الطموحات اللامحدودة وأثرها على الزواج
في غفلة عن الحسابات الواقعية للزواج وتأثير البعض
وإيحائهم أحياناً تنطلق في نفس الرجل أو المرأة طموحات لا حد لها، إذ يتصور أحدهما
أن سيحقق في ظل الزواج جميع طموحاته دون حساب، وأن الحياة ستكون مفروشة بالرياحين
غافلاً عن أن الدنيا لها حسابها الذي يختلف عن حساباته.
هناك بعض الطموحات المعقولة والمحسوبة، وهذه مسألة
منطقية لا يعترض عليها أحد، لكن هناك من الطموحات ما لا يمكن أبداً تحققه على أرض
الواقع وإذن فينبغي الكف عنها.
الطموحات اللامعقولة
لا يمكن استقراء جميع الطموحات الخيالية، وسيكون عدّها
مسألة في غاية الصعوبة، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى أهمها كظاهرة عامة.
1- الملائكية:
ربما تثير هذه المسألة الضحك عندما يطمع الرجل أو المرأة
وخاصة في أوساط الشباب أن يكون الزوج ملاكاً بعيداً عن كل أشكال الخطأ، ولهذا فهو
معرض للحساب واللوم دائماً.
إن تصور الزوج أو الزوجة ملاكاً قادماً من السماء لأمر
غير منطقي تماماً. نحن نعيش في عالم البشر لا في عالم الملائكة، ومن يعيش في هذا
العالم لا بد أن يخطىء أو يصيب. الإنسان مزيج من صفات متعددة، ومن أجل خصاله
الطبيعية ينبغي أن نغفر له أخطاءه أو نغض الطرف عنها.
2- المستوى العلمي:
وهذه ظاهرة نشاهدها لدى الكثير، حيث نجد فرقاً بين
المستوى العلمي للرجل والمرأة، وربما ظن بعضهم أن الحياة فصل من فصول المدرسة يجلس
فيه الزوجان للبحث والمناقشة والجدل، وقد يتصور أحدهما أن السعادة تكمن في ظلال
شهادة الدبلوم أو الدكتوراه. وفي هذه الحالة كان من الواجب على أولئك أن يفكروا في
ذلك من قبل، أو أن يهيئ أحد الطرفين الظروف المناسبة لتقدم زوجه في هذا المضمار.
3- النظام الدقيق جداً:
نشاهد لدى البعض من الأزواج نوعاً من الوسواس- إذا صح
التعبير- في النظام، وإصرارهم على أن يكون كل شيء في مكانه، ولذا قد ينشب النزاع
حول بعض التفاصيل اليومية كعدم وجود القلم- مثلاً- فوق المنضدة وهلمّ جرا.
صحيح أن الحياة تحتاج إلى قدر من النظام والبرمجة، غير
أن هناك فرقاً بين الأسرة ومعسكرات الجيش.
4- الاستسلام الكامل:
ينظر البعض ومع الأسف إلى أزواجهم على أنهم عبيد وأرقاء،
وعليه فإنهم مطالبون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر دون نقاش، وهذه النظرة بالطبع
تفتقد إلى الحس الإنساني ولا ينبغي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا تمكن من تحقيق
ذلك. ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها الزوج إذا حوّل زوجته إلى مجرد جارية وما هو
النفع الذي تجنيه الزوجة إذا تحول زوجها إلى عبد ؟ أليس هذا نسفاً لمعنى الحياة ؟!.
5- التشديد في السيطرة
إن معاني الحياة تمكن في الحرية، وبالرغم من طموح
الإنسان لأن يعيش حراً فإنه يعمد إلى محاولة استعباد الآخرين كما يفعل ذلك بعض
الأفراد بعد زواجهم، إذ يحاولون، وبإصرار، مراقبة كل شيء بدقة ضباط التحقيق، حيث
البيت الزوجي في نظرهم منزل زاخر بالأسرار التي ينبغي الكشف عنها. إن مثل هذه
الرؤية المشوّهة لا بد وأن تقود إلى الاصطدام والتنازع.
6- الإغراق في الاحترام
الاحترام المتبادل بين الزوجين مطلوب ولا يحتاج إلى
نقاش، ولكن لكل شيء حدوده الطبيعية، فإذا تعدّاها فقد معناه وفائدته، كما أن
الحياة الزوجية حياة تنبض بالعفوية والمحبة ولا تتناسب مع الرسميات والتشريفات
التي يمكن تحملها ساعة أو ساعتين، أما الحياة المشتركة التي تمتد بامتداد العمر
وتتسع لتشمل الحياة كلها فلا تنسجم مع الرسميات التي تتناقض مع الحب والعلاقة
الحميمة المشتركة.
7- العمل والسعي الفائقان
هناك بعض النسوة اللائي ما أن يصل أزواجهن من العمل حتى
يجرجرنهم إلى عمل آخر. فمثلاً تلقي المرأة طفلها الرضيع في أحضانه للقيام على
راحته وشؤونه، غافلة عن أن زوجها قد وصل تواً من عمل مرهق، وأنه يحتاج إلى قدر من
الراحة.
أو نشاهد بعض الأزواج ما أن يضعوا أقدامهم في البيت حتى
يطلبوا من نسائهم توفير جميع وسائل الراحة غافلين عن هذه الحقيقة وهي أن الزوجة
كانت تعمل منذ الصباح في إدارة المنزل ورعاية الصغار.
