@نحن إمة ضيعها > جهل آبناءها....وخيانة حكامها .... وفشل رموزها....وفتاوي مشايخها...! @آطماعكم >تطرفكم>آحقادكم>>>آلسبب...! @وزد فوق ذلك عيوبكم >تغريبة للإ سلام و آلعروبة.....!!!! @إلى متى هذا آلنوم؟ آين همم آلآجداد ...يا آبناء يعرب... ؟

الاحتلال السعودي الغاصب لعسير عام 1932م


الاحتلال السعودي الغاصب لعسير عام 1932م

كانت معاهدة مكة الموقعة بين الملك عبد العزيز والحسن الادريسي في 21 أكتوبر 1926م، تقضي بوضع عسير تحت الحماية السعودية ـ كما أشرنا من قبل ـ وبمقتضى تلك المعاهدة بعث عبد العزيز مندوباً عنه إلى عسير يدعى صالح بن عبد الواحد بهدف مراقبة الاتصالات الخارجية لعسير باعتبارها تمثل حجر الزاوية في معاهدة الحماية[1].

ولكن بما أن الملك عبد العزيز كان يطمح في حقيقة الأمر إلى احتلال عسير وضمها إلى دائرة نفوذه، وكان يرى في معاهدة مكة الوسيلة التي يمكنه الاعتماد عليها لتحقيق طموحه فقد أصدر مرسوماً ملكياً في 20 نوفمبر 1930م يقضي بتشكيل مجلس تشريعي في منطقة عسير يختص بحماية مصالح المنطقة وإدارة مواردها التجارية والزراعية[2] فقط في حين ظلت الشؤون الخارجية وشؤون البدو في المنطقة من اختصاص الحكومة السعودية، وقد تولاها في ذلك الحين حمد الشويعر مندوباً من لدى الملك عبد العزيز[3].

ولقد تزامن ذلك مع قيام المندوبين السعوديين في منطقة عسير بالحد من صلاحيات واختصاصات الحسن الادريسي فيها، وتقليص نفوذه عليها[4]، ومما زاد الطين بلة قيام فهر بن زعير المندوب السعودي الجديد في المنطقة باعاقة صرف المستحقات المالية المقررة للإدريسي ومنع ذكر اسمه في خطبة الجمعة وإنزال العلم الخاص به من على سواري الإمارة وغيرها من الإجراءات الاخرى[5].

وعندما أدرك الحسن الادريسي مغبة الخطأ الذي ارتكبه من خلال قيامه بإبرام معاهدة مكة، والتي لا يعدو كونها فخ أو شرك أوقعه فيه الملك عبد العزيز للتخلص من النفوذ الادريسي في منطقة عسيرـ عند ذلك ـ اندفع الادريسي إلى الاتصال بالقوى المعادية والمناهظة للملك عبد العزيز،، وفي مقدمتها الإمام يحيى في اليمن وعبد الله ابن الشريف حسين في الأردن حزب الأحرار الحجازي وطلب منها العمل على دعمه ومساندته بالمال والسلاح حتى يتسنى له تفجير الموقف العسكري ضد النفوذ السعودي في المنطقة[6].

ومواكبة لذلك اجتمع احسن الادريسي مع الشيخ محمد أمين الشنقيطي عضو حزب الاحرار الحجازي في منطقة "اللحية" واتفق معه على وضع الخطط الكفيلة بإثارة الفوضى والاضطرابات في وجه النفوذ السعودي في المنطقة[7]، وعند ذلك أبرق فهر بن زعير إلى الملك عبد العزيز ليخبره بنوايا الادريسي وخططه في المنطقة، غير ان الملك عبد العزيز لجأ إلى التروي والتأني ولم يتخذ إزاء الادريسي أي تصرف ينم عن القسوة أو الشدة في ذلك الحين[8].

