كشف النقاب عن اسئلة يوم الحساب
تصوّرْ – مجرد تصور – انك امام ربِ الخلائق اجمعين في يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وانت أحد السكارى الذين ما هم بسكارى مقبل على رب العزة لتلقى الجزاء الاوفى . مليارات من البشر من عهد آدم عليه السلام تنتظر دورها في هذا اليوم الطويل وانت بينهم لا تملك الا رصيدك من الاعمال، فاليوم هو يوم حساب ولا عمل ، اما تقويم هذا الرصيد فستطلع عليه بعد حين ، ولا احد يعلم كم هو هذا الحين فلعله قد يمتد الى الف سنة مما تعد . واذا استطاعت مخيلتك الخصبة ان ترسم لك لوحة بانورامية لذلك اليوم ، فلا بأس في ان تخطو خطوة ابعد في استنفار طاقات مخيلتك لترى نفسك وقد وصلك الدور امام رب العزة وجها لوجهه الكريم لا يفصلك عن اتخاذ القرار النهائي في حقك سوى اجراءات طفيفة قد تمر عليك ثقالا لوطأة ذلك اليوم العصيب . ترى كم ستكون درجة مفاجأتك بمقياس ريختر الالماني للزلازل المكون من تسع درجات عندما تكتشف بنفسك ان مالك يوم الدين ليس في وارد سؤالك عما اذا كنت شيعيا ام سنيا ، زيديا ام اباضيا . لا يراودني ادنى شك بان جمهورا عريضا وطويلا من المسلمين سيأتي ذلك اليوم وهو مسلح بمعلومات وردود جامعة مانعة لكل ما يُظن انه سيطرح عليه من تساؤلات حزبية ضيقة .
فاعضاء حزبي الذي اظنه الغالب ، جاؤوا متأبطين اجوبتهم : مسلم، اشهد ان لا اله الا الله ، وان محمدا عبده ورسوله وان القرآن حق، وان علي بن ابي طالب واهل بيته هم خير من يخلف الرسول ، وياتي السني فيشهد بالوحدانية والخاتمية والكتاب المبين مستعرضا اسماء ائمته وولاة أموره ، ويليه الحنبلي ليدافع عن معتقده ويتبعه المالكي ثم الحنفي فالشافعي والزيدي والاباظي وسواهم ، ولا شك ان كل حزب بما لديهم فرحون . ترى ما هو مصير هذه الخلائق التي اتفقت على رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد ثم تفرقت طرائق قددا ، والجميع طامح في جنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين ، خائف من شواظ نار لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر. من الذي يتحمل مسؤولية وتبعات هذا التصدع المخيف ؟ كيف تحول فقه دين واحد مصدره قرآن واحد ونبي واحد الى اكثر من سبعين فقها كل فقه كالطود العظيم ، والحبل على الجرار ، وعندما تتحدث يقال لك: اختلاف امتي رحمة !!!
كيف اختلفت العبادات وعلى رأسها الصلاة كل هذا الاختلاف بين فِرق دين واحد ، بل في المذهب الواحد احيانا ؟ من يقرأ بعض التفاصيل الشخصية جدا عن حياة النبي – بعضها مخجل ومخل – يتساءل ما الذي حدث لهؤلاء الصحابة الذين وثـّقوا امورا لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي اهرق لتدوينها فيما بعد ، ان اختلفوا في الصلاة وهي عمود الدين ، وهذا الاختلاف يبدأ بالاذان والاقامة وينتهي بالتشهد والتسليم مرورا بالاسبال والتكتف والقنوت والتامين والتسميت و...و...و . لو صح ان كل من صاحب الرسول الكريم من المسلمين كانوا من الرجال الصادقين ، خاصة وانهم ادوا الصلاة خلفه مئات أو آلاف المرات ، لو افترضنا الصدق فيهم جميعا لوصلتنا صيغة واحدة للصلاة لا نختلف عليها ابدا حتى نرد عليه الحوض ، خاصة وقد روي عن النبي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" قوله : صلوا كما رأيتموني اصلي .
