هم على دراية بالواقع الذى وصل إليه الغرب ؟ إن خطاب الحكام الجدد يبعث فى النفس الألم والحسرة , لأنه خطاب محسوب على الإسلام بإعتبار أن هؤلاء الحكام ينتمون إلى حركات إسلامية وليست علمانية ، وقد قامت الأمة بإنتخابهم رغبة منها فى الإسلام , لأن الأمة تتطلع إلى من يحررها من كل أنواع التبعية للغرب ويعيدها إلى عزتها أمة عزيزة بالإسلام .
وإصرار الحكام الجدد على إظهار أنهم يلتقون مع الغرب فى قيمه وأنهم حريصون على المحافظة على العلاقات الإستراتيجية معه خاصة أمريكا , وإحترامهم لكل المعاهدات والإتفاقيات التى أبرمها الحكام الذين قامت الثورات من أجل إسقاطهم وإسقاط مشاريعهم , كل هذا الإصرار هو تحد لرغبة الأمة وإعاقة لمشروع نهضتها الذى لايمكن أن يتحقق إلا بعد التحرر الكامل من الغرب وأفكاره الإستعمارية. لقد إستيقظت الأمة من غفوتها وكانت النتيجة الحتمية أن إنتفضت على حكامها , وقد قامت الأمة ومازالت قائمة تسجل ملحمة ثورية فى إعادة إكتشاف نفسها من جديد بأنها خير أمة أخرجت للناس وهى فى طريقها إلى حياة العزة وتوديع عهد الذلة والإنكسار.
ومن البديهى أن يكون الحكام الجدد هم التجسيد الحقيقى لرغبة الأمة فى التحرر وإعتلاء موقع الصدارة فى العالم , إلا أن مارأته الأمة من هؤلاء الحكام كان عكس ماتوقعته منهم , فبدل أن يكونوا هم الحصن الحصين أمام مشاريع الغرب الإستعمارية والرافضين لكل محاولاته للتدخل فى شؤوننا رأينهاهم يتسابقون على إرضاء الغرب , فهاهم فى منتدى دافوس يتبرؤن من ربطهم بالإسلام السياسى ويلصقون أنفسهم بالديمقراطية وأنهم يحملون قيماً مشتركة مع الغرب , وهاهم فى بلد آخر يصرحون علانية أنهم لايريدون تطبيق الشريعة الإسلامية وهكذا يستمر مسلسل التنازلات.
إن مقابلة هؤلاء الحكام لأئمة الكفر وعناقهم لهم ليعبر عن حب دفين يجمعهم بهم وجازلنا أن نتساءل ماعمر هذا الحب ؟ كيف يمكن لمسلم سليم الفطرة أن يعانق هؤلاء وهم الذين قتلوا أبناءنا وأنتهكوا أعراضنا ولم يرحموا ضعيفنا , شنوا علينا الحروب وأنفقوا أموالهم لإيداعنا فى معتقلات عملائهم ؟ هل نسى هؤلاء الحكام مافعله الغرب الكافر فى فلسطين والعراق وأفغانستان والباكستان والصومال ؟ هل نسوا أبو غريب وباجرام وجوانتانامو أم نسوا تدنيس القرآن وتبول كلابهم على جثث شهداء المسلمين ؟ لقد إنهار بنيان الغرب الخارجى بعد الثورات وإحترق بيته الداخلى بعد الإحتجاجات فكيف يرضى الحكام الجدد أن يكونوا هم الصبية الذين يستأجرهم الغرب ليرمموا له بيته الخارجى ، ويقوموا بمهمة رجال الإطفاء لإخماد النيران التى أشعلتها الشعوب الغربية فى بيتهم الداخلى ؟ أليس حرىٌ بهؤلاء إن كانوا قادة حقاً أن يوجهوا هم الضربة القاضية للغرب الذى جعل قضيته المصيرية حربنا فى عقيدتنا ؟
وإن لم يكونوا قادرين على ذلك فلايكونوا من ينقذ الغرب وهو يحتضر . أيقوم بهذا عاقل ؟ هل حين يترنح الثور الهائج يكون أول من يذهب إليه ليسعفه هو ضحيته ؟ إن سلوك هؤلاء الحكام لايوجد له تفسير سوى أنهم بعيدون عن الأمة منفصلون عنها,لأنهم لو كانوا قريبين منها لأدركوا أن الأمة تتوق إلى العزة وتبحث عن قائدها الحقيقى الذى يحررها من سيطرة الغرب الذى أهانها ونال منها ، ولأدركوا أن الأمة لاتقبل أن تمد يدها ليد من ذبحها, ولو أدركوا ذلك لأقبلوا على الأمة كى تحتضنهم ليسيروا بها إلى مايريده لها ربها , ولكنهم بدل ذلك هرولوا إلى الغرب ظانين أن بيده مفاتيح الأبواب المغلقة وأن من ترضى عنهم أمريكا لاخوف عليهم ولاهم يحزنون وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا " النساء 144 ، وقوله " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا " فاطر10.
إن قلوبنا تعتصر ألماً ونحن نرى هذه التنازلات من هؤلاء الحكام المتآسلمين فى مرحلة التمكين للأمة , فقد إستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير , إستبدلوا القيم الغربية بالقيم الإسلامية ، إستبدلوا الدولة المدنية بالدولة الإسلامية وأصبحت عندهم مقاييس الديمقراطية أحكاماً شرعية لايجوز لأحد أن يتقدم عليها أو يتأخر - تهربوا من كل شىء يربطهم بالإسلام وأصبح تحالفهم مع العلمانيين مندوباً وصدودهم عن إخوانهم الناصحين محبوباً . إن إصرار هؤلاء الحكام على السير فى هذا الطريق يؤكد بمالايدع مجالاً للشك أن مفاهيم العزة والنصر عندهم مغلوطة , وأنهم لايقرأون الواقع قراءة دقيقة ، ولو أمعنوا النظر لوجدوا أن قطار الغرب ورأسماليته العفنة قد توقف , وقطار الأمة قد أسرع , فيجب عليهم أن ينزلوا من قطار الغرب ليلحقوا بقطار الأمة وإلا سيبقون فى أماكنهم وتتخطاهم الأمة وعندها لن ينفع الندم.
إن الأمة تتطلع إلى قائدها الحقيقى الذى يقودها بالإسلام وليس إلى قادة يخدعوها بالإسلام فيضعون على أنفسهم قدسية بإنتمائهم إلى حركات إسلامية , ويبيحون لأنفسهم ماحرموه على من سبقهم . فمن كانت مرجعيته إسلامية فعليه أن يعرف الأحكام ثم يتبعها , فيكون تابعاً لشرع الله وليس كما يفعلون بجعلهم شرع الله تابعاً لسلوكهم لامتبوعاً . إن الوعى قد دب فى الأمة ولن تسمح لأحد أن يخدعها أو يدلس عليها ومن لم يفهم الأمة اليوم لن ترحمه الأمة فى الغد , فيجب على هؤلاء الحكام إعادة التفكير فى أمرهم والعودة إلى رشدهم فلايكونوا ورقة طيعة فى يد الغرب يحركها كيف يشاء ، بل يكونوا سداً منيعاً وحارساً أميناً لهذه الأمة ولايسمحوا للغرب أن يقطف ثمرة ثوراتنا التى سقيناها بدمائنا . " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ "
---------------------------------------------------------------
,,,,,,,ن,,,,,,,,,م,,,,,,,ن,,,,,,,,,ق,,,,,,,,ل,,,,,,,,و,,,,,,,,,.