أمراض غزت العالم
كل الحضارات الانسانية المتعاقبة ، ومنها التي سادت ثم تراجعت أو بادت ، قدمت خدمات جليلة لشعوبها وللانسانية جمعاء من ناحية ، وظلمت وقتلت ودمرت من ناحية أخرى . فمنها من كانت مشاركتها في حركة التقدم الانساني مميزة بمقياس زمنها ، وتأثرت بها أمم كثيرة ، ومنها من كانت مشاركتها محدودة وتركزت في التعامل مع مجتمعاتها ومحيطها . لكن الذي قدمته الحضارة الغربية للعالم في العلم والتقنية والثقافة خلال القرنين الماضيين ، غير العالم كله ، وكرس سيطرة حضارة الانسان الأبيض عليه . ولهذا فإننا نجد نفسنا في هذا القرن غير قادرين على إيقاف تأثير الغرب الحضاري ، الايجابي منه والسلبي ، أو إبطاء إنتشاره بين ألأجيال الجديدة في مجتمعاتنا .
* كل الدول الكبرى ، عبر التاريخ وحتى يومنا هذا ، حاولت أن تهيمن على العالم بنوع من أنواع القوة المتاحة لها ، وأن تتحكم في مصير الآخرين ، وتسيطر على ثرواتهم ، وتفرض عليهم معتقداتها وثقافاتها ، وتتحكم في قرارهم السياسي والاقتصادي لخدمة مصالحها . لقد كان هدف هذه الدول هو التوسع ، والسيطرة ، ونهب ثروات الآخرين ، وإن أهدافها المعلنة القائلة بأنها تريد خدمة الانسانية والعدالة ، ليست إلا أكاذيب لا تنطلي إلا على الأغبياء من السياسيين والشعوب المتخلفة .
* ببساطه العالم الذي نعيش فيه الآن هو عالم قررت ، وتقرر مصيره وتغيراته القوة والمصالح ، وإن الدول الكبرى الغربية التي تتحكم فيه ، ليست حريصة على مصالح الشعوب ، ولا تهتم كثيرا بتطبيق الديموقراطية والعدالة خارج حدودها ، ولا تهتم بالدين والاخلاق ، ولا تعرف الله سبحانه وتعالى ، ولا تعبده إلا في محراب مصالحها .
* الدول الغربية بتقدمها التكنولوجي الهائل ، وتفوقها العسكري ، وأطماعها ألقت بالملايين من البشر في أتون حربين عالميتين شرستين في أقل من خمسين عاما ، قتلت خلالهما عشرات الملايين من الأبرياء ودمرت معظم أوروبا . وكذلك تمكنت باسلحتها الفتاكة وجيوشها ومخابراتها وعملائها من إستغلال الشعوب ، وأثارت النزاعات والفتن والحروب التي أدت إلى قتل ملايين الناس ، وتدمير دول كما فعلت في فيتنام ، والعراق ، وسورية ، وأفغانستان ، والاتحاد السوفيتي ، والاتحاد اليوغسلافي السابق ، وفلسطين وغيرها من دول العالم .
* إضافة إلى القتل والحروب والدمار، فقد أفرزت الحضارة الغربية الكثير من الأمراض الاجتماعية . لقد قوت النزعه االأنانية والجشع المادي ، وأضعفت البناء الأسري مما أدى إلى زيادة نسبة الطلاق والأطفال الغير شرعيين بشكل مخيف ، وهمشت دور الكثير من القيم الانسانية السامية ، وجعلت الانسان يجري وينهمك وراء الاستهلاك ، والحقت ضررا بالغا بالدين والقيم الروحية ، وأهملت مشاعر الناس ، ونجحت في محو الكثير من خصوصياتهم .
* وكذلك أوجدت حالة من القلق العام ، والاضطراب النفسي ، فزاد الخوف من المستقبل ، وانتشرت الجريمة ، والمخدرات ، وتجارة الجنس ، والانحراف الجنسي ، والانحطاط الأخلاقي ، والمسكرات ، والأمراض النفسية ، والسرقات ، والنصب ، والاحتيال ، وغسل الأموال ، وتفننت في التعامل مع العالم والتأثير فيه سياسيا وثقافيا عن طريق الانترنيت ، ووساثل الاعلام بما في ذلك ألاف محطات التلفزة الاخبارية ، والثقافية ، والرياضية ، والاباحية التي تبث للعالم أجمع ، وتسبب للناس صغارا وكبارا الكثير من المشاكل المادية والأسرية والسلوكية . حضارة الغرب الحديثة هذه وعلى الرغم من إنجازاتها العظيمة ، ألحقت ضررا بالغا بإنسانية الانسان عبر عنها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه بالقول " إن العلوم التي جاءت بها الحضارة الغربية قد سلبت الانسان أفراحه ودفء مشاعره ، وفقد بوجودها وسائل الدهشة والاثارة المحركة لحياته ، فصار أكثر شبها بالتمثال . "
* ما يجري في الغرب والعالم دليل قاطع على أنه لم يوجد ، ولا يوجد ، ولن يوجد مجتمع الكمال والفضيلة الذي يتخيل إمكانية إيجاده البعض ، وإن لكل زمان خصوصياته ومشاكله ، والناس يختلفون في ثقافتهم وتفكيرهم ونمط حياتهم من جيل لآخر ، وإن لكل حضارة عظيمة وجهين متناقضين : وجه حسن إنساني خير يتمثل في خدمات جليلة تقدمها للناس جميعا من خلال صناعاتها وإبداعاتها المتعددة والمتنوعة ، ووجه قبيح يتمثل في هيمنتها ، وحروبها ، وابتكاراتها السيئة ، وتركيز جل إهتمامها على مصالحها ، وتجاهلها لمصالح الآخرين ... لا يوجد في العالم دول من الملائكة ... الموجود هو دول من أناس يتصارعون من أجل ... البقاء والنفوذ والسيطرة ... وستظل الغلبة دائما كما كانت للأقوى ، والأذكى ، والأكثر قدرة على التجديد ، والابداع ، والتعامل مع قضاياه المهمة ومع شعوب العالم .