ولما كان الحسن الادريسي قد أزمع على استخدام القوة لتغير الوضع القائم في المنطقة واستعادة جميع سلطاته فيها، فقد بادر في 4 نوفمبر 1932م إلى مهاجمة مدينة جيزان واحتلالها[9] ومن ثم اعتقال فهر بن زعير وبعض المندوبين السعوديين والزج بهم في غياهب السجون[10]،وقام بعد ذلك أي في 11 نوفمبر بارسال برقية إلى الملك عبد العزيز اوضح فيها أهم الدوافع والأسباب التي جعلته يقوم باحتلال جيزان، واعتقال المندوبين السعوديين في المنطقة، والتي من جملتها تحقيق أمله في استعادة صلاحياته واختصاصاته في المنطقة، فرد عليه الملك عبد العزيز مقترحاً عليه تشكيل لجنة سعودية وأخرى ادريسية وتكليفهما بحل الخلاف وتسويته، وبالفعل جرى تشكيل لجنة سعودية تتألف من حامد الشقيق وعبد الله السليمان وخالد القرقني[11] وتحركت اللجنة في اتجاه المنطقة ترافقها ثلة من الجنود السعوديين بغرض حمايتها وتأمين تحركاته في المنطقة.

ولكن ما إن وصلت اللجنة السعودية إلى "القحمة" و"الشقيق" حتى تأكد لها بشكل قاطع ان الثورة الادريسية تتسم بالقوة والحسم وترمى غاية ما ترمي إلى إلغاء معاهدة الحماية المبرمة بين الحسن الادريسي والملك عبد العزيز في 21 أكتوبر 1926م، ومن ثم التخلص من النفوذ السعودي في المنطقة بشكل نهائي[12].

وحيال هذا التطور أمر الملك عبد العزيز بارسال قوات عسكرية كبيرة إلى منطقة عسير عن طريق البر والبحر[13]، وتعززها قوات أخرى كانت في المنطقة قبل نشوب تلك التطورات وتحت حماية عدد من الطائرات الحربية البريطانية شنت القوات السعودية هجوماً خاطفاً على مدينة جيزان تمكنت خلاله من احتلالها والسيطرة عليها، ومن ثم إطلاق سراح جميع المندوبين والموظفين السعوديين والمحتجزين فيها الأمر الذي دفع الحسن الادريسي وجماعته إلى الهرب في اتجاه "صبيا" فتابعته القوات السعودية هناك واشتبكت معه في معركة ضارية انتهت في أواخر نوفمبر 1932م بفراره مع أعوانه وأفراد اسرته[14]، ومن ضمنهم عبد الوهاب الادريسي[15] في اتجاه الجنوب إلى المظايا فنشار فأبو عريش فالزيارة[16]حتى استقر بهم المقام في "حرض" داخل الأراضي اليمنية[17] ومن هناك اتصل الادريسي بالإمام يحيى طالباً اعتباره مع جماعته وأفراد أسرته لاجئاً سياسياً. فأجاره الإمام ومن معه وأمر ببقائهم في منطقة تدعى "زهب حجر" من حرض[18].

وبهذا تفرقت قوات الحسن الادريسي وتشتت انصاره وأعوانه، وولت بعض القبائل الموالية له مدبرة نحو جبال عسير للتخلص فيها والاحتماء بها هرباً من قوات السعودية النازية، عند ذلك قرر عبد العزيز ضم منطقة عسير إلى الأراضي السعودية بصورة نهائية وقام بتعيين كل من الأمير عبد العزيز بن مساعد قائداً عاماً للقوات السعودية في عسير ومقره "أبها" والأمير تركي السديدي حاكماً لعسير ومقره أبها أيضاً[19] وحمد الشويعر مساعداً لحاكم منطقة عسير ومقره "جيزان"[20].

ويعتبر قرار عبد العزيز بضم منطقة عسير قراراً مخالفاً لبنود معاهدة مكة[21] ومخالفاً لحقوق اليمن التاريخية في المنطقة ومخالفاً لماهية الشرعية الدولية والقانون الدولي العام، والذي جاء في أحد فقراته أنه "لا يجوز لأية دولة مد سيادتها على إقليم تابع لدولة معترف بوجوها وسيادتها عليه حتى لو كان الإقليم مسكوناً بشعب من الشعوب، وله تنظيمه السياسي الخاص"[22].