8- وأخيراً
فإن هناك بعض الأفراد الذين يتمنون نوعاً من السعادة قد
رسموها في أذهانهم ويطلبون من الآخرين ممن يشاركونهم حياتهم أن يكونوا لهم خدم. في
ذلك، فهم ينشدون حياة تطفح بالنجاح الكامل والدائم بناءً على نظرياتهم الخاصة،
وعندما يحدث قصور في ذلك فإنهم يحمّلون الآخرين مسؤولية الفشل في ذلك، ومن ثم تبدأ
حياة النزاع.
منشأ الطموحات
وللسؤال عن منشأ هذه الطموحات الخيالية التي تجر الحياة
الزوجية إلى أتون النزاع والخلاف، هناك أسباب عديدة تشكل بمجموعها الإجابة عن هذا
التساؤل.
1- الأنانية
ما أكثر الأفراد الذين، وبسبب تربيتهم الخاطئة حيث
ينشأون على الدلال، تترسخ في نفوسهم نزعة السيطرة اعتقاداً منهم بأنهم في مكانة
رفيعة تؤهلهم لفرض رأيهم على الغير، ولذا فهم يمتازون بالعناد والغرور حتى في
مقابل الحق. وهذا التوجه في فرض آرائهم على الطرف الآخر يقود إلى النزاع بلا شك،
ذلك أن الآخرين ليسوا على استعداد للتنازل والاستسلام لرغباته.
2- الوعود القديمة:
ربما نشاهد بعض الأزواج من الشباب في حالة من النزاع
والخلاف الدائمين، دون أن نجد سبباً واضحاً لذلك سوى الوعود القديمة التي ظهر
زيفها وبطلانها فيما بعد. فالوعود التي بنيت عليها الآمال العراض تنتهي إلى لا
شيء، والينبوع العذب لم يكن سوى سراب بعيد. وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نتوقع
سكوت الطرف المعنيّ أو أن ننتظر أن يغض طرفه عن ذلك، وهكذا يتفجر النزاع.
3- التحريض:
نشاهد في بعض الأحيان نساءً يعرن آذاناً صاغية لبعض
الأفراد الماكرين ويتأثّرن بأحاديثهم المعسولة التي تحوي في داخلها السم الزعاف،
وإذا بالزوجة تتغير تجاه شريك حياتها، وإذا بالزوج يتغير تجاه زوجته، كل هذا يحصل
جراء حديث تافه كأن يقول أحدهم للمرأة مثلاً: يا للأسف لحياتك التي تضيع هباءً مع
هذا الرجل وكان من الأجدر بك أن تعيشي مع رجل له كذا وكذا ومعه كذا وكذا وغير ذلك
مما يترك آثاره السلبية لدى المرأة وبالتالي يظهر الفتور في حياة الزوجين
وعلاقاتهما.
4- الطموح والاختبار:
نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار
ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها
له، وفي هذه الحالة فإن عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في
الصميم وبالتالي يعرض مصير الأسرة للخطر. وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف
الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته.
5- الإرهاق الناشئ عن العمل:
تنشأ بعض الإختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأن شريكه لا
يقدر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش فهو يشعر على الأقل
بأنه وحيد دون سند أو حتى تشجيع، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة
والعقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد كفرصة للانتقام.
6- عدم التحمل:
حيث يوجد الكثير من الأفراد، بسبب التربية الخاطئة، لا
طاقة لهم على التحمل والصبر، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف
الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته، وهو أمر لا يمكن توفره دائماً لدى
الطرف الآخر، أو ربما يتوفر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم، وفي هذه الحالة يثور
الطرف المدلّل مطالباً بحقه.
7- عدم تفهم الطرفين بعضهما:
وأخيراً فإن أحد بواعث النزاع الذي يعصف بالحياة الزوجية
هو غياب التفاهم وعدم إدراك الزوجين بعضهما البعض. وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء
الاختلاف الكبير في العمر أو المستوى الثقافي، الأمر الذي يضع كلاً منهما في واد
بعيد عن الآخر، فهذا ينشد السفر والمرح وذاك ينشد التحقيق والبحث. وهذا « التناقض
»- إذا صح التعبير- سيدقّ اسفينه في الحياة الزوجية.
وفي هذه العجالة يمكن إضافة بواعث أخرى لدى الطرفين،
كوجود حالة من الطفولة، الخوف من الحياة، الهروب من المسؤولية الممارسات الفظّة..
الخ.
عوامل تضاعف من حالات الطموح
ما أكثر العوامل التي تنفخ في بالون الطموح وتبعده عن
أرض الواقع، فمثلاً التطلع إلى حياة الآخرين خاصة أولئك الذين يعيشون في بحبوحة من
العيش، إضافة إلى ما تشيعه بعض أجهزة الإعلام بمختلف وسائل التعبير من ثقافة
منحرفة، عن دنيا الخيال وعالم العناد الذي يبعد الإنسان ويجعله يعيش في دوامة من
الخيال التي تحرفه عن الطريق.
بحث في الطموحات
إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه
أحد، بل ان الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها، ولكن الحديث هنا عن
حدود الطموح ومدى منطقيته، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها
آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار.
أن تطمح المرأة مثلاً لأن يجسد زوجها دور العاشق دائماً
أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام، إن مثل هذه
الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج.
صحيح أن الزوجين بحاجة إلى قدر من الأمومة والأبوة في
التعامل، شرط أن لا تتعدى الحدود المعقولة.
ضرورة كبح جماح الرغبات
تحتاج الحياة الزوجية إلى قدر من القناعة وضبط النفس
أمام الكثير من الرغبات التي لا يمكن تحقيقها، وهذه الحالة مطلوبة من المرأة في
كثير من الأحيان خاصة إذا كان زوجها محدود الإمكانات، حيث سيساعد ذلك على حل
الكثير من المشكلات وتذليل العديد من العقبات التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية.