@نحن إمة ضيعها > جهل آبناءها....وخيانة حكامها .... وفشل رموزها....وفتاوي مشايخها...! @آطماعكم >تطرفكم>آحقادكم>>>آلسبب...! @وزد فوق ذلك عيوبكم >تغريبة للإ سلام و آلعروبة.....!!!! @إلى متى هذا آلنوم؟ آين همم آلآجداد ...يا آبناء يعرب... ؟


الآحزاب الإنتهازية؟

نخشى على حال العراق أن يكون كحال ابن عباس عندما رثى صاحبه, فقال فيه
:
جبل تدكدك ثم مال بجمعه في البحر فاجتمعت عليه الأبحر

فقد تشتت أفكار عامة الناس بين من يدعو لنصرة الطائفة (سين), وبين من يدعو لنصرة الطائفة (شين), وبين من يدعو لانفصال القومية (كاف) عن (عين), وبين من يطالب بالتأقلم والانعزال في الأقاليم الهشة, فتسلل الانتهازيون والوصوليون إلى المناصب العليا, والتف حولهم وعاظ السلاطين, في الوقت الذي كرست فيه الفضائيات الخبيثة أجهزتها المسمومة لتضليل الناس والإسهام في تحريضهم, وراحت فئة قليلة من الخطباء تنفخ بأبواق التنافر لتضيف الرياح القوية لمهزلة التقسيم والتجزئة, وبين حانة ومانة ضاعت لحانا

لابد لنا قبل التطرق إلى حملات التبرير السياسي, التي تسوقها اليوم فئة قليلة من المحسوبين على الخطباء لحث الناس على اختيار الفاسدين والمفسدين, ومن كان على شاكلتهم من الوصوليين والانتهازيين, ودعمهم في الانتخابات القادمة بذرائع وحجج ومبررات طائفية ضيقة, لا ترقى إلى ابسط مستويات التحرر العقلي, ولا تنتمي إلى أضيق التوجهات المذهبية, ولا إلى النعرات العرقية

قبل التطرق إلى هذه الحملات الهجينة, التي لا تمت للدين بصلة, لابد لنا من مراجعة كتاب الشيخ محمد صادق الكرباسي (1) للاستئناس بتوجيهاته الخطابية الرائعة, وهو كتاب توعوي ومنهجي, يحمل عنوان: (الخطابة في دراسة نوعية شاملة), يقع في (256) صفحة من القطع المتوسط, من إصدارات بيت العلم للنابهين في بيروت, صدّره بمقدمة انتقد فيها حال المنبر الحسيني, كانت بعنوان: (المنبر الحسيني إلى أين ؟), قال فيها: (أن عطاء المنبر الحسيني في الوقت الحاضر لا يتقارب مع مقدار ما يُسخّر له من طاقات, فالبون شاسع, والمسافة كبيرة), ويرى إن بعض المجالس لا تلامس الأذهان, ولا تثير دفائن العقول.
يستعرض الكرباسي تاريخ الخطابة منذ العام الهجري الأول حتى يصل بها إلى بدايات القرن العشرين الميلادي, إلى الفترة التي اتجه فيها خطباء المنبر الحسيني نحو العمق الفكري, والممارسة السياسية المثمرة, وكان من روادها السيد صالح الحلي خطيب ثورة العشرين, والشيخ محسن أبو الحبّ. .

ثم يتحدث عن دور الخطيب وموقعه, وما ينبغي له قوله للناس, يتطرق بعدها عن المادة الخطابية بوصفها من أركان الخطابة, فيعد القرآن الكريم المادة الأولى للخطيب, تليها السنة النبوية المطهرة, ثم الحوادث الواقعة, وسيرة الأنبياء والأئمة, وأخيراُ الأدب. .

ويتحدث عن مواصفات الخطيب, ويذكر من جملتها: الإيمان والعمل, والتقوى والإخلاص, والأسلوب, والأخلاق, والصفاء, والتواضع, والأمانة, والشجاعة, ويرى ان مهمة الخطيب تنحصر في توجيه شرائح المجتمع بمختلف توجهاتهم نحو جادة الصواب, والتعامل معهم بقدسية العقل والمعرفة, من دون التعرض إلى الفكر الآخر. .

من هنا يتضح لنا أن من أهم واجبات الخطيب المؤمن بقضايا وطنه ودينه الإسهام في تعميق معنى اعتدال الدين باعتباره السبب الرئيس في نشر الفضيلة وانتشارها في مشارق الأرض ومغاربها. .

ففي الوقت الذي يشدد فيه الخطباء على نقل الأحداث إلى الناس بواقعية, والابتعاد عن العواطف, والتحلي بمكارم الأخلاق, والتوجه للانتخابات بنفوس متجردة من عقد الماضي, متحررة من التبعات الطائفية والعرقية والعشائرية لاختيار الأفضل والأكفأ والأقوى والأجدر, واختيار المعروف بعفته ونزاهته, يخرج علينا من يتظاهر بحرصه على (الشريعة), وهي في الحقيقة ليست إلا أكمة يتستر خلفها لتنفيذ مشاريع التفريق والتجزئة, فيدعو الناس إلى الاختيار بعشوائية مقيتة تشترط انتماء المرشح إلى فئة معينة. . . .