وفي هذا الوقت أبرق الملك عبد العزيز إلى الإمام يحيى يطلب منه تسليم الحسن الادريسي وجماعته إليه عملاً بمقتضى معاهدة "العرو" المبرمة بين البلدين في 15 ديسمبر 1931م، غير ان الإمام يحيى رفض تسليم الادارسة إلى السعودية تعبيراً عن تعاطفه وتعاونه معهم ومجارات لروح العادات والتقاليد العربية والإسلامية التي تستوجب إجارة المستجير وحماية المستغيث مهما كانت الأمور[23]، بل أن الإمام طلب عبد العزيز بإصدار عفو شامل عن الحسن الادريسي وجماعته حتى يتسنى لهم مواصلة حياتهم وتدابير شؤونهم بأمن واستقرار، وهو الطلب الذي وافق عليه الملك عبد العزيز في آخر المطاف[24].

وعندما تلقى الإمام يحيى موافقة الملك عبد العزيز على إصداره هذا العفو اقترح عليه عقد اجتماع في ميدي بين مندوبيه وبين الحسن الادريسي بهدف إنهاء الخلاف وتسوية الصراع بين الطرفين بالطرق الودية والسلمية، فوافق الملك عبد العزيز على هذا الاقتراح وكلف عبد العزيز بن مساعد ـ القائد العام للقوات المسلحة في عسير ـ بإرسال وفد إلى "ميدي" للاجتماع بالادريسي هناك، فانعقد الاجتماع بين الطرفين في مارس 1933م، وفيه طالب الادريسي بأن تعاد إليه جميع صلاحياته وسلطاته في حكم منطقة عسير فرد عليه الوفد السعودي بأنه لم يأت إلى الاجتماع لمناقشة هذا الموضوع أو التباحث حوله، وإنما أتى بهدف استسلامه أي الادريسي مع جميع أعوانه وانصاره بدون قيد أو شرط سوى شروط الأمان التي أقرها الملك عبد العزيز في بيان العفو العام، ونتيجة لذلك فشل مؤتمر ميدي في حل الخلاف السعودي ـ الادريسي وإنهائه في ذلك الحين.

واستخلاصاً لذلك يمكن القول بأن تطلع الحسن الاريسي للتخلص من معاهدة مكة وتجاوز آثارها ونتائجها الخطرة، كان وراء اندفاعه إلى إعلان الثورة التحررية ضد النفوذ السعودي في منطقة عسير، الأمر الذي أدى إلى قيام الملك عبد العزيز بمحاربته وإخراجه من المنطقة، ومن ثم ضمها إلى الأراضي السعودية بأسلوب همجي غادر، وبطريقة تتنافى كلية مع حقوق اليمن التاريخية في المنطقة.. وتتعارض مع سائر الأعراف والمواثيق الدولية.

[1] د/فتوح عبد المحسن الخترش ـ تاريخ العلاقات السعودية ـ اليمنية الكويت ـ منشورات ذات السلاسل 1983 ص95.

[2] د/ فتوح عبد المحسن الخترش ـ المصدر السابق ص 97.

[3] جبران شامية ـ آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ـ لندن ـ رياض الريس ومشاركوه المحدودة "بدون تاريخ النشر" ص155.

[4] د/سيد مصطفى سالم ـ تكوين اليمن الحديث ـ اليمن والإمام يحيى 1904م ـ 1948 ـ القاهرة مكتبة مدبولي ـ الطبعة الثالثة 1984 ص364.

[5] د/عصام ضياء الدين ـ المصدر السابق ص 213.

[6] أحمد حسين شرف الدين ـ اليمن عبر التاريخ ـ القاهرة ـ مطبعة السنة المحمدية 1963 ـ ص213.

[7] د/فتوح عب المحس الخترش ـ المصدر السابق ص98.

[8] أحمد حسين شرف الدين ـ المصدر السابق 283.

[9] د/ سيد مصطفى سالم ـ المصدر السابق ص 265.

[10] د/عبد الله مسعود القباع ـ المصدر السابق ص 245.

[11] د/فتوح عبد المحسن الخترش ـ المصدر السابق ص 103.

[12] د/سيد مصطفى سالم ـ المصدر السابق ص 365.

[13] أحمد حسين شرف الدين ـ المصدر السابق ص 283.

[14] د/سيد مصطفى سالم ـ المصدر السابق ص 265.

