سيختفي الفقر لو دفعت زكاة الركاز
الزكاة هي إحدى العبادات الأربع في الإسلام الى جانب
الصلاة والصيام والحج ، وهي إحدى الركائز الخمس التي بني عليها الإسلام كما علمنا
الحديث الشريف ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاء وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) .
وتمتاز الزكاة بأنها عبادة
اقتصادية محضة ، فرضت لمحاربة الفقر في المجتمع الإسلامي ، وقد حددت بـ 2.5 % (
ربع العشر ) للذهب والفضة والنقد ، وبـ 10 % ( العشر ) للزروع والثمار التي تسقى
بماء المطر ، وبـ 5 % ( نصف العشر ) للزروع والثمار التي ينفق صاحبها على سقيها ،
وبـ 20% ( الخمس ) لما يستخرج من كنوز الأرض ، وهذه الأخيرة سميت ( زكاة الركاز ) .
وزكاة الركاز هذه تشمل ما
يستخرج من الأرض من معادن أو فحم أو بترول أو أية مواد أخرى ذات قيمة اقتصادية .
والملاحظ أن هذه الثروات
الطبيعية التي تزخر بها أراضي الدول الإسلامية قد تم غض الطرف عن إخراج زكاتها ،
مع أنها كفيلة - إن تم إخراجها - بنفي الفقر عن العالم الإسلامي أجمع . ومع أنني
لست متخصصاً في الاقتصاد ، فقد تختلف الأرقام التي أطرحها عن الأرقام الدقيقة
الصحيحة ، ولكن الخطوط العامة في هذا الشأن واضحة .
وبحسبة بسيطة نستطيع أن نقول إن
إنتاج النفط في الدول الإسلامية يزيد على 20 مليون برميل يومياً ، فالسعودية وحدها
تنتج 9.5 مليون برميل يومياً الى جانب الملايين الأخرى التي تنتجها باقي دول
الخليج والعراق وإيران والجزائر وليبيا . فلو افترضنا أن إجمالي ما تنتجه هذه
الدول هو 20 مليون برميل ، فإن ذلك يعني أن ثمنها يبلغ 2 مليار دولار على أساس سعر
البرميل 100 دولار ، أي أن العائد السنوي يبلغ 730 مليار دولار .
فإذا أخرجت هذه الدول زكاة
البترول ( الركاز ) والتي تبلغ 20% ، فهذا يعني أن مبلغ الزكاة السنوي هو 146
مليار دولار . ولك أن تتخيل ما يمكن أن يفعله هذا المبلغ إذا خصص لإنشاء المشروعات
الاقتصادية التي تستهدف الفقراء بالدرجة الأولى وتشغيل الأيدي العاملة في البلدان
الإسلامية الأشد فقراً .
ولو افترضنا أن ربع سكان العالم
العربي هم من الفقراء ، فإنك إذا وزعت هذا المبلغ عليهم على فرض أن عددهم 75 مليون
إنسان يشكلون حوالي 20 مليون أسرة فقيرة ، فإن نصيب الأسرة الواحدة يتعدى 600
دولاراً شهرياً .
وإذا تم استثمار مبلغ الزكاة في
مشروعات صناعية وزراعية وتربية مواش ودواجن بحسب حاجة كل دولة من الدول الفقيرة ،
فهل تتصور أن يبقى في العالم الإسلامي كله فقير واحد ؟
إن الاستثمار السعودي وحده في
الولايات المتحدة بحسب ما جاء على لسان سيناتور أمريكي في إحدى القنوات يبلغ من 6 الى 7 % من الاقتصاد الأمريكي كله ! ناهيك
عن باقي استثمارات الدول النفطية الأخرى في الولايات المتحدة ودول الغرب .
فأين يذهب ريع هذه الاستثمارات
الضخمة ؟
حتى هذه الدول الغنية ، بل
والغنية جداً ، لا يزال فيها فقراء أيضاً ، بل لا تزال بناها التحتية في حاجة الى
إصلاحات كثيرة .
لقد كان البترول نقمة حقيقية
على الأمة بدل أن يكون وسيلة وعاملاً مؤثراً جداً في نهضتها الاقتصادية ورفاهية
شعوبها .
ومن العجيب أن نجد فقهاء الأمة
الكبار وعلماء الشريعة يتفننون في تطبيق حدود السرقة والزنا والحكم بمئات الجلدات
التي ليس لها أصل في شريعة الله ، يطبقونها على الضعفاء والفقراء والمساكين ،
ويغضون الطرف عن مانعي الزكاة الكبار ، في حين أنهم يعلمون أن أبا بكر رضي الله
عنه أشعل حرباً شعواء على مانعي الزكاة عقب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقال قولته الشهيرة : والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم
عليه .
إن الزكاة هي شقيقة الصلاة ،
وقد قرنت معها في 27 موضعاً في القرآن الكريم ، في مثل قوله تعالى ( وأقيموا
الصلوة وءاتوا الزكوة ) ، وإن الإسلام كلّ لا يتجزأ ولا يجوز فيه أن نؤمن ببعض
ونكفر ببعض كما قال الله تعالى ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل
ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ) ، وإن العبادات التي كتبها الله تعالى على
عباده هي أيضاً كلٌّ واحد في سلة الله الواحدة ، وإن المرء ليعجب من دولنا
الإسلامية والعربية كيف أنها تفرق بين الشقيقتين الصلاة والزكاة ، فتجد دولة
كالسعودية مثلاً تجبر التجار على إغلاق محالهم أثناء الصلاة ، بل وتوقف كل نشاط في
الشارع العام وتجبر الناس على الذهاب الى المساجد ، وهي في نفس الوقت تغض الطرف عن
عبادة هي توأمة للصلاة قرنها الله تعالى بها في القرآن الكريم . ألأن الصلاة لا
تحمّل الدولة عبئاً اقتصادياً ؟ فهي تنشط في أدائها ، بينما تغفل توأمتها لأنها
ستكلفها دفع جزء من دخلها للفقراء والمساكين . وماذا لو كانت إقامة الصلاة ستكلف
الدولة دفع جزء من دخلها ؟ أكانت ستغض عنها الطرف أيضاً ؟؟