هل كان لدى البدو حمّامات في الصحراء؟
يسهب دعاة الصحوة البترودولارية في الحديث مطولاً عن
كيفية الدخول والخروج، ولكن دون التطرق إلى سبب دخولنا في هذا المأزق التاريخي
المحكم، وكيفية الخروج منه، ويذهبون بعيداً في الحديث عن أنه يجب الدخول إلى ذلك
المكان، النجس والعياذ
بالله، بالرجل اليمنى، وهنا نرى تناقضاً واضحاً في ذلك بسبب
نجاسة المكان، والبركة في اليمين، وتفضيله على الشمال، إذ من الواجب والحال الدخول
بالشمال، إلى هذا المكان النجس، وعدم احترامه من خلال الدخول باليمين، وإذا
اقتنعنا بدخول الأماكن
المباركة والمفضلة والمحترمة، وحتى ليلة الدخلة برجل
اليمين، فإنه ليس ثمة أمر مقنع بالدخول باليمين إلى الحمام، هذا والله أعلم. ويخيل
للمرء، ومن خلال الخطاب،
إياه، أن أولئك البدو في الصحراء لم يكونوا يعرفوا كيف
يدخلون إلى تلك الحمامات، وعلى كثرتها، وجاء الخطاب وقدّم لهم ذاك الحل السحري
الخارق والعبقري الذي لم تتوصل له ويا خسارة كل الحضارات السابقة، ونظموا لهم
الدور، وعلموهم كيف يدخلون ويخرجون وبسلاسة إلى ذلك المكان، الذي يبدو أنه كان
يشتكي من أزمة مستعصية على الحل، وحلت كل مشاكل الكون الفلسفية، بعد ذلك وكل الحمد
والشكر لله، وأثابهم الله خيراً على أية حال.
المهم هناك فقه طويل عن دخول وخروج الحمام، وكأن أولئك
البدو الغجر، أصحاب حضارات عظيمة وفنون معمارية راقية في صحرائهم كما يزعمون
وصدروها بعد ذلك للعالم المتعطش والذي كان ينتظر حضارتهم، كانوا يعيشون في قصور
على الطريقة الإنكليزية، و لديهم حمامات من الرخام الإيطالي، والبورسلان
والسيراميك الفرنسي في الصحراء، وبانيوهات ، وتواليتات "عربي" وإفرنجية،
والعياذ بالله، وعلى النمط الغربي المعروف والمتداول حالياً، وساونا، وجاكوزي،
ومناديل فاين و"رولات" كلينيكس للاستنجاء بها، حتى يدلوا الناس على
كيفية الدخول والخروج من الحمام، ونحن نعلم أن الخيمة وبيت الشعر، وجوار البعير
كانت هي الموئل والبيت ومسكن البدوي، وفي كثير من الأحيان كان ظل النخلة هو مقره
الوحيد. والأجدى، والأكثر إقناعاً أن يكون الحديث عن كيفية الخروج من بيت الشعر،
والذهاب إلى وراء الكثبان لقضاء الحاجة، وطريقة الاستنجاء بالحجارة، ومن ثم كيفية
العودة سالماً غانماً، إلى الخيمة، وذلك أقرب للمنطق والتصور وللتقوى لعلكم تتقون.
ومن الدلائل الهامة على عدم وجود حمامات، وقضاء البدوي
لحاجته في الخلاء، هكذا وأمام الناس، هو قصص السيرة حول استثناء
"الأَمَة" والعبدة من لبس الخمار، حيث اشتكت نسوة لأحد الخلفاء، رضوان
الله تعالى عليه، من أن بعض الرجال يقومون بالتلصص عليهن أثناء قضائهن لحاجتهن في
الخلاء، فأمرهن بوضع ما يستر رؤوسهن كي لا يعرفن، وحين طلبت إحدى "العبدات أو
ألأمات"، أن يطبق عليها ذلك، نهرها، وضربها بيده الشريفة رضوان الله تعالى
عليه. فإذا كانت النسوة تقضين حاجتهن، أكرمكم اله، في الخلاء، فلنا أن نتخيل أين
وكيف كان الرجال يقضون نفس هذه الحاجة. هذه واحدة.
والثانية، هو الحديث المسهب، والمطول أيضاً، عن
الاستنجاء بالحجارة، وكم عددها، وكيفية شكلها، ولونها، وطولها،...إلخ، ما يدلل على
أن البدوي لم يكن يعرف الماء، ولا الاغتسال بعد الخروج من الحمام هذا إذا كان هناك
حمام، وعافاكم الله على كل حال. إذ لو كان هناك حمّام، وماء جارية، ونظام تنظيف
واغتسال، وتصريف صحي راق ومتقدم في الصحراء، لما هناك في الحقيقة أية حاجة وداع
للبحث والتمحيص عن حجارة للاستنجاء بها، وكم كان البدوي يفرح حين يجد حجارة على
طلبه ومزاجه للاستنجاء بها. فمن أين أتوا لنا بفقه الحمامات يا رعاكم الله، وهم لم
يكن لديهم حمّامات أصلاً. فإذا كان هناك حمّامات فعلاً، فلماذا كل هذا الحديث
المستفيض عن الاستنجاء بالحجارة، يا عافاكم الله. وهل الاستنجاء أصلاً اختراع بدوي
خالص، أم أن الشعوب والأمم البائدة عرفته قبل ذلك ولا يحتاج أصلاً لتنظير الفقهاء
وتضييع وقتهم الثمين فيه؟ بل لماذا لا يلتفتون لقضايا أكثر أهمية ونجاعة وفائدة؟
وهل لم يتبق من همّ للعرب والمسلمين سوى هذه القضية الشائكة والمعضلة البيولوجية
الخالصة والحل الفقهي السحري لها؟ لنتصور العبقرية في طرح المشاكل وتقديم الحلول؟
هذه ثانية.
وأما الثالثة والأخيرة، لا ندري فيما إذا كان قضاء هذه
الحاجة الطبيعية يحتاج إلى كل هذه الزيطة والزنبليطة والهيصة، وبحاجة إلى داعية
بترودولاري ليقول للناس كيف يفعلون ذلك، ويكسب الأجر على ذلك؟ والسؤال الأهم، كيف
كانت شعوب وأمم الأرض والحضارات القديمة السالفة التي دمرها البدو الأعاريب، يقضون
حاجتهم، وهل كفر كل أولئك، ومصيرهم سيكون جهنم وبئس المصير، لأنهم لم يستنجوا على
الطريقة البدوية، أم لا، وما ذنب من لا يجد حجارة "ستاندارد"، وذات
معايير خاصة وعلى الطريقة البدوية، كي يستنجي بها، أو من لم يكن لديه في الصحراء
حمّام ليدخل به برجله اليمين؟
ويخبرنا التاريخ أن البدو كانوا يعيشون على التنقل
والغزو والصيد والقنص والترحال، ولذا لم يهتموا كثيراً بالبناء، اللهم إلا إذا كان
عندهم حمّامات متنقلة، في ذلك الوقت، كي يفرد الدعاة كل ذلك الوقت على دخول وخروج
الحمّام، وربما كانت تلك الحماماتـ على شكل "الكرافانات" المعروفة،
حالياً، وتلك قضية خاصة سنفرد لها بحثاً خاصاً، تبين، وعلى طريقة زغلول النجار، أن
ألاعاريب هم أول من اخترع الكرافانات، وهو الهودج المعروف والمثبت على ظهر البعير،
وكانوا سباقين على العلمانيين والغربيين في ذلك الاختراع العظيم. ولم لا؟