[15] د/ محمود كامل المحامي ـ اليمن شماله وجنوبه ـ بيروت ـ دار بيروت للطباعة والنشر 1968 ص 270.

[16] أمين سعيد ـ اليمن تاريخه السياسي منذ استقلاله في القرن الثالث الهجري القاهرة ـ دار احيار الكتب العربية 1959 ص85.

[17] د/ صلاح العقاد ـ المشرق العربي المعاصر ـ القاهرة ـ مكتبة الانجلو المصرية 1988 ص525.

[18] أحمد حسين تشرف الدين ـ المصدر السابق 284.

[19] د/ سيد مصطفى سالم ـ المصدر السابق ص 265.

[20] د/ فتوح عبد المحسن الخترش ـ المصدر السابق ص 109.

[21] د/ عصام ضياء الدين ـ المصدر السابق ص 235.

[22] د/أحمد العطار ـ القانون الدولي العام ـ بيروت شركة الفجر للطباعة والنشر 1969 ص239.

[23] د/ صلاح العقاد ـ المصدر السابق ص525.

[24] سلطان ناجي ـ التاريخ العسكري اليمن 1839 ـ 1967، بيروت دار العودة ـ الطبعة الثانية 1985، ص 85.


هل حقاً يحرص آل سعود على استقرار ووحدة اليمن



هل حقاً يحرص آل سعود على استقرار ووحدة اليمن وهم يقدّمون دعماً لا محدود في المعارك الدائرة بين الجماعة الحوثية والجيش اليمني؟ ولماذا هذا الاستبسال السعودي في الدخول على خط المواجهات دونما حسابات للسريّة وكسر القاعدة المثيرة للسخرية (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول)؟ هل تعيش العائلة المالكة في السعودية وضعاً حالكاً يدفع بها الى الانغماس في الشأن اليمني بطريقة سافرة، وكأن هناك مخاوف من زوال واقع بنته ودعمته لعقود طويلة؟.

كل تلك الاسئلة باتت اليوم مشروعة، فآل سعود يشعرون بأن اليمن الذي كان يوصي عبد العزيز أبنائه بأن يحظى باهتمام خاص، لأن خيرهم وشرهم منه، على موعد مع وقائع ميدانية تبعث على القلق..وليست الشرور الصادرة من اليمن بفعل يمني محض، بل هي نتيجة سياسات وممارسات سعودية مع أطراف يمنية في السلطة أنتجت ظواهر راديكالية داخلية وحتى عابرة للحدود..

يدرك اليمنيون تماماً بأن السياسات التي انتهجتها السعودية في اليمن هي المسؤولة المباشرة عن إجهاض مسيرته، وتهديد وحدته، وتصديع بنى استقراره. لم تضع معاهدة الطائف بعد حرب بين البلدين العام 1934 نهاية لتدخل سعودي في الشؤون الداخلية لليمن، فقد كان تفاوت الثراء بين البلدين محرّضاً لآل سعود على اعتبار اليمن حديقة خلفية يبدّلون ويعدّلون فيها ما يشاؤون. شاركت قواتهم في قمع انتفاضتي 1948 و1955، وبفعل دورها الفتنوي بعد حوادث سبتمبر 1962 سقط آلاف الضحايا في ما عرف بـ (حرب السبعين يوماً). وكانت العائلة المالكة تقرر من يبقى في السلطة ومن يخرج منها، بحسب القرب والبعد منها.

وحده اليمن الذي لديه حاكم ظل من العائلة المالكة في السعودية، ممثلاً في الأمير سلطان، العليل، والذي يدير من وراء كرسي الرئيس علي عبد الله صالح السياسات في الدولة اليمنية. ولأن السعودية تعرف درجة شهية حلفائها، فقد قبلت تحقيق رغبات الشهيّة طالما أن ذلك يجعلهم مجرد منفّذين لأوامر آل سعود.

