شيوخ ومشايخ....$؟
إن أي رجل دين يتدخل بالسياسية من موقعه الديني ومن تحت ظل تاجه الإلهي لم يعد رجل دين, وإنما اصبح سياسي بكل ما للكلمة من معنى, ويحق لنا عندها نقده وضحض اقواله وفضحها, ومحاكمته كما نفعل مع اي سياسي يريد ان يمرر علينا برامجه السياسية التي تصب بمصلحته من دون ان يقنعنا بها!
إن رجل الدين الذي يريد ان يتدخل بالسياسة من داخل دور العبادة, لم يعد رجل دين وانما هو سياسي من النوع الرخيص, واذا كان يحترم دينه ويحترم رعيته فعليه ان يخلع ردائه الكهنوتي او ان يتخلى عن عمامته ولحيته الإلهية, وبعد ذلك ليصبح سياسيا كما يشاء, وإلا ما الفرق بينهم وبين الولي الفقيه؟
يتفانى العلمانيون المخلصون بالدفاع عن الحقوق الأدمية للانسان العربي بشكل عام و للاقليات بشكل خاص, وخاصة الاقلية المسيحية بما يسمى بالوطن العربي, من خلال كتاباتهم ونشاطاتهم, وبسبب هذا النشاط الانساني يتعرض الكثيرون من العلمانيين الى كل انواع الأذى والاضطهاد والترهيب والتشريد والتجويع وفي احيانا كثيرة للقتل, لهم ولاسرهم وابنائهم! فكيف يكافئهم رجال الدين المسيحيون على تفانيهم هذا؟ وكيف يردون لهم الجميل؟
في هذه المقالة, لن نكتب عن تجاربنا الشخصية مع سلبية أخوتي من المسيحيين العرب وعقدة استكهولم لديهم, لأننا سنفعل هذا في بحث مستقل, ولكن سنسرد تجربة اهم مفكرين علمانيين عربيين سنيين والذان دافعا عن حقوق المسيحيين اكثر من اي مسيحي واكثر من اي رجل دين مسيحي بالتاريخ المعاصر, وهما المفكر والفيلسوف المصري سيد القمني والمفكر والفيلسوف السوري نبيل فياض, وسنرى كيف تمت مكافئتهم بالغدر والخساسة ونكران الجميل من قبل رجال الدين المسيحي؟
يقول المفكر نبيل فياض في مقالته بعنوان: القط ولسان قداسته:
" في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وكان كتابي، أم المؤمنين تأكل أولادها, يثير العاصفة إثر العاصفة في الوسط السنّي السوري، والتهديدات تنهال عليّ كالمطر من من كلّ حدب وصوب, وجدت نفسي فجأة في طالع الفضّة، أمام بطريركيّة الروم الأرثوذكس؛ وفجأة أيضاً، وجدت نفسي أمام قداسة البطريرك، أغناطيوس هزيم، الذي لم أكن رأيته مذ زرته مع شخص شيعي من جيرانه في المنطقة، كي أقدّم له كتابي، التلمود البابلي-رسالة عبدة الأوثان! كنت منفعلاً للغاية، خاصّة بعد أن تكرّر هجوم الغوغاء على مكان عملي بتحريض من شيخ وهابي متبعّث, وسكوت الأمن السياسي المريب حيال كلّ ذلك: وكأني مواطن تايلندي! كان طلبي الأوحد لقداسته مكاناً في أحد الأديرة الأرثوذكسيّة أقيم فيه شهراً من الزمان، أريح فيه أعصابي من الوهابيين والأمن السياسي على حدّ سواء. وكان ردّ قداسته أصعب من خساسة الوهابيين وتواطؤ الأمن معاً. وكان الردّ يركّز على نقطتين: إن الروم الأرثوذكس شعب مستضعف في سوريّا، وهم بالتالي بحاجة أكثر مني إلى الحماية، وإنّ الموارنة الذين زرعوني يجب أن يتحمّلوا وحدهم الحصاد المرّ! وعرفت وقتها، للأسف، أنّ المسيحيين السوريين، بسبب جبنهم التقليدي المتوارث، سيرفضون من يأتي لهم بحقوقهم الطبيعيّة، حتى وإن قدّمها لهم على طبق من دم!" انتهى الاقتباس.
ان تصرف البطريرك اغناطيوس هزيم ليس له اي علاقة بتعاليم المسيح لا من قريب او بعيد؟ وانما تصرفه كان تصرف زعيم سياسي يخاف على كرسيه! وحتماَ هذا التصرف خالي من الانسانية والمرؤة والشهامة للانسان العادي فما بالك برجل دين في منصب بطريرك لديه رعية بالملايين؟
نحب ان ننوه هنا بان المفكر نبيل فياض ارتكب خطأَ علمياَ صغيراَ عندما نعت المسيحيين بالجبن التقليدي؟ فلايوجد هناك جبن تقليدي, وانما سمة الخوف تتم اكتسابها بسبب التعرض للقهر من اطراف لا يستطيع مقاومتها او مجابهتها, مثل الاستبداد الذي يمارسه الطغاة ضد شعوبهم, فهم مع الزمن يصابون بمرض مزمن تم تعريفه طبيا: بعقدة استكهولم.
