غغباء وجنون سعودي؟
ووخوف
وهلع*إسرائيلي* ؟
وغطرسة وانفصام أميركي؟
-------------------------------------------------------------------
لا يمكن تخيّل قدرة التسليم
السهل والتأقلم السلس مع متغيّرات بحجم هزيمة حرب البحار الخمسة التي تلقّاها
حلفاء حرب خاضوها على سورية واثقين من حساباتهم كلّها في ربحها؟
بصفتها حرباً عالمية كاملة؟
خيضت على خطوط الترغيب والترهيب لروسيا بعناية
السعي للإبعاد والتحييد؟
وعلى خطوط العصا والجزرة لإيران
بحذر عدم التورّط بحرب وعرض إغراءات النأي بالنفس عليها بتفاهم نووي مبستر خالٍ من
الدسم الإقليمي؟
وإحكام الخناق على عنق سورية
وحزب الله؟
بحصار سعودي تركي إسرائيلي
وإشراف أميركي بريطاني فرنسي؟
وحرب مخابرات متعدّدة؟
واستجلاب ربع مليون مقاتل من
تنظيم القاعدة وبقاياه وأخواته لتعميم فوضى الموت والقتل والخراب في أنحاء سورية؟
وإحياء العصبيات القاتلة بين شرائح شعبها
المتعايش؟
وتقديم نموذج الأكراد لذلك
مثالاً للسعي لتفتيتها إذا استحال القبض عليها؟
– استيعاب صدمة بحجم مشابه لم
يتحقّق لمن خسروا الحرب العالمية الثانية؟
فأُصيب بعضهم بالجنون؟
وسعى بعضهم للانتحار؟
ونجح بعضهم وانتحر؟
فالذين خطّطوا للحرب العالمية
الثانية وخاضوا غمارها وضعوا حساباتهم كلّها لنصر شامل وأكيد؟
وعندما وضعوا حسابات لخسائر
بقيت حساباتهم في دائرة جزئية؟
ولم يكن يخطر في بالهم أن تأتي
نهايات الحرب بنهايتهم وإعلان هزيمتهم الساحقة؟
والذين يكابرون في قراءة ما جرى
في المنطقة المحاطة بالبحار الخمسة، المتوسط والخليج والأحمر والأسود وقزوين، لا
يستطيعون إنكار أنّ مشروعاً أنفقت في سبيل إنجاحه مئات مليارات الدولارات يتهاوى،
وأنّ روسيا كقوة عالمية صاعدة تحتلّ اليوم، على الأقلّ في ما يخصّ هذه المنطقة
المكانة التي شغلتها أميركا منفردة منذ سقوط جدار برلين قبل ثلاثة عقود، وأنّ
سورية الجديدة التي تخرج من رحم هذه الحرب لا تشبه أبداً ما رسموه لها، وتتخطّى ما
كانت عليه قبل استهدافها في نياتها وقواها تجاه السعودية و«إسرائيل» على الأقلّ،
وأنّ حزب الله الذي أرادوا سحقه في هذه الحرب وحرقه بنار الفتنة التي راهنوا عليها
تعويض خسارتهم لحروبهم السابقة لإنهائه، يخرج من هذه الحرب أشدّ قوة وبأساً، وأشدّ
خطراً مما كان عليه وكان كافياً لتجريد هذه الحرب للتخلّص منه كتهديد.
– الدول القادرة على التوازن مع
نتائج حرب بحجم التي شهدناها خلال سبع سنوات، هي تلك التي تملك خيارات التأقلم
بحكم حجمها والمعروض عليها من حلف الرابحين، وحجم المخاطر التي ولدتها تطورات
الحرب على أمنها الاستراتيجي، كحال تركيا التي وجدت عروضاً أمامها واضحة لاستبدال
استثمارها على الحرب، للاستثمار على التسويات، ووجدت تحدّياً عنوانه الانفصال
الكردي يهدّد وحدتها، فيما لو لم تستعجل التأقلم والانتقال من ضفة إلى ضفة، ومثلها
أوروبا التي تعلم أنها كانت من صنّاع الحرب، لكنها تجد أمامها دعوات وفرص للتأقلم،
ومعها تهديد النازحين الذي غيّر وجهة أولوياتها وفرض حضوره على مشهدها السياسي
الداخلي بصعود التطرف العنصري، وعلى مشهدها الأمني بتحوّل خطر الإرهاب حقيقة يومية
لا تحتمل التأجيل، والإدراك أنّ إطفاء النار يبدأ من إطفاء نيران الحرب التي ساهمت
بإشعالها لإسقاط سورية.