ما يجري اليوم من تدخّل شبه سافر للسعودية في النزاع الداخلي في اليمن يأتي مدفوعاً برغبة الابقاء على مستوى النفوذ السعودي على حاله، كيما يسمح له بفرض شروطه في المعادلة السياسية اليمنية. كانت السعودية تؤمر فتطاع داخل الحكومة اليمنية، ولا تجد العائلة المالكة غضاضة في أن تطلب بعزل هذا المسؤول وتنصيب ذاك، وقد مارست ضغوطاً على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيات واستبدالهم بأميركيين، وحين رفضت نظّمت سلسلة محاولات انقلابية بالتواطؤ مع شيوخ محليين..الأخطر في الأمر كله أنها تقرر متى تتوحّد اليمن ومتى تنقسم، ولطالما بذلت جهوداً لمنع الوحدة بين شطري اليمن، ولم تدعمها إلا لأن الوحدة ستأتي في صالحها، لأن الجنوب كان سيخرج من المعسكر الشرقي وسيقع في المعسكر الأميركي.

كانت تستفرد باليمن، لاعتقادها بأنه شبه مستعمرة سعودية، وتتم إدارته عبر المندوب السامي السعودي (الأمير سلطان)، ولذلك فإن ملف تدخلاتها العسكرية والسلمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولضخامته الفارطة، أصبح يمنياً بامتياز، بمعنى التطابق بين الداخل والخارج في معادلة الحكم اليمني، فكل ما تقوم به السعودية من تدخلات صغرى وكبرى، تبدأ بدعم مرشحين للبرلمان اليمني، وتنتهي الى تغيير الرئيس الحاكم بانقلاب عسكري، ومروراً بالمصادمات الحدودية والنزاعات الاهلية والاغتيالات..

لا ترى في السيادة اليمنية حاجزاً أمام تدخلاتها، بل ترى في المجال الجوي والحدود البرية والبحرية مجرد مسارح مفتوحة أمامها للقيام بكل نشاطات تخدم مصالحها. لا نستغرب على الإطلاق ما قيل عن مشاركة طائرات حربية سعودية في معارك الجيش اليمني ضد الجماعات الحوثية، لأسباباب عديدة من بينها أنها ليست أول مرة تشارك السعودية بطائراتها الحربية في الشؤون الداخلية اليمنية، فقد قامت بذلك في الثمانينات والتسعينيات. ونقلت مصادر أوروبية أن الملك فهد أعطى أوامره الى طائرات حربية سعودية في الحرب بين شطري اليمن في التسعينيات، وبلغ الخبر للأميركيين فاتصلوا على الفور بالحكومة السعودية وطالبوها بإرجاع الطائرات أو سيتم اسقاطها بصواريخ أو طائرات أميركية.
الحرب اليمنية: ابحث عن السعودية

في دواخل اليمنيين كره شديد للسعودية، وعلى مستوى النظام بوجه خاص، ففي المجالس الخاصة يتحدّث المقرّبون من الرئيس علي صالح عن السعودية بطريقة ساخرة، وإن كانوا يتلفّتون حولهم، خشية أن يكون جهازاً للتنصّت قد وضع في مكان ما أو أن جهاز استشعار عن بعد قد التقط كلماتهم. في الشارع اليمني ليس هناك من يحمل مشاعر ود للعائلة المالكة، ويصف أحدهم السعودية بأنها (بطل لا يجيد الا قهر ذويه، فيما أمام العدو ذليلاً لا يستطيع أن يصنع شيئاً، بل يستسلم له) تأسيساً على المواقف السعودية من العدوان الاسرائيلي على غزة، وكذلك موقف قناة (العربية) التي يقول عنها (تحولت الى قناة للعدو الاسرائلي تبرر جرائمه وأفعاله..).

بالنسبة لليمني المسؤول والمستفيد، فإن قيمة السعودية بقيمة المال الذي تدفعه، وليس هناك ما يجعلها متميّزة عن غيرها من الدول لا دينياً ولا ثقافياً ولا حضارياً، فقد أضفى النفط الأسود والحرمين الشريفين معنى خاصاً على السعودية، ولولاهما لكانت مجرد دولة نجدية تستجدي المساعدات من الدول المجاورة والمؤسسات الدولية، ولكانت أقل شأناً من كل دول الجوار..ولما استطاعت أن تمدّ ذراعها تارة يميناً وأخرى شمالاً.

