الحوثيون ليسوا مجوسا
الحوثيون وكل القبائل والعشائر اليمنية الأخرى مسلحون تسليحاَ جيداَ منذ عصر الجاهلية، و بالذات عشائر الأطراف التي كانت ولا تزال تعيش في مناطق جبلية نائية وقلما خضعت لأي سلطة مركزية على الإطلاق وتاريخها حافل بالحروب المتقطعة ضد سلطات صنعاء المركزية منذ أم لجأ الإمام زيد بن علي بن زيد العابدين إلى اليمن طالباَ النصرة في مواجهته مع الأموين.
وزيد هذا هو عم الإمام جعفر بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين مؤسس المذهب الجعفري الإتني عشري. ويعد من أحد أهم أسباب إنفصال زيد عن مذهب إبن أخيه جعفر في العراق وتكوينه مذهباَ خاصاَ به في اليمن هو رفض جعفر تأييد عمه في ثورته ضد الأموين حيث أن الجعفرين (حتى عصر الخميني) يذهبون إلى وجوب إنتظار الإمام الغائب وعدم محاولة إحداث تغير في الواقع المعاش قبل ظهوره. ومنذ ذلك الحين يعرف المذهب الجعفري بمذهب الإنتظار السلبي بينما يشار إلى المذهب الزيدي بأنه مذهب التحرك الإيجابي الثوري.
وفي سبعينيات القرن المنصرم قام أية الله الخميني بإحداث إنقلاب داخلي في المذهب الجعفري بأن تبنى وجة نظر الإمام المنشق زيد، فيما عرف لاحقاَ بنظرية ولاية الفقيه.
وقد إستعرضت هذه المقدمة التاريخية لتبيان سخف الكثيرين من الكتاب من محدودي الثقافة التاريخية والذين أطلقت لهم وسائل الإعلام التي تنفق عليهم العنان للخروج علينا بإفتاءات عبقرية تتهم الحوثين بالإنقلاب على المذهب الزيدي (المسالم في طاعة الحاكم تاريخياَ!!) و(تبني نظريات الأتني عشرية في الثورة والخروج على الحاكم)!! والإدعاء بأن هذه نظريات دخيلة ومستهجنة من قبل مراجع المذهب الزيدي (المسالم) التقليدين!
يا عرب، الحوثيون هم أهلنا وأحبابنا، عرب عدنانيون أقحاح، والمذهب الزيدي مذهب ثوري تنويري عقلاني متأثر بالمعتزلة حيث تتلمذ مؤسسه زيد بن علي على يد واصل بن عطاء المعتزلي، وللزيدية في اليمن تاريخ حافل بالثورات والإنتفاضات حتى أنه يصعب الجزم أنهم رضخوا لسلطة مركزية بشكل كامل أبداَ طوال تاريخهم القديم والحديث.
ولهذا فالتعاطي معهم بحد السيف لن يجدي نفعاَ بل يؤدي وأدى دوماً إلى نتائج عكسية مدمرة، واليمن كذلك بشكل عام كان ولا يزال مجتمعاَ قبلياَ غير مركزي تتمتع القبائل فيه بإستقلالية ذاتية مرنة وترتبط معظم قبائله ببعضها البعض بعلاقات نسب ومصاهرة، وتثور فيها الحمية إن وقع ضيم على أحدها.
كذلك فإن الجانب السعودي من الشريط الحدودي مع اليمن يشكل موطناَ لقبائل سعودية الجنسية يمنية الهوى والنسب، وإسماعيلية المذهب، وهي مضطهده من قبل النظام السعودي ومذهبها غير معترف به و ممنوعة من ممارسة شعائرها المذهبية بحرية.
وعبد الملك الحوثي يقاتل الاّن وحوله عصبة قليلة العدد نسبياَ من أتباعه المقربين ولكن إتساع رقعة القصف العشوائي الغبي ضدهم سيحقق له ما لم يحلم به وهو إقحام بقية القبائل الزيدية والتي تشكل نصف تعداد السكان في اليمن على أقل تقدير في المواجهة إلى جانبه بدافع الحمية القبلية أو بدافع الثأر القبلي من القوات الحكومية السعودية واليمنية التي تسببت في قصفهم أو قصف أقاربهم أو أحلافهم.
ولأن إستعرت الجبهة اليمنية ومنيت القوات السعودية ببعض الإنتكاسات هناك فإن جنوب الجزيرة الإسماعيلي عل الطرف الاّخر من الحدود سيشتعل هو الاّخر، وما يوم إنتفاضة أهل نجران ببعيد، ولأن ثار الزيدون في اليمن والإسماعيليون في جنوب الجزيرة فسيتبعهم الجعفريون في المنطقة الشرقية..وهذا هو الواقع للأسف! ففي دولة طويل العمر خادم الحرمين الكتير من الجمر غيرالمدفون جيداّ تحت الرماد من النوع سريع الإشتعال.
علاقة الحوثين بإيران
طبعاَ حسب منطق كتاب المارينز ومن سار على نهجهم، فإن كل توتر في دول المنطقة مبعثه قوة الشر الخارقة السحرية الخارجة من إيران، حيث قيل لهم أن كل أجهزة المخابرات في العالم ومن ضمنها ال سي أي إيه والموساد قد أقفلت أبوابها على إثر الأزمة الإقتصادية الحالية ولم يعد ينشط في المنطقة غير جهاز إطلاعات! وهذا النوع من المنطق مثالي للبلداء الذين لا يرغبون في البحث عن الجذور الطبقية والإجتماعية والدينية والإقتصادية للصراعات المحلية، فحتى المعاتيه يستطيعون رمي قنابل كلامية عشوائية في كل إتجاه ولكن الحلول الجذرية يتوصل إليها المبدعون فقط.
ربما قدمت إيران بعض الدعم للحوتين وهذا متوقع نظراَ للتقارب العقيدي وربما الفكري بين الحوتيين وبعض أجنحة النظام في إيران، وربما أن إيران تسعى من تدخلها إلى قلب النظام في اليمن ككل والوصول إلى باب المندب والتحكم من خلاله بالخليج والعالم، كل هذه إفتراضات ممكنة ومعقولة جداَ وإن كانت لا تزال مجرد فرضيات غير مثبتة بعد.
ولكن حتى لو صح ما يقال عن الدور الإيراني في الأزمة اليمنية فإن القصف الحكومي العشوائي الهمجي غير المدروس على قرى القبائل سيساعد إيران على تحقيق طموحاتها وأهدافها بتوسيع دائرة الإصطدام الحكومي مع القبائل المحلية كما أسلفنا أعلاه وليس العكس.
الحل من وجهة نظري أن تعود الأطراف المتصارعة إلى الدوحة ليتوصلوا إلى إتفاق شامل برعاية عربية وليس إتفاق علاقات عامة شكلي، يحقق للحكومة الإستقرار وللحوثين مطالبهم، وإن اراد العرب إبعاد إيران عن صورة ما يجري في اليمن فليأخذوا على عاتقهم إذن مهمة تحقيق العدالة الإجتماعية في اليمن المسكين.