الوهابية سرطان؟
ليس غريباً أن ينحدر الاعلام الوهابي ورموزه الى هذا
الحد المفجع من الاسفاف والتردي، باعتماد اساليب منفرة تبدئ بالسباب المقذع،
وتنتهي بالتصريح المعلن باستباحة دماء المسلمين وأعراضهم بعد تكفيرهم واخراجهم عن
دائرة الاسلام، بل وحتى الانسانية، وبذرائع وحجج شتى لا تقف أمام اي دليل ولا تصمد
أمام حجة.
بيد ان الغريب في الامر الاغضاء
أو المخاتلة المريبة التي يعمد اليها البعض في تجاوز حالة السعار المفجع التي
تنتاب هؤلاء القوم في الاعلان عملياً عن أفكارهم المنحرفة الشاذة المدمرة التي لم
تصبغ الاسلام المحمدي الرائع بألوان التخلف والجهل والقتل والتخريب فحسب، بل في
توسيع دائرة التطبيق العملي لافكارهم التي لا تمت للاسلام بصلة لتمارس القتل
الذريع بنشوة متصاعدة، وابتهاج غير انساني.
فعندما يصبح العراق
"مثلاً" حقلاً تجريبياً لسادية وشذوذ هذه الاطروحات وسدنتها الغارقين في
الجهل والتعطش للدماء ولتتناثر حينها اشلاء النساء والاطفال والرجال في شهر رمضان
المبارك، وتُكرع على جثثهم المتفحمة والمتقطعة كوؤس الفرح كما تفعله هذه الجماعات
في كل مكان وأي زمان بما تدعيه من غزوات اجرامية يصاب المرء بالذهول وهو يجد كيفية
تعاطي البعض مع هذه الجريمة البشعة بمشاعر تترواح بين الشماتة حيناً واللامبالاة
حيناً آخر!! وهي نتيجة طبيعية للشحن الطائفي والمذهبي الذي بات الآن هو العنوان
الابرز في هذا الزمن، وحيث تتناثر قنوات التكفير الوهابي في بلدان المسلمين كالغدد
السرطانية التي تنهش بوحشية في البقية المتبقية الناصعة النقية للبنيان العظيم
الذي بشر به رسول الرحمة محمد بن عبدالله (ص).
واذا كان للعراق النصيب الاكبر
من التجسيد العملي للفكر الوهابي المنحرف والتي كانت بدايتها بشكل مفجع في 22
نيسان عام 1802 عندما أعملت هذه الجماعات السيف وحين غرة في رقاب اكثر من ثمانية
آلاف مسلم وتركت أضعافهم جرحى ولتحتفل بعدها وتنتشي برائحة الدماء، فان الامر كما
قد يتوهم البعض لم ولن يتوقف عند حدود الشيعة بل يتخطاها الى عموم المسلمين
بمذاهبهم المختلفة، ليصل مداه الانسانية أجمعها، فهو الركيزة الاساسية في هذا الفكر
الهدام ودعاته الجهلة الذين باتوا مطية سهلة لمراكز ودوائر المخابرات العالمية،
ومن يعتقد انه بمنأى عن دائرة شرورهم فانه اما جاهل بهم، او ساذج غارق في وهمه.
فمن عظائم الموبقات رسم قواعد
شاذة ونسبتها للاسلام، وبالتالي تجريدها فتاوى للتكفير والقتل بشكل متغرب وبعيد عن
الاسلام، متجاوز أبسط المفاهيم الاسلامية التي تحدد علاقة المسلم بالمسلم كما رواه
ابن ماجة في سننه عن رسول الله (ص)" كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله
وعرضه" بل ومجافاة سنة النبي ووصاياه
بشكل علني وصريح وهم المتبجحون بانهم اصحاب المحجة البيضاء، ومن يحيي السنّة:
فعن أسامة بن زيد قال: بعثنا
رسول الله (ص) إلى أناس من جهينة، فأتيت إلى رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله
إلا الله، فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي (ص) فأخبرته، فقال: أقتلته وقد شهد أن لا
إله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذاً، قال: فهلا شققت عن قلبه؟
وعن أبي هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: يوم خيبر: لادفعن اللواء غدا إلى رجل يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه، قال عمر: ما أحببت الامارة إلا يومئذ
فتطاولت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: قم، فدفع إليه اللواء ثم
قال: إذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، فسار هنيهة ثم قام ولم يلتفت للعزمة
فقال: على ما أقاتل الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قاتلهم حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله فإذا قالوها منعوا دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
بيد ان من يدعي بانه صاحب الحق
ويكفّر ما عداه، ويختزل الاسلام بعصابة قليلة لا حجة لها ولا دليل، كما فعل مؤخراً
أستاذ الشريعة!! في جامعة الإمام سعود في الرياض سعد الدريهم عندما غرّد مدعياً
بان الفرقة الناجية تختص بعلماء واهل نجد ومن تبعهم، بل واضاف قائلاً:
إن "عامياً في نجد خير من
عالم في مصر"، هو أم المصائب وثالثة الاثافي.