– أميركا الأقدر على التأقلم بحكم
العروض التي وردتها وحجمها وخياراتها المفتوحة عجزت عن ذلك إلا في الحالات التي
يصير فيها الأمر الواقع قائماً عكس رغباتها ويكون عليها لتغييره خوض حرب شاملة سعت
لتفاديها دائماً، وبقيت واشنطن وهي تُنجز التفاهمات تعجز عن ترجمتها والتقيّد بها،
لأنها في حال انفصام بين وقائع الحرب ومعادلات العقل السياسي من جهة، والأولوية
التي تمنحها لكلّ من السعودية و«إسرائيل» من جهة أخرى، ولا يحتاج المرء للتحليل كي
ينتبه للفوارق بين مواقف وزارة الخارجية الأميركية كتعبير عن حسابات العقل
الأميركي، ومواقف الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر كتعبير عن أسر المصالح
المالية مع السعودية والمصالح الانتخابية والعقائدية مع «إسرائيل».
– حال الهلع «الإسرائيلي» بائنة
في كلّ موقف وتصرّف، فانعدام الوزن السياسي والاستراتيجي يعبّر عنه بوضوح تناقض
التصريحات لوزير الحرب أفيغدور ليبرمان عندما يقول مرة إنّ الإيرانيين باتوا على
حدودنا، وهذا خطر وجودي. ثم يقول بعد أيام، ليس من وجود إيراني جدّي على حدودنا مع
سورية، وعملياً ليس أدلّ من التهديد بحرب مع حزب الله على لسان رئيس حكومة
الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتصحيح بعد ساعات بأنّ القصد كان ما تستطيعه «إسرائيل»
إذا بادر حزب الله للحرب. والتخبّط «الإسرائيلي» ناتج عن صعوبة التأقلم مع نتائج
كارثية لحرب كانت «إسرائيل» أول من سعى إليها، ولم يعد ممكناً إلغاء نتائجها، ولا
تملك «إسرائيل» ما يصدّ عنها نتائج الحرب في تنامي قدرات أعدائها وتوسّع تحالفاتهم
وامتلاكهم عزيمة أشدّ لقتالها. ويكفي ما قاله الأمين العام لحزب الله، عن مئات
الآلاف من المقاتلين من سورية والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن المستعدّين
لقتال «إسرائيل» في أيّ حرب مقبلة، وما قاله «الإسرائيليون» أنفسهم عن صورة حزب
الله الخارج من الحرب ومثله صورة الجيش السوري، ومن ورائهما إيران وحجم تجذر
علاقتهم جميعاً بروسيا، كما لمس قادة «إسرائيل» ذلك في لقاءاتهم بالقادة الروس.
– حال السعودية تبدو الأصعب ليس
لضعف فرص العروض لانضمامها لخيار التأقلم، بل لحجم الغطرسة والعنجهية المهيمنين
على العقل السعودي، الآتي من بدوية ارستقراطية، وهي ثنائية سريالية جديدة على علم
الاجتماع السياسي نشأت مع ممالك وإمارات ومشيخات النفط والكاز والغاز، نقلت لمواقع
قرار بحجم خوض الحروب قوى طفيلية تشبه الأثرياء الجدد، الذين لا يملكون تقاليد
الطبقات الفقيرة ولا تدرّجوا لتعلم تقاليد الطبقات الغنية، فصاروا أقرب للعصابات،
يستأجرون القتلة من المرتزقة ويستسهلون القتل، ويتخيّلون مالهم قادراً على شراء
كلّ شيء، ولم يعتادوا من نفاق السياسة الدولية إلا الضحك عليهم بالإيماء بالقبول
لما يطلبون طالما هم يدفعون بسخاء، ليجدوا أنفسهم فجأة كالمقامرين الذين يخسرون ويخسرون
ويواصلون المقامرة ومعهم ما تبقى من المال، وثمة مَن يشجعهم ليستأخر خسارته،
فيتصرّفون بجنون، يحرقون أوراقاً كانت رابحة للاعتدال، فيوظفونها في التطرف، كما
فعلوا برئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، ويواصلون اللعب لتحويله بغبائهم
الخارق من صديق إلى عدو، ويكفي ما تبثه قناتهم «العربية» من اتهام له بتضييع دماء
أبيه للتدليل على هذا الغباء الخارق.
– مَن يستطيع نقل السعودية
و«إسرائيل» إلى ضفة العقلانية، منعاً لمخاطر مغامرات كالتي شهدها العالم بذهول مع
اختطاف رئيس حكومة لبنان، يستطيع إعادة التوازن للموقف الأميركي. وهذه هي المعادلة
الأوروبية اليوم بعد النجاح بتشكيل شبكة أمان لاستقرار لبنان، منعاً لتدفق
النازحين ومَن معهم من خلايا نائمة، إلى أوروبا، والتجربة تستحق التكرار.
والامتحان يبدو يمنياً طالما خطر الصواريخ اليمنية يفعل ما فعله الأكراد بتركيا.