قبل بضعة أيام استمعت لخطبة ألقاها الشيخ (صاد) في مدينة الوردية ببابل (2), قال فيها: ((انتخبوا أيٍ كان, حتى لو كان يكذب عليكم)), ويقول: ((انتخبوهم حتى لو كانوا يقولون ما لا يفعلون)), في مخالفة صريحة لقوله تعالي في محكم كتابه المجيد: ((كَبُرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))(3), وحسبك أن الله جل شأنه جعل المقت عنواناً للانفصام بين القول والعمل, بل جعله أكبر المقت, وأشد البغض, بينما يبرر الشيخ كلامه بلغة متشنجة, يُفهم منها: ان المفسد الذي ينتمي إليك أفضل من النزيهة الذي ينتمي إلى الطرف الآخر, وبكلام يراد منه: ان الأمي والجاهل الذي ينتمي إليك أعلى كعبا وأرفع درجة من العبقري والعاقل الذي لا ينتمي إليك, ونستنتج منه: ان الظالم الذي تعرفه خير لك من العادل الذي لا تعرفه. .



نظرية عجيبة, ومعادلة سياسية غريبة, لا يقرها عقل, ولا يقبلها منطق, وليس في المجلس من يستطيع الوقوف بوجهه ويناقشه أو يرد عليه, فالرجل يتخندق في الخنادق الطائفية المغلقة, ويتحدث مع الناس (بتفويض شرعي), لا يقبل التحاور ولا التشاور. .

لا مجال للمقارنة في أي زمان أو مكان بين الدين والتظاهر بالتدين, فالدين هو المنهج المقدس, الذي يحتوي على مجموعة من العقائد والمفاهيم والأحكام والأخلاق والممارسات المرتبطة بذلك المنهج, اما التظاهر بالتدين, أو (التدين النفعي) فهو صفة وصولية وخصلة انتهازية يتصف بها المرائي الذي يسعى للوصول إلى مكانة اجتماعية أو لتحقيق أهداف شخصية, أو مكاسب سياسية, من خلال استغلال الناس والتقرب منهم لكسب مودتهم, وتسخير الدين لخدمته, ومثل هؤلاء تجدهم دائما حيث توجد المكاسب والمصالح الدنيوية, لكنك تفتقدهم في الشدائد والمحن. .

فالدين حقيقة, والتظاهر بالتدين خدعة, وليس الدين أو المذهب أو الطائفة نقابة من النقابات, أو جمعية من الجمعيات حتى يتعصب المرء في مواقفه إلى حد التقاطع والتنافر مع الآخر, ولا هو نزعة عشائرية متعصبة تؤمن بشعار (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً), ولا هو مجرد كلمات يرددها المرشح على لسانه, ومظاهر خداعة يتظاهر بها أمام الناس, وعبارات منمقة يتشدق بها في المناسبات من دون أن يكون لها أثرها الملموس في سلوكه, ومن دون أن يترجمها إلى واقع حي يراه الناس, فيكون هذا الواقع العملي الظاهر والالتزام به مؤشراً على الإيمان الصحيح وعمقه في نفس صاحبه. .

فهو لا يتحدث هنا عن المفهوم الشعبي المؤمن بمقولة: (الشين الذي تعرفه أفضل من الزين الذي لا تعرفه)), بل يسعى لتأسيس فكرة طائفية قائمة على نبذ الآخر والتشكيك بنواياه, وقائمة على تأجيج الخلافات القديمة, وقائمة على التقوقع في خنادق الصراع الطائفي, ويسعى لتسويقها في المجالس والمساجد باعتبارها تمثل التوجه العام للدين, تمهيدا لخدمة المرشح المخادع, الذي يقول ما لا يفعل, ضاربا بمصالح البلاد عرض الحائط. .

من المفارقات المرصودة على الساحة العراقية ان توجهات الشيخ (صاد) تتناقض تماما مع توجهات بعض الأحزاب الدينية, التي خاضت تجاربها المتعثرة في حلبات العملية السياسية, وغادرتها من دون أن تحقق أي مكاسب, فوجدت نفسها مطالبة برفع لواء الوطنية, والتلويح به في توجهاتها الجديدة وشعاراتها الرافضة لفكرة المحاصصة الطائفية, والمعارضة لفكرة التبعية لدولة الاحتلال, في محاولة للانطلاق من الصفر نحو بناء العراق على أسس العدل والإنصاف والمبادئ الصحيحة القائمة على التفاهم والتلاحم والتواد, وتعالت في الوقت نفسه الأصوات الأخرى الداعية إلى مقاطعة العمل السياسي لأسباب تأثيمية وتحريمية ذات نزعات وطنية رافضة للطائفية, بينما يتوقع المحللون ظهور أكثر من تيار وطني في المحافظات العراقية, التي أرهقتها المحاصصة الطائفية. .

ختاما نقول: ليس في نية الناس بعد الآن خسارة أصواتهم للمرة الثالثة أو الرابعة في سيناريوهات الخراب والانشقاق من أجل انتخاب الوصوليين والانتهازيين والمخادعين بغض النظر عن انتماءاتهم الشكلية إلى هذه الطائفة أو تلك. .

وخير ما نختتم به ردنا على الشيخ (صاد) هذه الآية الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))(4)

صدق الله العظيم

(1) عالم جليل ينتمي إلى القبائل العربية النخعية, ولد بكربلاء في العراق عام 1947, مارس التدريس والتأليف والتحقيق والإمامة, تجاوزت مؤلفاته المائة, توّجها بدائرة المعارف الحسينية, التي تتكون من (600) مجلد.

(2) اسمه يبدأ بحرف الصاد, والخطبة موجودة على اليوتيوب, لكننا نفضل عدم الإشارة إليها الآن حتى لا تكون نافذة من نوافذ تحريك الفتنة الطائفية.

(3) سورة الصف, الآية الثالثة.

(4) سورة النحل, الآية (125).