يعبر المفكر المصري سيد القمني في مقاله الأخير بعنوان: قبل الفزع الاكبر, عن مرارته التي اصيب بها من زعماء الكنيسة القبطية وبابا الاقباط شنودة, حيث ان القمني قام بالكثير من الابحاث العلمية الهامة والتي تبين عدم شرعية المادة الثانية بالدستور المصري والتي تقنن استعباد الاقباط من قبل المسلمين ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية, ولقد تعرض لهذا السبب لكل انواع التخوين, وتم ترهيبه وتهديده بالقتل, ولقد عانت معه ايضا اسرته وابناءه, وفي نهاية الامر يقول زعماء الكنيسة القبطية بانهم لا يمانعون من وجود هذه المادة العنصرية بدستورهم؟
يقول القمني بمقاله انف الذكر:"
مصيبتى تتضاعف مع الكنيسة بعد طول عراك بينى وبين الإسلاميين على وجود هذة المادة ، بعدها بزمن طويل بدأت الكنيسة فصرح بعض رجالها في آخر سنوات حكم مبارك على إستيحاء بضرورة إعادة النظر فى هذة المادة ، مستنداً إلى ما قدمة شخصى المتواضع بهذا الشأن ( دون ذكري بالطبع فهم يصفقون لي عن بعد لكنهم لايتحملون تبعات الاقتراب مني ولو كمرجع للفكرة والمعلومة لأني منطقة حرام ؟ ). وتقلبت الأيام وجاءت بما لم يكن بالحسبان ، فجأة جاء الغضب وثورته المجيدة ، ويالانكسار الروح عندما انتهز الإسلاميون الفرصة ليسرقوا ثوار الغضب مجدهم ومستقبلهم ، فما كان من كنيستنا الغراء إلا الإعلان عن مبايعتها وتأييدها لبقاء الماده المصيبة كعربون لحلف مع النظام الإسلامي القادم .
ويا لهول السقوط والتردي أمام أى بوادر تستدعي الرعب التاريخي الكامن ، الذى يحيل الثورة إلى انكسار وتراجع ذليل ، مع إعلان الكنيسه إن هذة المادة ستضمن تطبيق الشريعه الإسلامية للمسلمين ، وفى ذلك صالح الاقباط ، لأنهم بدورهم ستكون مرجعيتهم التشريعية هى الكنيسة بين بعضهم البعض ، يعنى كل واحد يبقى مع نفسه وكل وحده ومصيبته على قده ، وهو ما استقبله الإسلاميون أحسن استقبال فهشوا له وبشوا و أعطوا الموافقة على تسيلم المسيحيين للكنيسة مقابل أستلامهم للمسلمين.
ولا يطيب لى أبداً ، ولا يسعدنى ، بل يشعرنى بالقرف ، أن يعيش سيد القمنى عمره كله كعلمانى صادق مع مبادئة ، يحارب من أجل حقوق المواطنة الكاملة من حرية ومساواة وحقوق مدنية وسياسية للأقباط ، فيكون رد كنيستنا الوطنية للجميل أن تطلب له و لزملائة ولأهلة المسلمين العبودية والذل الكاملين. مع التضحية تماما بمصر وبالوطن وبأى أمل فى تقدم وتحضر كان مأمولاَ. رضى لنا أهلنا الأقباط الهوان وطلبوه لنا مكافأة على عمر طويل من العطاء غير المسبوق وغير المنكور ، لنعيش تحت قهر فقهاء الشريعة مقابل حصول الأقباط على العيش تحت قهر الكنيسة ويفوز كل بغنيمتة ، ويظل شعبنا فريسة الكاهن والشيخ بأسوأ مما كان قبل يناير الغضب. إن بنيامين قد عاد متحالفاً مع عمرو الفاتح ليفوز كل بنصيبه من العبيد ، فيفوز ابن العاص بكرسى الحكم ويفوز ابن بنيامين بكرسى الكرازة. كلكم سادتى المعمين المقفطنين الملحتين الملتحفين السواد أو البياض كهنة أو مشايخ مسلمين ، كلكم أزهراً أو كنيسة وإرهاباً ، كاكم داخل نفس الجبه الطائفية القاسية ، الناس فى قواميسكم هم عبيد يؤدون لله حقوقه (يعنى إليكم) ، أما هم فغير موجودين في البال ولا في الخاطر ، وليس لهم أى حقوق.
