كيف يمكن قياس التنمية المستدامة؟
بالرغم من إنتشار مفهوم التنمية المستدامة إلا أن المعضلة الرئيسية فيه بقيت الحاجة الماسة إلى تحديد مؤشرات Indicators يمكن قياس مدى التقدم نحو التنمية المستدامة من خلالها.
وتساهم مؤشرات التنمية المستدامة في تقييم مدى تقدم الدول والمؤسات في مجالات تحقيق التنمية المستدامة بشكل فعلي وهذا ما يترتب عليه اتخاذ العديد من القرارات الوطنية والدولية حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وفي الواقع فإن معظم تقارير الدول التي تم تقديمها لسكرتارية الأمم المتحدة حول تنفيذ الحكومات لخطط التنمية المستدامة تركز على تعداد المشاريع التي تم تنفيذها والاتفاقيات التي تم توقيعها والمصادقة عليها، وكان معظم هذا التقييم نظريا وإنشائيا ويخضع لمزاج المؤسسة التي تعد التقرير، وهي دائما مؤسسة حكومية يهمها التركيز على الايجابيات وعدم وجود تقييم نقدي حقيقي. ولهذا حاولت لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة الوصول إلى مؤشرات معتمدة للتنمية المستدامة لكنها لم تنتشر على مستوى العالم حتى الآن، كما لم يتم وضع دراسة مقارنة بين الدول في مجال التنمية المستدامة إلا من خلال مؤشرات الاستدامة البيئية للعام 2005 والتي وجدت الكثير من النقد المنهجي.
وكانت الدراسة التي أعدتها جامعة ييل لمصلحة المنتدى الاقتصادي العالمي تمثل أول دراسة مقارنة على مستوى العالم للاستدامة البيئية، حيث شملت الدراسة 182 دولة.
وبالرغم من ذلك فقد كانت هناك العديد من الانتقادات حول هذه المؤشرات وأهمها عدم احتساب كلفة التأثيرات البيئية للدول خارج حدودها Externalities وهذا ما وضع دولا كثيرة من المعروف أنها ذات تأثيرات ملوثة وضارة بيئيا على الموارد الطبيعية خارج حدودها مثل كندا والولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية في مراكز متقدمة في قائمة الدول ذات الاستدامة العالية.
ويعتمد قياس الاستدامة البيئية على 20 مؤشرا رئيسيا تنقسم بدورها إلى 68 مؤشرا فرعيا وهو يقدم مؤشر دراسة مقارنة للدول في مدى نجاحها في تحقيق التنمية المستدامة وفق أسلوب ومنهجية رقمية دقيقة ويشكل ذلك إضافة نوعية لأصحاب القرار في هذه الدول لتحليل خطواتهم السياسية والاقتصادية والبيئية ومراجعتهم لتحسين أدائهم على صعيد التنمية المستدامة.
وحسب الدراسة فإن هناك خمس مكونات رئيسية للاستدامة البيئية وهي:
1- الأنظمة البيئية: تعتبر الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تتمكن فيه من الحفاظ على أنظمتها الطبيعية في مستويات صحية وإلى المدى الذي تكون فيه هذه المستويات تتجه نحو التحسن لا التدهور.
2- تقليل الضغوطات البيئية: تكون دولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه الضغوطات البشرية على البيئة قليلة إلى درجة عدم وجود تأثيرات بيئية كبيرة على الأنظمة الطبيعية.
3- تقليل الهشاشة الإنسانية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه أنظمتها الاجتماعية وسكانها غير معرضين بشكل مباشر للتدهور البيئي وكلما تراجع مستوى تعرض المجتمع للتأثيرات البيئية كلما كان النظام أكثر استدامة.
4- القدرة الاجتماعية والمؤسسية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه قادرة على إنشاء أنظمة مؤسسية واجتماعية قادرة على الاستجابة للتحديات البيئية.
5- القيادة الدولية: تكون الدولة ذات استدامة بيئية بالمدى الذي تكون فيه متعاونة دوليا في تحقيق الأهداف المشتركة في حماية البيئة العالمية وتخفيض التأثيرات البيئية العابرة للحدود.
مؤشرات الضغط-الحالة-الاستجابة:
ولكن لا يمكن اعتبار مؤشر الاستدامة البيئية مقياسا عالميا محكما للتنمية المستدامة، إذ أنه يتعرض حاليا للكثير من النقد المنهجي، أما المؤشرات الأكثر دقة وشمولية وقدرة على عكس حقيقة التطور في مجال التنمية المستدامة فقد طورتها لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة وتسمى عادة بمؤشرات " الضغط والحالة والاستجابة"Pressure- state-response Indicators لأنها تميز ما بين مؤشرات الضغط البيئية مثل النشاطات الإنسانية، التلوث، انبعاثات الكربون ومؤشرات تقييم الحالة الراهنة مثل نوعية الهواء والمياه والتربة ومؤشرات الاستجابة مثل المساعدات التنموية.
وتنقسم مؤشرات التنمية المستدامة عادة إلى أربع فئات رئيسية بناء على تعريف التنمية المستدامة نفسه، حيث تنقسم إلى مؤشرات اقتصادية واجتماعية وبيئية وكذلك مؤشرات مؤسسية Institutional والتي توفر تقييما لمدى تطور الإدارة البيئية.
ويتم استنباط هذه المؤشرات لتدل على وضع معظم القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تعالجها التنمية المستدامة والتي تضمنتها الفصول الأربعون من وثيقة الأجندة 21 التي أقرت في العام 1992 وتمثل خطة عمل الحكومات والمنظمات الأهلية تجاه التنمية المستدامة في كل العالم.
أن هذه المؤشرات تعكس مدى نجاح الدول في تحقيق التنمية المستدامة وهي تقيم بشكل رئيسي حالة الدول من خلال معايير رقمية يمكن حسابها ومقارنتها مع دول أخرى كما يمكن متابعة التغيرات والتوجهات Trends في مدى التقدم أو التراجع في قيمة هذه المؤشرات مما يدل على سياسات الدول في مجالات التنمية المستدامة فيما إذا كانت تسير في الطريق الصحيح نحو تحقيق التنمية المستدامة أم أنها لا زالت متباطئة ومترددة، كما هي معظم دول العالم. ووجود مثل هذه المؤشرات الرقمية بشكل دائم ومتجدد يساهم في إعطاء صورة واضحة عن حالة التنمية المستدامة في الدولة، وبالتالي يقدم المعلومات الدقيقة اللازمة لمتخذي القرارات في الوصول إلى القرار الأكثر صوابا ودقة لما فيه المصلحة العامة والابتعاد عن القرارات العشوائية والتي غالبا ما تكون مبنية على معلومات خاطئة أو ميالة إلى المجاملة والانتقائية. وتتمحور مؤشرات التنمية المستدامة حول القضايا الرئيسية التي تضمنتها توصيات الأجندة 21 وهي التي تشكل إطار العمل البيئي في العالم والتي حددتها لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة بالقضايا التالية: المساواة الاجتماعية، الصحة العامة، التعليم، النوع الاجتماعي، أنماط الإنتاج والاستهلاك، السكن، الأمن، السكان، الغلاف الجوي، الأراضي، البحار والمحيطات والمناطق الساحلية، المياه العذبة، التنوع الحيوي، النقل، الطاقة، النفايات الصلبة والخطرة، الزراعة، التكنولوجيا الحيوية، التصحر والجفاف، الغابات، السياحة البيئية، التجارة، القوانين والتشريعات والأطر المؤسسية. وتاليا شرح مفصل لكل هذه القضايا والمؤشرات المرتبطة بها.
القضايا والمؤشرات الاجتماعية:
1- المساواة الاجتماعية: تعتبر المساواة أحد أهم القضايا الاجتماعية في التنمية المستدامة، إذ تعكس إلى درجة كبيرة نوعية الحياة والمشاركة العامة والحصول على فرص الحياة. وترتبط المساواة مع درجة العدالة والشمولية في توزيع الموارد واتاحة الفرص واتخاذ القرارات. وتتضمن فرص الحصول على العمل والخدمات العامة ومنها الصحة والتعليم والعدالة. والمساواة يمكن أن تكون مجالا للمقارنة والتقييم داخل الدولة نفسها وكذلك بين الدول المختلفة. ومن القضايا الهامة المرتبطة بتحقيق المساواة الاجتماعية تبرز قضايا مكافحة الفقر، العمل وتوزيع الدخل، النوع الاجتماعي، تمكين الأقليات العرقية والدينية، الوصول إلى الموارد المالية والطبيعية، وعدالة الفرص ما بين الأجيال. وقد عالجت الأجندة 21 موضوع المساواة الاجتماعية في الفصول الخاصة بالفقر وأنماط الإنتاج والاستهلاك والمرأة والأطفال والشباب وكذلك المجتمعات المحلية. وبالرغم من التزام معظم الدول في العالم باتفاقيات ومعاهدات تتضمن مبادئ العدالة والمساواة الاجتماعية فإن غالبية هذه الدول لم تحقق نجاحا حقيقيا في مواجهة سوء توزيع الموارد ومكافحة الفقر في مجتمعاتها، وتبقى المساواة الاجتماعية من أكثر قضايا التنمية المستدامة صعوبة في التحقق. وقد تم اختيار مؤشرين رئيسيين لقياس المساواة الاجتماعية وهما :
- الفقر: ويقاس عن طريق نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة السكان العاطلين عن العمل من السكان في سن العمل.