في إشارة لافتة الى التدخل السعودي المباشر، وفي الوقت نفسه خضوع القيادة اليمنية للإملاءات السعودية، جرت في الثاني من سبتمبر الجاري جلسة مباحثات يمنية سعودية أردنية بمدينة أغادير المغربية، حيث يمضّي ولي العهد السعودي الأمير سلطان رحلة الاستجمام المفتوحة. وبعيداً عن الكليشيهات المقرفة (الاطمئنان على الصحة والتنويه بالعلاقات الاخوية بين البلدين الشقيقة)، فإن الجلسة كانت مخصّصة لمناقشة سبل الخروج من الأزمة الداخلية على خلفية المعارك الدائرة بين الحوثيين والقوات النظامية. الجلسة التي حضرها من الجانب اليمني رئيس مجلس النواب يحي الراعي ووزير الخارجية أبو بكر القربي ومن الجانب السعودي الأمير سلمان وعدد آخر من الأمراء، إضافة الى الملك الأردني الذي جاء للاطمئنان على صحة سلطان، بعد أنباء عن تدهوّرها بشكل دراماتيكي، تم تخصيصها لزيادة الدعم السعودي المالي على أن تشارك كتائب من الحرس الأردني بتمويل سعودي في المعارك إن تطلب الأمر.

كان الطلب السعودي للأميركيين بالتدخل في الملف اليمني، والذي جاء متأخراً دليلاً على أن الأمور باتت على وشك خروجها من السيطرة، في ظل إتهامات يمنية بتدخل أطراف إيرانية لصالح الحوثيين. كان التخبّط واضحاً في تصريحات الرئيس اليمني، الذي صار يوزّع الاتهامات يميناً وشمالاً، فمرة إتهم ايران الدولة، ثم تراجع وقال مرجعيات دينية هي التي تدعم الحوثييين، ثم لما اقترح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الوساطة، وجّه الرئيس صالح إليه الاتهام، وقال بأن اقتراحه للوساطة دليل على تورّطه (نتمنى أن لا تكون القيادة القطرية قد سمعت مثل هذا التصريح كيما لا تتهم هي الأخرى بالتدخل حين رعت الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين).

فيما يبدو، أن جلسة أغادير بين الرئيس اليمني وولي العهد السعودي قد أسفرت عن حلول حاسمة، خصوصاً بعد أن كشفت الجماعات الحوثية عن تورّط سعودي مباشر في الأحداث عن طريق عمليات التسليح المستمرة..وتنقل مصادر يمنية بأن الجماعات السلفية المسلّحة التي حاولت التدخل لصالح الحكومة اليمنية تكبّدت خسائر فادحة على يد المقاتلين الحوثيين ما دفع بأفراد الجماعات تلك للانسحاب من المعركة على وجه السرعة، بذريعة أنها ليست معركتهم..ما تخشاه السعودية أن تؤدي المعارك الدائرة الى إضعاف قدرة القوات الأمنية اليمنية على ضبط الحدود، الأمر الذي يفتح الباب أمام تسلل مجموعات قتالية من القاعدة الى الداخل وإعادة موجة العنف التي جرت سنة 2003 ـ 2004 ولكن بوتيرة أكثر تنظيماً وذكاءً.

بعد يومين من اللقاء الثلاثي، قررت الحكومة اليمنية في 4 سبتمبر تعليق العمليات في شمال اليمن ضد الجماعات الحوثية، لإيصال المساعدات والمؤن الغذائية للمتضررين، وحتى لا يفهم من القرار على أنه تنازل، أو إشارة انكسار، أعلن في نفس اليوم عن قتل ثلاثة من قادة الجماعة. في الجانب الآخر، عرض الحوثيون قذائف مورتر عليها شعارات السعودية حصلوا عليها بعد سيطرتهم على وحدة تابعة للجيش اليمني، إضافة الى جنود أسروا في منطقة ماران، وفي أخرى لقطات لجنود يستسلمون ودبابة تحترق. وقال بيان صادر عن الجماعة في 3 سبتمبر (إنهم يضعون أمام أعين الجميع حقيقة الدعم السعودي المباشر الذي تحدثوا عنه من قبل وان النظام اليمني تخلى عن سيادته وسلم البلاد الى مصالح أجنبية).

