السعادة؟
-----------------------------------
من بين أهم المفاهيم التي يطرحها مبحث القيم ، مفهوم السعادة . فما هي السعادة ؟ وهل هي غاية ومبتغى كل الناس ومطلبهم ؟ وهل هي موجودة فعلا وممكنة وقابلة للتحقق؟ وهل يطلبها الإنسان لذاتها أم لأشياء أخرى غيرها هي أسمى منها ؟ هذه الإشكاليات هي ما أحاول تسليط الضوء عليها .
إن الدلالة اللغوية لمصطلح السعادة ، كما جاء في لسان العرب لابن منظور هي : ضد الشقاوة ونقيض النحس وتعني اليمن والسعد .
أما في المعجم الفلسفي لجميل صليبا فهي : رضا النفس التام ، بما تناله وتحصل عليه من الخير الكامل والدائم . إلا أن جميل صليبا في معجمه الفلسفي يميز بين اللذة والسعادة ، إذ يجعل السعادة خاصة بالإنسان ، أما اللذة فهي في نظره حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان .
وفي المتداول اليومي تعني السعادة الفرح والسرور والعيش الرغد وإشباع الرغبات والحاجات الذاتية والهناء وراحة " البال والخاطر " أي راحة الشعور النفسي والرضا عن النفس وهي تعني كذلك المال والجاه والصحة والسلطان وكل الملذات الشهوانية جسدية كانت أم جنسية .
لن أتيه في التعريفات الفلسفية لمصطلح السعادة ، فهي تتعدد بتعدد الفلاسفة . ولكني سأذكر بعضا منها فقط للاستئناس ، فأفلاطون مثلا يرى السعادة في اتباع الفضيلة وهي في نظره لا تتحقق إلا في المدينة الفاضلة المحكمة التنظيم .
أما أرسطو فيراها في الخير الأسمى أو الأعلى، كما يرى اللذة شرطا ضروريا لتكتمل السعادة ، فلا سعادة عنده بدون لذة .
والفارابي الفيلسوف الإسلامي ، يعتقد أن السعادة لا تدرك ولا تتم إلا عن طريق إدراك المبادئ الأساسية والمنطلقات الأولية أو ما يسميه هو " بالمعقولات " . التي يقوم عليها ويتأسس الوجود والإنسان . من خلال إدراك الإنسان لهذه المعقولات أو المبادئ والأوليات الأساسية وفهمها ، التي هي أساس الكون والوجود ، يتعلم الإنسان ما ينبغي أن يعمل به لنيل السعادة والتي هي غاية ما يتشوق إليه كل إنسان ، إلا أن الفارابي يعتقد أن الإنسان لا بد له من مرشد أو معلم يأخذ بيده لتحقيق هذه السعادة ـ أعتقد أنه يقصد بالمعلم أو المرشد الرسول أو النبي ـ .
وبالنسبة للفيلسوف إيمانويل كانط : السعادة هي مجرد أمل ، لا تتحقق على الأرض وتبقى مجرد مشروع ، لأنها تتعارض مع القيام بالواجب من أجل الواجب كفعل أخلاقي . يرفض كانط أن تكون السعادة هي أساس الأخلاق " إن السعادة في نظره هي : " مثل أعلى لا للعقل بل للخيال "
وعكسه يرى ديكارت أن الأخلاق هي السبيل إلى السعادة وهي تقوم في السلام الباطني والصفاء والنقاء النفسي .
الواقع أن السعادة مطلب الإنسان وغايته ومبتغاه منذ وجوده ، فهو تواق إلى الراحة الدائمة ومتشبث بها ، كما أن رغبته في انتظام المعيشة الرغدة المطلقة الخالية من التقشف والضنك والقسوة والتي لا تشوبها المشقة والشقاء ولا تعرف الأمراض والمصائب ولا الأحزان ، لا تقاوم عنده مطلقا بأي شكل من الأشكال وانطلاقا من علم الله لرغبة الإنسان الشديدة في طلب السعادة والحياة الهنيئة وانطلاقا من إرادة الله سبحانه وتعالى في تفضيل وتكريم آدم عليه السلام وذريته من بعده على كثير ممن خلق تفضيلا ، وفي جعلهم خلفاء في الأرض ليعمروها . دلهم على المناهج والسبل والأسباب والسنن والشرائع التي تمكنهم من تحقيق السعادة والوصول إليها والمحافظة عليها ، إن هم اتبعوا أمر الله وتجنبوا نواهيه وتشبثوا بطاعته . فقال سبحانه وتعالى { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ( سورة البقرة آية 35 ) وفي سورة الأعراف كرر الله سبحانه وتعالى نفس الأمر فقال : { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ( الأعراف آية 19 ) . ولقد نبه الله سبحانه وتعالى آدم وأنذره من قبل وبين له أن الشيطان عدو له مضل مبين ، فلا يجب أن يثق فيه ولا أن يسمع منه فيخرجه من الجنة ، فيكون ذلك سببا في جوعه وعطشه وشقائه وزوال نعم الجنة والسعادة فقال :{ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } ( سورة طه آية 17ـ 18 ـ19 20 ) . لقد أمر الله آدم أن لا يقرب الشجرة المنهي عنها والمعلومة عنده ـ إذ عرفها له وخصصها له وأشار إليها ، فقال : " هذه الشجرة " ـ فيكون ذلك سببا في زوال نعمة السعادة التي وعهده الله بها ، فيطرد من الجنة ، ويجوع ويظمأ ويعرى ثم يشقى ويتعب ويرهق نفسه في طلب الرزق واللهث وراء حاجياته الضرورية .