- المساواة في النوع الاجتماعي: ويمكن قياسها من خلال حساب مقارنة معدل أجر المرأة مقارنة بمعدل أجر الرجل.
2- الصحة العامة: هناك ارتباط وثيق ما بين الصحة والتنمية المستدامة، فالحصول على مياه شرب نظيفة وغذاء صحي ورعاية صحية دقيقة هو من أهم مبادئ التنمية المستدامة. وبالعكس، فأن الفقر وتزايد التهميش السكاني وتلوث البيئة المحيطة وغلاء المعيشة كل ذلك يؤدي إلى تدهور الأوضاع الصحية وبالتالي فشل تحقيق التنمية المستدامة. وفي معظم دول العالم النامي، فإن الخدمات الصحية والبيئية العامة لم تتطور بشكل يوازي تطور السوق والاقتصاد وغلاء المعيشة. وقد وضعت الأجندة 21 بعض الأهداف الخاصة بالصحة وأهمها تحقيق احتياجات الرعاية الصحية الأولية وخاصة في المناطق الريفية، والسيطرة على الأمراض المعدية، وحماية المجموعات الهشة (مثل الأطفال وكبار السن) وتقليص الأخطار الصحية الناجمة عن التلوث البيئي. أما المؤشرات الرئيسية للصحة فهي:
- حالة التغذية: وتقاس بالحالات الصحية للأطفال.
- الوفاة: وتقاس بمعدل وفيات الأطفال تحت خمس سنوات، والعمر المتوقع عند الولادة.
- الإصحاح: ويقاس بنسبة السكان الذين يحصلون على مياه شرب صحية ومربوطين بمرافق تنقية المياه.
- الرعاية الصحية: وتقاس بنسبة السكان القادرين على الوصول إلى المرافق الصحية، ونسبة التطعيم ضد الأمراض المعدية لدى الأطفال ونسبة استخدام موانع الحمل.
3- التعليم: يعتبر التعليم، وهو عملية مستمرة طوال العمر متطلبا رئيسيا لتحقيق التنمية المستدامة. وقد تم التركيز على التعليم في كل فصول وثيقة الأجندة 21 حيث أن التعليم أهم الموارد التي يمكن أن يحصل عليها الناس لتحقيق النجاح في الحياة. وهناك ارتباط حسابي مباشر ما بين مستوى التعليم في دولة ما ومدى تقدمها الاجتماعي والاقتصادي. وفي وثيقة الأجندة 21 فإن التعليم يتمحور حول ثلاثة أهداف هي إعادة توجيه التعليم نحو التنمية المستدامة، وزيادة فرص التدريب وزيادة التوعية العامة. وقد حققت الكثير من دول العالم نجاحا ملموسا في التعليم وفي تدريب سكانها على المعلومات الحديثة ولكن لا يزال هناك الكثير من الجهد الذي ينبغي بذله. أما مؤشرات التعليم فهي:
- مستوى التعليم: ويقاس بنسبة الأطفال الذين يصلون إلى الصف الخامس من التعليم الإبتدائي.
- محو الأمية: ويقاس بنسبة الكبار المتعلمين في المجتمع.