نعم هو ديدن هذه الجماعات في
حكمها على باقي المسلمين وإن تؤجله حيناً لانشغالها باستباحة الدم الشيعي، ولكنه
مرتكز عقائدي شاذ مبني على جهل مركب لن يقود الامة إلا الى مزيد من الفرقة والتشتت
والتخلف والضياع.
وقد سجّل لنا الكاتب بيتر
كربتيس في كتابه ابراهيم باشا، والذي ترجمه محمد بدران والمطبوع عام 1937 جانباً
من الحوار العقيم مع هذه العقول الخرفة المنحرفة.
فبعد ان استطار شرر الوهابيون
وعم ارجاء الارض العربية، عبر التحالف السيء مع آل سعود كانت مصر آنذاك تحت حكم
محمد علي باشا، والذي تنبه الى الخطر الذي تشكله هذه العصابة على المسلمين، فجهز
جيشاً مصرياً بقيادة ابنه ابراهيم والذي لم يكن يتعدى عمره السابعة والعشرين
عاماً، وحيث استطاع هذا الجيش العربي من هزيمة فلول الجيش الوهابي وان يطاردهم عبر
الصحراء حتى عاصمتهم الدرعية آنذاك ويأسر اميرهم عبدالله بن سعود وبالتحديد في شهر
ايلول من عام 1818 وهي تعد حينها مأثرة حربية متميزة للجيش المصري، وقد اراد
ابراهيم بعد هذا الانتصار ان يعقد مؤتمراً بين علماء السنة والوهابيين، وهو اقرب
الى المؤتمر الذي عقده نادر شاه عام 1743 للتقريب بين وجهتي النظر السنية
والشيعية، وحيث انتهى حينها المؤتمر بالاتفاق بين الطرفين وباعلان وقعه الطرفان
وباركته الامة.
استدعى ابراهيم باشا علماء
الوهابيين وكان عددهم خمسمائة وخاطبهم بانه يريد ان يمحو اسباب الخلاف المستحكم
بين عقائدهم وعقائد السنة، واحضر معه من القاهرة جماعة من علماء السنة، وامرهم
بالاجتماع للمباحثة والمجادلة أمامه، ودون اي تدخل منه، وحيث يقول بيتر كريبتس ما
نصه (صفحة 40):
"فاجتمعت الطائفتان طوعاً لامره،
وظل خطباؤهم ثلاثة أيام كاملة يتناقشون ويظهرون الفروق الدقيقة بين المذهبين، وظل
ابراهيم طوال هذه المدة يصغي اليهم، لا يطرق برأسه ولا يأخذ الكرى بمعقد جفونه،
ولو تمثل الصبر والنزاهة شخصاً لكان هو بعينه فانه لم يقاطع خطيباً، بل لم يرفع
صوته لينبه المتناظرين الى حفظ النظام وذلك لان وجوده في حد ذاته كان يكفي لان يسود
المجلس السكون التام، وان تسري في المناظرة روح الحرية والادب ولما حل اليوم
الرابع، اقفل ابراهيم باب الجدل بان سال شيخ الفقهاء الوهابيين هذا السؤال: هل
تؤمن بان الله واحد، وان الدين الصحيح واحد وهو دينكم؟
فاجابه الشيخ نعم، فردعليه
ابراهيم بلهجته القاهرية قائلاً: ما رأيك في الجنة ايها الخنزير وما عرضها؟
ولم يكن امام الشيخ الوهابي
بطبيعة الحال إلا جواب واحد مستمد من قول الله تعالى وهو ان عرضها كعرض السماوات
والارض وانها اعدت للمتقين منذ خلق الله تعالى الخلق، فاجابه ابراهيم: اذا كان
عرضها السموات والارض كما تقول، واذا وسعتك انت وامثالك رحمة الله تعالى، فدخلتم
الجنة، ألا تكفي شجرة واحدة من اشجارها لان تظللكم جميعاً؟ فلمن اذن بقية الدار؟!
أسالك الجواب.
فسكت الشيخ واتباعه وما احاروا
جواباً، فلما تبين لابراهيم ذلك قطع عليهم صمتهم والتفت الى جنوده وقال لهم: عليكم
بهؤلاء الناس فارموا رقابهم".
نعم اننا بلا شك قبالة جماعات
اصمّت آذانها عن الحق، واستمرأت الايغال في دماء مخالفيهم، واستباحت كل شيء،
وتجاوزت كل الحدود البشرية، وأساءت للاسلام وللمعاني الانسانية برمتها.