لكن الشيطان لم يمهل آدم طويلا ولا ذريته من بعده ، حتى نفذ تهديداته ووعيده الذي أخبرنا به رب العالمين في قوله سبحانه وتعالى : { قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } ( سورة الحجر آية 39 ـ 40 ) وفي سورة ص أقسم اللعين على العمل على غواية آدم وذريته من بعده فقال : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } ( سورة ص آية 82 ـ 83 ) . ولقد أمعن إبليس في تهديده لآدم ولذريته ، كما ورد في قوله سبحانه وتعالى على لسان إبليس { قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } ( الأعراف آية 16 ـ 17 ) ومن فرط حسد وحقد إبليس على آدم وذريته نسى قدره ومنزلته ومرتبته من ربه فتجرأ على خالقه واحتج عليه ، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } ( الإسراء آية 62
إن الرغبة الشديدة في الخلد والملك والسعادة المطلقة ـ أنست آدم عليه السلام تهديدات الشيطان ووعيده وما عهد إليه ربه وما وصاه به ، بأن لا يطيع أمر الشيطان وأن يتبع أمر الله وأن لا يترك عهد الله أبدا ـ جعلت آدم عليه السلام ، لم يصبر ولم يثبت أمام إغراءات الشيطان ووسوسته ووعوده الكاذبة المتمثلة في الخلد والملك الذي لا يبلى ولم يكن لآدم عزما، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى ، إذ صدق الشيطان وانساق معه والتبع نصيحته ، وهو الذي حسده ورفض السجود له . من أجل هذه الوعود الشيطانية المغرية ، ترك عهد الرحمان ولم يحفظه ولم يتمسك به وهو الذي شرفه وكرمه وأمر ملائكته للسجود له ، فسجدوا كلهم أجمعين ولكن ما يشفع لآدم عليه السلام ، أنه لم يكن في كل ذلك مصرا ولا مصمما على معصية الله . بل وسوسة الشيطان وقسمه وظهوره بمظهر الناصح المحب ، هي التي جعلت آدم يغتر وينسى ويسهو عن أمر الله له . والآية الكريمة التي بين أيدينا تسجل نصيحة الشيطان الكاذبة ، النكدة التي صدقها آدم واغتر بها ، ومن أجلها عصى ربه الذي كرمه وشرفه ـ عصيان نسيان وسهو لا عصيان إصرار وتعمد ـ سجل القرآن الكريم نصيحة الشيطان المشئومة في الآية الكريمة : { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى } ( سورة طه آية ـ 120 ـ 121 ) .
وكذا الآية الكريمة { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور } ( سورة الأعراف آية 19ـ 20 ـ 21 ) .
الغريب أن نفس الشجرة التي نهى الله عنها آدم في قوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } استغلها الشيطان ليقنع آدم عليه السلام بأنها هي شجرة الخلود والملك الذي لا يبلى ، فكان ذلك سبب زوال نعمة سعادة آدم وعقابا له على معصيته والحمد لله كان زوالا مؤقتا ، لأن آدم اعترف بذنبه سريعا ولم يصر عليه ورجع إلى ربه بمجرد ما سمع عتاب ربه له الثابت في قوله تعالى : { وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } ( الأعراف آية 22 ) ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه ومن فضله ونعمته أن علم آدم كلمات التوبة ، لما علم أنه يرغب في التوبة والرجوع إليه وهو لا يدري الكيفية ولا طريقة التي يرضي بها ربه فيتوب عليه { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } ( البقرة آية 37 ) . بمجرد ما تلقى آدم وزوجته الكلمات من ربهما { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } ( الأعراف آية 23 ) فكانت هذه الكلمات سبب توبتهما ، وحتما ستبقى دائما سبب توبة ذريتهما من بعدهما ، ولذلك أوصانا رسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الاستغفار ، وعلمنا كثيرا من صيغه .