4- السكن: أن توفر المسكن والملجأ المناسب هو من أهم احتياجات التنمية المستدامة، ومع أنه يعتبر من الأساسيات في العالم المتقدم فإن العديد من الدول والكثير من الفئات الاجتماعية المحرومة لا تجد مأوى لها. أن شروط الحياة وخاصة في المدن الكبيرة تتأثر دائما بالوضع الاقتصادي ونسبة نمو السكان والفقر والبطالة وكذلك سوء التخطيط العمراني والحضري. وتشكل عملية الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن أحد أهم أسباب زيادة المستوطنات البشرية العشوائية ونسبة المتشردين واولئك الذين يعيشون في ظروف صعبة ولا يجدون المأوى الملائم لحقوقهم الإنسانية في العيش في مسكن آمن ومريح ومستقل. وتقاس حالة السكن في مؤشرات التنمية المستدامة عادة بمؤشر واحد هو نسبة مساحات السقوف في الأبنية لكل شخص. ومع أن هذا المؤشر عادة ما يرتبط مع الإزدحام والبناء المتركز فإنه لم يتم تطوير مؤشر آخر أفضل منه بعد.
5- الأمن: يتعلق الأمن في التنمية المستدامة بالأمن الاجتماعي وحماية الناس من الجرائم، فالعدالة والديمقراطية والسلام الاجتماعي تعتمد جميعا على وجود نظام متطور وعادل من الإدارة الأمنية التي تحمي المواطنين من الجريمة ولكنها بنفس الوقت لا تثير القلق الاجتماعي أو تمارس سلطاتها في الإساءة إلى الأفراد وتحترم حقوق الإنسان. ولا شك أن الفاصل ما بين الديمقراطية والأمن دقيق جدا والأنظمة الاجتماعية والأمنية المتطورة هي التي تستطيع أن تحقق توازنا بين هذين الأمرين يساهم في تطوير التنمية المستدامة. ومن الأمور المرتبطة بالأمن والتي ركزت عليها الأجندة 21 الجرائم ضد الأطفال والمرأة وجرائم المخدرات والاستغلال الجنسي وغيرها مما يقع في بنود الأمن الاجتماعي. ويتم قياس الأمن الاجتماعي عادة من خلال عدد الجرائم المرتكبة لكل 100 ألف شخص من سكان الدولة.
6- السكان: هناك علاقة عكسية واضحة ولا جدال عليها ما بين النمو السكاني والتنمية المستدامة، فكلما زاد معدل النمو السكاني في دولة ما أو منطقة جغرافية معينة زادت نسبة استهلاك الموارد الطبيعية ونسبة التصنيع العشوائي والنمو الاقتصادي غير المستدام مما يؤدي في النهاية إلى كل أنواع المشاكل البيئية وبالتالي تقليل فرص تحقيق التنمية المستدامة. ومن المعروف أيضا ان النمو السكاني العالي المصحوب بالهجرة من الريف إلى المدينة يؤدي إلى ضغوطات اقتصادية واجتماعية كبيرة على الموارد وإلى سوء توزيع الدخل وزيادة نسبة الفقر والبطالة حيث تعجز السياسات الاقتصادية في معظم الأحيان عن الوفاء باحتياجات السكان الأساسية. وقد أصبحت النسبة المئوية للنمو السكاني هي المؤشر الرئيسي الذي يتم استخدامه لقياس مدى التطور تجاه تخفيض النمو السكاني.
القضايا والمؤشرات البيئية:
1- الغلاف الجوي: هناك العديد من القضايا البيئية الهامة التي تندرج ضمن إطار الغاف الجوي وتغيراته، ومنها التغير المناخي وثقب الأوزون ونوعية الهواء. وترتبط تأثيرات هذه القضايا بشكل مباشر مع صحة الإنسان واستقرار وتوازن النظام البيئي كما أن لبعضها تأثيرات غير قابلة للانعكاس والتراجع. وقد اهتمت وثيقة الأجندة 21 بمشاكل الغلاف الجوي ووضعت العديد من التوصيات، كما تم إقرار الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحماية المناخ ومقاومة ظاهرة الاحتباس الحراري والدفيئة ومنع استخدام المركبات التي تدمر طبقة الأوزون وكذلك تحسين نوعية التقنيات البيئية لتقليل الانبعاثات السامة والملوثات الغازية من المصادر الثابتة والمتحركة لتحسين نوعية الهواء. وبالتأكيد فأن العوامل الرئيسية وراء مشاكل الغلاف الجوي هي استخدام الإنسان للفحم الحجري ومصادر الطاقة الملوثة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والعديد من المركبات والمواد الملوثة الأخرى من المصانع ووسائل النقل والنشاطات البشرية الأخرى. وهناك ثلاثة مؤشرات رئيسية تتعلق بالغلاف الجوي وهي :
- التغير المناخي: ويتم قياسه من خلال تحديد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
- ترقق طبقة الأوزون: ويتم قياسه من خلال استهلاك المواد المستنزفة للأوزون.