قد يكون القلق السعودي من تسرّب العنف من الحدود الجنوبية هو ما دفع مستشار أوباما جون بيرنن لمكافحة الإرهاب لزيارة السعودية واليمن في 7 سبتمبر الجاري. في الزيارة الأولى التقى بيرنن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وسلّمه رسالة من نظيره الأميركي يؤكّد فيها (وقوف الولايات المتحدة الى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره). وأضافت الرسالة (أن أمن اليمن أمر حيوي لأمن الولايات المتحدة والمنطقة) الخليجية الغنية بالنفط.

لاشك أن لمثل تلك تصريحات دلائل هامة، فهي تشير إلى موقف استراتيجي ثابت، إلى جانب الدعم المطلوب للنظام اليمني القائم. السعودية كانت المحطة الثانية في جولة بيرنن، حيث استقبله الملك عبد الله في قصره بجده وتناقشا في الخيارات المطروحة للتصدي لتداعيات ما يجري على الساحة اليمنية ومنع تسلل عناصر القاعدة الى الداخل. ونقلت مصادر يمنية بأن السعودية عرضت أدلة وصفت بأنها موجّهة لتصعيد الموقف الأميركي ضد ايران، وقالت المصادر بأن الأدلة تدور حول تقديم الأخيرة أسلحة وتجهيزات للجماعات الحوثية في حربها ضد الجيش اليمني.

الموقف الأميركي في المحطتين (صنعاء وجدّة) كان دون ريب محثوثاً بمخاوف سعودية، فانفراط الاوضاع الأمنية والسياسية في اليمن يعني انفتاح أبواب جهنم من الجنوب. كل المنافذ بالنسبة للدولة المرتابة تعتبر أبواب محتملة للجحيم، ولذلك تتعامل مع كل جيرانها خصوماً محتملين، ولا تكاد تخرج من دورة شك مع جار لها حتى تبدأ دورة أخرى، كذا كان الأمر مع عمان، والامارات وقطر والبحرين والكويت والعراق بل حتى اليمن التي تعتبرها محمية سعودية تحتفظ الشركات المسؤولة عن ترسيم الحدود بين البلدين بملفات حافلة بالاعتراضات والتحفّظات والاختراقات السعودية.

كانت السعودية تعتقد بأن ضربات عسكرية متواصلة، كالتي فعلتها القوات الاسرائيلية في لبنان وفلسطين، ستحسم المواجهات مع الجماعات الحوثية. ولكن فوجئت السعودية، كما فوجيء الاسرائيليون في جبهتي لبنان وفلسطين ـ غزة، بأن الحروب الخاطفة باتت في ذمة التاريخ العسكري في العالم، فقد أفاقت القيادتان اليمنية والسعودية على حقائق مريعة فقد تبيّن أن مقاتلي الجماعة الحوثية ليسوا أفراداً عاديين، بل هم عناصر في الجيش، والقوات الأمنية، ومتدرّبون في معسكرات نظامية، ويديرون معاركهم بكل اقتدار، وهو ما قلب موازين الجبهات بصورة دراماتيكية، فالقوات النظامية تقاتل من أجل الرئيس بينما تقاتل الجماعات الحوثية من أجل قضية تراها عادلة، وهي الحقوق العامة.

لا شك أن للسعودية مخاوف جديّة، ليس فحسب من جانب القاعدة، ولا انبعاث الحركة الشعبية في الشطر الجنوبي والمطالبة بإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الوحدة بسبب استئثار القيادة الشمالية بكل امتيازات الحكم والدولة، ولكن أيضاً لأن المعارك بين الحوثيين والقوات اليمنية تدور على تخوم الحدود السعودية، أعني محافظة صعدة التي تشكل مسرباً استراتيجياً لمن أراد النفوذ الى داخل السعودية.

ولأن صعدة تعتبر المعقل الأكبر دينياً واجتماعياً واستراتيجياً للشيعة الزيدية في اليمن، فإن الاضطرابات الواقعة فيها، دع عنك تفوّق الجماعات الحوثية والسيطرة عليها يمدّد خطرها الى داخل الأراضي السعودية، وهناك سكان في جنوبها يتقاسمون مع الحوثيين الانتماء المذهبي والاجتماعي.