إن من رحمة الله وفضله علينا أن تعليم كلمات الاستغفار لم تكن مقتصرة على آدم وزوجه عليهما السلام ، وإنما تجاوزتهما إلى ذريتهما . والقرآن الكريم مليء بصيغ الاستغفار التي علمها لنا . أذكر منها قوله سبحانه وتعالى { فسبح بحمد ربك واستغفر إنه كان توابا } ( سورة ( النصر آية 3 ) وقوله : { وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الرحمين } ( المومنون آية 118 ) وفي أية أخرى { وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الغافرين } وقوله { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } ) الإسراء آية 24 ) إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الكثير والدالة على الاستغفار والتوبة وعلى أن الله غفور رحيم ، بل كلف سبحانه وتعالى الملائكة بالاستغفار لنا وهذا ثابت في قوله تعالى { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم } ( الشورى آية 5 ).
إن هذا الفضل الإلهي وهذا القبول منه للتوبة النصوح ، هو الذي جعل سعادة الناس ممكنة في هذه الدنيا ولكنه سبحانه وتعالى ربطها بطاعته وبتنفيذ أوامره ، واجتناب نواهيه كما ربطه بمعصية الشيطان واجتناب أوامره .
السعادة إذن موجودة وممكنة في هذه الدنيا ولكنها لا تتم وتكتمل إلا في الآخرة ، وهي مرتبطة بمراحل الحياة والناس يختلفون في تمثلهم لهذه السعادة الدنيوية ، وهي نسبية ، فالفقير يراها في المال والترف والمتعة واللذة ، والذليل يراها في الغلبة والجاه والسلطان ، والمريض يراها في كسب الصحة والتمتع بالعافية ، والذي يعاني من الغربة يراها في العودة إلى وطنه ، والعاقر يراها في إنجاب البنين والبنات ، والضعيف يراها في القوة ، وهكذا كل واحد يرى السعادة في ما يفتقده ويحتاج إليه في مرحلة من مراحل حياته . وأنا شخصيا ، كنت أرى السعادة وأنا طفل في اللعب وصنع بعض اللعب من بقايا الخشب وخردة الحديد واصطياد الطيور ، والجري في كل اتجاه ، وركوب دراجة هوائية أكتريها يوم السوق الأسبوعي ، كما كنت أرى الشقاوة والغصة والملل في الذهاب إلى المدرسة للتعلم ، أو إلى المسجد ( المسيد ) لحفظ القرآن الكريم . وتمر الأيام سريعة وتحل مرحلة الشباب فتبدو لي السعادة في إكمال تعليمي والحصول على وظيفة ومنصب يخول لي راتبا شهريا محترما يمكنني من اقتناء كل شيء كنت محروما منه في طفولتي ، من لباس وطعام ، كنت أضنه فاخرا خاصا بالأغنياء وسيارة فارهة ونفقة أنفقها على الوالدين ومساعدة أقدمها لأخي وأختاي ، كل ذلك كان يحقق لي السعادة والانبساط والمتعة واللذة ويريح بالي ويشرح صدري ـ ولكني والحمد لله لم أرى يوما السعادة في إتيان المعاصي والمحرمات ـ وبعد نهاية هذه المرحة بزمن قليل بدأت هذه السعادة تخبو وتظهر محلها سعادة أخرى ، كنت أراها في الزواج وإنجاب الأبناء ، لكنها سرعان ما اختفت هي الأخرى كسابقاتها ، لما بدأت تعترضني مشاكل الأسرة ومتطلباتها ومسؤولية تربية الأطفال وتعليمهم .. . مسؤوليات جمة ، كثيرة ، ثقيلة ، لم أعد أتحملها إلا بمشقة ، تغيرت معها نظرتي للسعادة .
إن ما تمثلت من سعادات في المراحل السابقة من حياتي ، جعلتني اكتشفت أن حياتي لم تكن إلا لعبا ولهوا ومتاعا قليلا وشعورا بسعادة كاذبة ، نسبية ، غير كاملة وقصيرة وغير دائمة ، لم تكن تستمر إلا لمدة زمنية محدودة في الزمان والمكان ، ثم تختفي ، لم تكن سعادة مطلقة أبدية ولا حقيقية .