- نوعية الهواء: ويتم قياسها من خلال تركيز ملوثات الهواء في الهواء المحيط في المناطق الحضرية.
2- الأراضي: وهذه قضية معقدة وهامة جدا وذات تشعبات كثيرة في علاقتها بالتنمية المستدامة. فالأرض لا تتكون فقط من البنية الفيزيائية وطبوغرافية السطح بل أيضا من الموارد الطبيعية الموجودة فيها، وحتى المياه التي تحتويها والكائنات الحية التي تعيش عليها. وبالتالي فإن طرق ووسائل استخدام الأراضي هي التي تحدد بشكل رئيسي مدى التزام الدول بالتنمية المستدامة وتطبيقها لمبادئها. فاستخدامات الأراضي تتطلب قرارات سياسية واقتصادية على درجات متفاوتة من المسؤولية والهرمية الإدارية والسياسية، فقد تكون قرارات وطنية أو أقليمية أو محلية أو حتى شخصية. وبالتالي فإن طرق استخدامات الأراضي هي التي تحدد كيفية التعامل مع الموارد الطبيعية للأرض، والتلوث الذي يصيبها وطرق العناية بها. وتعتمد وثيقة الأجندة 21 على ضرورة استخدام منهج متكامل لإدارة الأنظمة البيئية والأراضي يأخذ بعين الاعتبار قدرة الأراضي على تزويد عملية التنمية بالموارد وعدم استنزافها وكذلك حماية الأراضي من التلوث والتدهور والتصحر وغيرها من أشكال التأثير على الموارد. أما أهم المؤشرات المتعلقة باستخدامات الأراضي فهي:
- الزراعة: ويتم قياسها بمساحة الأراضي المزروعة مقارنة بالمساحة الكلية، واستخدام المبيدات والمخصبات الزراعية.
- الغابات: ويتم قياسها بمساحة الغابات مقارنة بالمساحة الكلية للأرض، وكذلك معدلات قطع الغابات.
- التصحر: ويتم قياسه من خلال حساب نسبة الأرض المتأثرة بالتصحر مقارنة بمساحة الأرض الكلية.
- الحضرنة: ويتم قياسها بمساحة الأراضي المستخدمة كمستوطنات بشرية دائمة أو مؤقتة.
3- البحار والمحيطات والمناطق الساحلية: بما أن البحار والمحيطات تشغل ما نسبته 70% من مساحة الكرة الأرضية فإن إدارة هذه المناطق الشاسعة بطريقة مستدامة بيئيا هو أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية، كما أنه من أصعب المهام نظرا لتعقيد الأنظمة البيئية للمحيطات وهشاشتها وكونها الأقل استكشافا من قبل العلماء. ومما يزيد من أهمية هذه الأنظمة أن أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية يعيشون في المناطق الساحلية وبالتالي تتأثر معيشتهم وأوضاعهم البيئية والاقتصادية والاجتماعية بحالة البحار والكائنات التي تعيش فيها، خاصة أن النظام البيئي البحري يشكل عادة أهم وسائل كسب العيش والنشاطات الاقتصادية لسكان المناطق الساحلية. وتواجه المحيطات والأنظمة البحرية العديد من المشاكل البيئية منها التلوث الصادر عن السواحل، وتراجع الإنتاجية البحرية لمصائد الأسماك، وتلوث نوعية مياه البحر وغيرها من المشاكل. أما المؤشرات المستخدمة للمحيطات والمناطق الساحلية فهي:
- المناطق الساحلية: وتقاس بتركيز الطحالب في المياه الساحلية، ونسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الساحلية.
- مصائد الأسماك: وزن الصيد السنوي للأنواع التجارية الرئيسية.