كنيستنا العزيزة الغالية غلاوة الوطن ، أصمتى عن الشأن السياسى ولا تكررى بيع عيال الله خشية أن يشارك الكنيسة فى ولائهم أى ولاء آخر ، حتى لو كان الوطن ، لا تفسدى علينا يا كنيستنا المكرمة ما بذرناه عبر عمر من العذاب ، أو كان العذاب قطعة منه ، نحرث ونبذر ونروى ونكنس ونمسح وننظف ونطهر جروح متقيحة فى العقل والروح والبدن ، سكبنا فيها رحيق العمر وعصارة الأيام وخبرتها ، فى زمن كنت فية يا كنيسة كامدة من طول الصمت حتى البكم ، وكنا نحن من يقول بعلو الصوت الجهير ، وكنا نحن دونكم من يتلقى الصعقات واسوأ النتائج والعقوبات المجتمعية ، بل ومن زملاء لى ليبراليين يتاجرون أحياناَ. تحملت وحدى ساعات رهيبة مفزعة إن تأخرت طفلتى فى العودة من مدرستها ، أو يكون ابنى فى سيارتى التى أغرقوها فى النيل أمام بيتى ، ولكن هناك فرق بين من يدير خدة للطم ، وبين من يرفض أى جرح لكرامتة الإنسانية ولو بالقول. وهو القول الطويل العريض الذى لم يترك فى قائمة اتهاماتة وتشهيرة بالكذب الشيطانى شيئاً بشعاً لم ينسبه إلى شخصى الضعيف فى تدمير منظم وحرق للكاتب وتخوينة وإقصاءه من مجتمعة ، فى عمليات تشهير وتجريس لم تحدث لكاتب غيرى ، فهى غير مسبوقة وربما غير ملحوقة.
كفوا عنا أذاكم سادتى كهنة الكنيسة وأنشغلوا بالعبادة وتطهير النفوس ، وأتركوا لنا شئون لا تفهمونها ، لقد سبق لنا ولا زلنا وسنظل ما دام العمر ، فى عراكنا من أجل حصول كل المصريين من أى دين أو عنصر على كامل حقوقهم فى المواطنة والمساواة أمام قانون واحد. عراك بدأناه فى زمن كنتم فية جثة بكماء مصابة بالشلل الرباعى ، ولا تستطيع أن تكسر صمتها بصرخة. إن المسيحى يستحق حظوظاًمثل حظوظ المسيحيين فى بلاد الحريات ، لأنه ليس أقل من الذين حصلوا على عتقهم من الكنيسة ، وعادت العلاقة بينهم علاقة صداقة ومحبة وأختيار حر بلا قهر بحرفية النص ، وهى لاشك الخطوة الأرقى من علاقة السيد والعبد ، هى الأنتقال من سلطان الشريعة والحرف النصى إلى علاقة المحبة التى تتساوى فيها كل الرؤوس ولا تنحنى فية رأس الأنسان لأى من كان ، المسيح قد أكد أن الحرف يقتل وليس أنا من قال." انتهى الاقتباس.
طبعا, موافقة رجال الكنيسة القبطية على بقاء المادة الثانية من الدستور التي تجعل الاقباط مواطنين من الدرجة الثانية هو موقف سياسي اقتضته مصلحة رجال الكنيسة السياسية وهذا الموقف لا علاقة له بتعاليم المسيح لا من قريب او بعيد.
نحن لا نطالب رجال الدين بأن يقفوا بجانب النضال السياسي للعلمانيين من اجل الحقوق الآدمية لاخوتنا من اقلية ومن اكثرية ولكن على الاقل يجب عليهم ان يصمتوا ولا يقفوا بالخندق المعادي لحقوق الناس!
نحن لا نعتبر بشارة الراعي بطريرك الموارنة, و أغناطيوس هزيم بطريرك الروم الارثوذكس, و بابا الاقباط شنودة, و حسن نصرالله ولي فقيه الشيعة بلبنان, والشيخ يوسف القرضاوي, وشيخ الازهر, وأعضاء جماعة الاخوان المسلمين, برجال دين بررة, وانما نعتبرهم سياسيون ويستخدمون الدين من اجل مصالحهم السياسية وبذلك لا يوجد هناك اي فرق بينهم وبين القذافي ومبارك وصالح وبشار والولي الفقيه.
وفي الختام نحن نؤكد على ما اكدناه بمقالاتنا السابقة بأننا لا نطالب باصلاح الكنائس المسيحية, وانما نطالب باصلاح دين الاكثرية وهو الاسلام, لانه بعد اصلاح دين الاكثرية فان اصلاح دين الاقلية يكون تحصيل حاصل.
راجعوا مقالاتنا: التسعيرة.. ويا بلاش, ومقالنا:مسيحيو سوريا وخرافة وضعهم المستقر, ومقالنا: قس وعلماني (معضلة الكنائس العربية), ومقالنا: مخاوف الاقليات ومعالجتها.