ولما بلغت أشدي وبدأ نضجي يتم وتكاثرت وتراكمت عندي التجارب دشنت مرحلة جديدة من حياتي ـ أعتقد أن هذه المرحلة قد تمتد وتستمر إلى أرذل العمر ـ في هذه المرحلة ثبت عندي ودون مجال للشك ، أن كثيرا ممن كنت أعتقد أنهم سعداء لكثرة مالهم وجاههم وسلطانهم وشهرتهم ونفوذهم الاجتماعي وممن كانوا يظهرون للبسطاء مثلي بمظهر السعداء الذين حالفهم الحظ في كل شيء صادفوه . أقدموا على الانتحار لشدة شقائهم و كآبتهم وتعاستهم ومللهم من العلاج النفسي ، لقد غابت عنهم طمأنينة القلب وفقدوا انشراح الصدر ، ولم ينعموا بطيب العيش ولا بالمال الذي جمعوه ولا بالهالة الاجتماعية التي أحاطوا أنفسهم بها ... فأنهوا حياتهم ليتخلصوا من الهم والغم والضنك ، الذي يعيشون فيه طمعا في تحقيق السعادة لأرواحهم التي قد تكون في الموت أو في العالم الأخر ، كما كان يعتقد أفلاطون [ أن الإنسان لا يسعد السعادة الكاملة إلا بعودة روحه إلى العالم الآخر ] . إن هؤلاء مع الأسف أخطئوا المنهج والطريق الموصل للسعادة المرجوة والتي بشرنا الله بها ، لأنهم حرموا من سكينة النفس واطمئنانها ، هذه الطمأنينة التي تحصل في القلب والتي لا تتحقق إلا بالإيمان والاستعانة على الحياة بطاعة أوامر الله واجتناب نواهيه والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم . تأكدت من كل هذا وحصل لي اليقين والإيمان المطلق بكون السعادة الحقيقية المطلقة في الدنيا والآخرة ، لا تتم ولا تتحقق إلا بشرط واحد ووحيد : هو تقوى الله والاعتماد عليه ، والالتزام بطاعته وإتيان أوامره ومحبة الله ورسوله والقناعة بما عندي والرضا بما قسم الله لي وبالذكر الكثير والاستغفار ، لأنه بالذكر يحصل اطمئنان القلب وبالاستغفار تمحى الذنوب والمعاصي وتحصل التوبة ، { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } ( الرعد آية 28 ـ 29 ) فهناك إذن علاقة وطيدة بين صحة القلب وسلامته التي تعني سلامة الجسم والنفس وبين ذكر الله وعمل الخير والصالحات ، لأن الإعراض عن ذكر الله وعن طاعته وأداء حقوقه وإتيان الحرام بأنواعه يؤدي حتما ، إلى الضلال والعيش الضنك وإلى المشقة والضيق في الصدر وإن وجدت كل مقومات السعادة المادية والمعنوية . ولقد أنذر الله سبحانه وتعالى هذه الفئة من الناس الغافلة عن ذكر الله والمعرضة عنه وشدد الله في وعيده لهم . فقال سبحانه وتعالى { . قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } ( سورة طه آية 123 ـ 124 ـ 125 ـ 126 ـ 127 ) .
في هذه المرحة الأخيرة فقط أصبحت أعرف طريق السعادة وكيف تتحقق في الدنيا وكيف نفوز بها في الآخرة . من أجل تحقيق هذا الهدف يجب علينا أن نعرف كل طرق ومناهج السعادة الدنيوية والأخروية التي بينها الله لنا في كتابه الكريم ووضحها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ونتبعها ولا نخرج عنها قيد أنملة ، نستنتجها ونستخرها من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية الشريفة ، فإذا نحن سرنا على نهجها في حياتنا وتعلمنا الأحكام الشرعية وشروط العقيدة الصحيحة وعملنا بما أمر الله وشرع ، واتخذنا الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في حياتنا { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } ( سورة الأحزاب آية 21 ) وسمعنا ما وصانا به ربنا وأطعنا قوله سبحانه وتعالى :{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ( الأنعام 153 ) ، ظفرنا بالاطمئنان القلبي وراحة البال في الدنيا وبالسعادة المطلقة الكاملة التي وعدنا بها ربنا وخالقنا في الآخرة . ، فالسعادة إذن لمن اتبع الهدى ولم يعبد إلا الله ولم يشرك به شيئا والشقاء لمن أعرض عن الله وترك طريقه .{ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } ( طه 123 ـ 124 ) فالسعادة إذن لمن آمن بالله وسلك طرقه واتبع وسمع لوصاياه وتوكل عليه . { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } ( النحل آية 97 ) ، والضنك والشقاء لمن تولى وكفر ولو كان من الأغنياء والحكام والمشاهير وملك كل ما نعتقد أنه مفتاح أسباب السعادة من الماديات ، وسينقلب إلى ربه فيعذبه العذاب الأكبر { إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر } ( سورة الغاشية آية 23 ـ 24 ) . هذه هي السعادة وطرقها كما أراها وكما علمني إياها ربي ورسولي صلى الله عليه وسلم.