4- المياه العذبة: لا شك أن المياه هي عصب الحياة الرئيسي، وهي العنصر الأكثر أهمية للتنمية، وكذلك فهي من أكثر الموارد الطبيعية تعرضا للاستنزاف والتلوث، وتجد كل الدول التي تتميز بقلة مصادر المياه نفسها في وضع اقتصادي واجتماعي صعب. وتعتبر أنظمة المياه العذبة من أنهر وبحيرات وجداول من أكثر الأنظمة البيئية هشاشة وتعرضا للتأثيرات السلبية للنشاطات الإنسانية كما أن إدارة الموارد المائية بطريقة مستدامة بيئيا هي من أهم التحديات والمصاعب التي تواجه دول العالم حاليا، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وأصبحت القضايا الخاصة بنوعية وكمية المياه في مقدمة الأولويات البيئية والاقتصادية في العالم، وبما أن المياه العذبة في الغالب مورد غير متجدد ومعرض للاستنزاف والتلوث، وفي ظل التزايد السكاني وتكاثر متطلبات التنمية على المياه، فإن تخصيص كميات من المياه بشكل متوازن لأغراض الشرب والتنمية وحماية الأنظمة البيئية بات مسألة تزداد تعقيدا وصعوبة وستبقى من أخطر معيقات التنمية المستدامة في العالم في العقود القادمة. ويتم عادة قياس التنمية المستدامة في مجال المياه العذبة بمؤشرين رئيسيين هما نوعية وكمية المياه. وتقاس نوعية المياه بتركيز الأكسجين المذاب عضويا ونسبة البكتيريا المعوية في المياه، أما كمية المياه فتقاس من خلال حساب نسبة كمية المياه السطحية والجوفية التي يتم ضخها واستنزافها سنويا مقارنة بكمية المياه الكلية.
5- التنوع الحيوي: قد تكون علاقة التنوع الحيوي بالتنمية المستدامة غير واضحة أحيانا، حيث يعتقد البعض أن التنوع الحيوي يعني فقط حماية الحيوانات والنباتات البرية وإنشاء المحميات وأن ذلك يصطدم عادة مع التقدم الاقتصادي. ولكن التنوع الحيوي في الواقع من أهم عناصر التنمية المستدامة إذ لا تعتبر حماية التنوع الحيوي واجبا بيئيا وأخلاقيا فحسب، لكنها أساسية لتأمين التنمية المستدامة حيث تم الإقرار بالترابط الوثيق بين التنمية والبيئة، فتوسع الأولى أصبح مرتبطا بجودة الأخيرة ونظرا للاعتماد القوي للاقتصاديات الوطنية على الموارد الحيوية والوراثية والأنواع والأنظمة البيئية فإن حماية التنوع الحيوي والاستخدام المستدام لعناصره وكذلك الموارد المتجددة الأخرى يعتبر شرطا لاستدامة التنمية. وهناك أيضا ارتباط أساسي بين العمليات الاقتصادية وفقدان أو حماية التنوع الحيوي. وهناك أيضا قيم اقتصادية وتنموية هامة للتنوع الحيوي. وعلى سبيل المثال فأن حوالي 75% من الأدوية التي يتم تداولها في العالم مصنوعة ومركبة من نباتات برية ذات خصائص طبية وعلاجية متميزة، وهذه النباتات إذا ما فقدت من الطبيعة فإن قيمها العلاجية قد تفقد أيضا. وبما أن العلم يتطور يوميا كما تتغير وتتزايد مشاكل الإنسان يوميا فإن الكثير من الكائنات والنباتات والحيوانات أيضا والتي لا تعرف حاليا قيمها العلاجية قد تقدم الحلول للمشاكل القادمة. وكذلك فإن حماية التنوع الحيوي تضمن بأن تبقى الأنظمة البيئية تمارس أدوارها الحيوية المعتادة في تنظيف البيئة واستقرار المناخ وغيرها. ومن المسائل الهامة جدا في التنوع الحيوي الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية أي الكائنات الحية من حيوانات ونباتات وأسماك من أجل الوفاء باحتياجات الإنسان ولكن بدون التأثير سلبا على توازن الطبيعة، وهذه مهمة صعبة أيضا. ويتم قياس التنوع الحيوي من خلال مؤشرين رئيسيين هما الأنظمة البيئية والتي يتم قياسها بحساب نسبة مساحة المناطق المحمية مقارنة بالمساحة الكلية وكذلك مساحة الأنظمة البيئية الحساسة، والمؤشر الثاني هو الأنواع ويتم قياسها بحساب نسب الكائنات الحية المهددة بالانقراض.