فمتى وكيف ولماذا وقع الاختلاف ، فاحتارت الامة التي يقال عنها انها مرحومة في اداء واحدة من اهم فرائضها التي يقوم عليه خاتم الاديان ؟ وما يجري على الصلاة ينطبق على جميع العبادات الاخرى بوتيرة فوارق متباينة. من يتحمل المسؤولية الاخلاقية والشرعية لهذا الاختلاف الذي تحوّل بمرور الايام الى خلاف افضى الى تكفير تدحرجت فيه رؤوس وطاحت ايدي وبترت ارجل؟ ولا شك ان هذا الخلاف والاختلاف ليس كما يهوّنُ من شأنه البعضُ ممن يدعو الى التقريب بنوايا حسنة . اما المتحدثون عن الوحدة الاسلامية فانهم دائما ما يذكرونني بتجارب الوحدات السياسية التي خاضتها بلدان عربية ثم تحولت الى حروب طاحنة ، جعلت الشعوب تتشاءم من كل شيء يمت للوحدة بصلة .
في منتصف العقد قبل الماضي ، كنت استمع لمحاضرة خطيب سني في دمشق نفذت كلماته الى أعماقي ، ولعلها سلمتني حزمة مفاتيح استطعت من خلالها ان اعالج الكثير من التساؤلات والاشكاليات التي اطرحها على نفسي عندما اختلي بها . قال الخطيب – فيما قال – ان المرء يوم القيامة يحاسب اول ما يحاسب على علم اتيح لكسبه فلم يفعل ، ثم على علم كسبه ولم يعمل به او ينشره ، وكان حديثه ، كأي خطبة دينية، معززا بالشواهد من الحديث وروايات وشعر وكان – للحق - خطيبا مفوها مصقعا . قبل عقد ونصف كنا بالكاد نسمع عن جهاز اسمه "كومبيوتل" !!!
هكذا تعلمناه في البدء، اما الحديث عن شبكة المعلومات العنكبوتية آنذاك فكان حديث خرافة لا يتجاوز في احسن حالاته حدود افلام الخيال العلمي التي كانت تصلنا بين الحين والاخر من العم سام ونتعامل مع ابتكاراتها كما نتعامل مع النكات السمجة. طبعا خطيبنا الجليل الذي كان محور خطبته هو الحث على تلقي العلم ومن ثـَمّ العمل به ، لم يكن يستشرف مستقبل العالم بعد خطبته بسنوات قليلة وما جرى ويجري للكرة الارضية من انكماش افتراضي جعلها بحجم عمارة يعقوبيان . مع توفر هذا الكم الهائل من المعلومات ، ترى كم نحن بحاجة اليوم الى اجراء عملية غسل وتشحيم كاملة لادمغتنا لنزيح عنها الرين المتراكم منذ قرون متمادية ، حتى نبدأ – ولو متأخرين – بداية صحيحة نعد من خلالها اجوبة تليق بالمسلم الواعي لاسئلة يوم الحساب .
هل يُعقل ان ربـّا نؤمن بعدالته المطلقة سيسألني وسط تلك الحشود عن الاسبال او التكتف في الصلاة فيلقي بي بسبب ذلك مذؤوما مدحورا الى الدرك الاسفل من الجحيم ؟ وهل يُعقل ان ربـّا نؤمن بعدالته المطلقة سيساوي في الحساب بين اُميٍّ لم ير القلم او الورقة حتى النزع الاخير في حياته ، ,وآخر يمشي معه الآي فون أو الآيباد او الآيبود واليوتيوب والفيسبوك والتويتر وغوغل حتى وهو معلق بين الارض والسماء على جناح طائرة تمخر عباب الفضاء . في آخر زيارة لي للعراق قبل اربعة اعوام اشتريت قرصين مدمجين باقل من دولارين يحتويان على مكتبة اسلامية ضخمة تحوي نحو خمسة آلاف كتاب مع امكانية البحث عن المؤلِف والمؤلـَف . تصوّرْ لو انك عُدتَ بضع سنوات الى وراء واشتريت خمسة آلاف كتاب ، كم ستحتاج من الوقت والمكان والمال والاشخاص لرصفها على الرفوف . هاهي متاحة بين يديك اليوم بابخس الاثمان وباصغر الاحجام ، بل تستطيع ان تهدي نسخة منها لصديق من دون ان تنفق قرشا واحدا.
ترى الى اي مدى استخدمت هذه الاسفار المرصوفة الكترونيا لازاحة الرين المتراكم على دماغك المشوش الذي لا يركن الى شاطىء طويلا ؟ هذا هو السؤال الكبير الذي اخشى ان تكون الاجابة عليه واردة في الاية الخامسة من سورة الجمعة
--------------------------------------------------------------------------
’’’’’’’’’ة,,,,,,,,,,,,م,,,,,,,,,,ل..........و...............ل............ن,,,,,,,,,,,,,,,,,’’’’’’’’’’’’’’’