المؤشرات الاقتصادية:
1- البنية الاقتصادية: تسود في التحليلات الاقتصادية الرأسمالية حاليا المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادي
Growth يعكس عادة النشاط الاقتصادي الرأسمالي ومعدل الدخل الفردي والقوة الشرائية ضمن موازين السوق، ولكن مثل هذه المؤشرات لا تعطي فكرة واضحة عن حقيقة التباين الاقتصادي في توزيع الثروات أو مصادر الدخل كما أنها لا تعكس أبدا القيمة المستنزفة للموارد الطبيعية التي يتم استخدامها في عمليات الإنتاج. ولذلك فأن تطوير مؤشرات اقتصادية مستدامة ولها علاقة مباشرة بالتنمية وتعكس طبيعة تأثير السياسات ااقتصادية على الموارد الطبيعية هو في طليعة أولويات قياس التنمية المستدامة. كما أن التحديات التي تضعها التجارة العالمية وزيادة معدلات الاستهلاك تعطي إحساسا بنمو اقتصادي كبير ولكنه في الواقع يخفي حقيقة التدهور البيئي والاجتماعي الذي تسببه السياسات الاقتصادية الرأسمالية.
وبالتالي فإن أهم مؤشرات البنية الاقتصادية لدولة ما هي كالتالي:
1- الأداء الاقتصادي: ويمكن قياسه من خلال معدل الدخل القومي للفرد، ونسبة الاستثمار في معدل الدخل القومي.
2- التجارة: ويقاس بالميزان التجاري ما بين السلع والخدمات.
3- الحالة المالية: وتقاس عن طريق قيمة الدين مقابل الناتج القومي الإجمالي، وكذلك نسبة المساعدات التنموية الخارجية التي يتم تقديمها أو الحصول عليها مقارنة بالناتج القومي الإجمالي.
2- أنماط الإنتاج والاستهلاك: وهذه هي القضية الاقتصادية الرئيسية في التنمية المستدامة، إذ أن العالم الذي نعيش فيه يتميز بسيادة النزعات الاستهلاكية في دول الشمال وأنماط الإنتاج غير المستدامة والتي تستنزف الموارد الطبيعية سواء في الشمال أو الجنوب. ويعلم كل البيئيين في العالم أن القدرة الطبيعية لموارد لكرة الأرضية لا يمكن أن تدعم استمرار هذه الأنماط الإنتاجية والاستهلاكية وأنه لا بد من حدوث تغيير جذري في سياسات الإنتاج والاستهلاك للحفاظ على الموارد وجعلها متاحة أمام سكان العالم الحاليين بشكل متساو، وكذلك أن تبقى متوفرة للأجيال القادمة. وهذه المسؤولية هي في الأساس مسؤولية الدول الصناعية والمتقدمة والتي تتسبب في استنزاف الموارد الطبيعية من خلال الإنتاج المكثف والعادات الاستهلاكية المبالغ فيها، بينما تبقى دول الجنوب تجهد في سبيل تأمين الاحتياجات الأساسية لسكانها. أما أهم مؤشرات الأنماط الإنتاجية والاستهلاكية في التنمية المستدامة فهي:
- استهلاك المادة: وتقاس بمدى كثافة استخدام المادة في الإنتاج، والمقصود بالمادة هنا كل المواد الخام الطبيعية.
- استخدام الطاقة: وتقاس عن طريق الاستهلاك السنوي للطاقة لكل فرد، نسبة الطاقة المتجددة من الاستهلاك السنوي، وكثافة استخدام الطاقة.
- إنتاج وإدارة النفايات: وتقاس بكمية أنتاج النفايات الصناعية والمنزلية، وإنتاج النفايات الخطرة، وإنتاج النفايات المشعة وإعادة تدوير النفايات.
- النقل والمواصلات: وتقاس بالمسافة التي يتم قطعها سنويا لكل فرد مقارنة بنوع المواصلات ( سيارة خاصة، طائرة، مواصلات عامة، دراجة هوائية،...الخ).
وفي النهاية فإن التنمية المستدامة تقدم البديل التنموي الأكثر منطقية وعدالة لحل مشاكل عدم المساواة والتباين التنموي ما بين الشمال والجنوب وأنماط التنمية المرتبطة بالتدهور البيئي، ولكن تقييم مدى التزام الدول بها ومدى تحقيق النجاح في تطبيقها يعتمد على مؤشرات علمية واضحة يجب أن تدخل سريعا ضمن الاستراتيجيات والمؤشرات التنموية العربية