فقر وظلم وجهل @
قيل أن مشاكل المجتمع تتلخص في ثلاث: (ظلم وفقر وجهل) والظالم يصنعه الناس ليجعلهم فقراء بظلمهم وعدم إنصافهم، وفقرهم وغياب العدالة عنهم سيشغلهم ويجعل منهم جهلة، والناس أعداءاً ما جهلوا.
ليس الظالم هو الحاكم فحسب وإنما الحاكم هو أحد فروعه، فالظالم في البيت والشارع ومحل العمل وحتى من هو ظالم نفسه.
لا أعرف لماذا ارتبطت هذه المشاكل الثلاث في مجتمعاتنا على الدوام، فجاهل يتحكم وظالم يبطش وفقير مبتلى بداء الفقر في بلد غني.
لم يكن الظالم في الحكم وفي السلطة ظالماً لولا التملق له ومدحه على الدوام والسكوت عن صغائر أخطائه ليموت المادحين والمتملقين والساكتين عنه بفداحة أخطاءه اللاحقة التي أكلت الأخضر واليابس بعد أو وقع الفأس في الرأس.
فأساً يأبى إلا أن يبقى في الرؤوس ليحنيها ويبقيها في التراب على الدوام ولو بمسميات القانون والسيادة والسلطة والقوة والهيبة والرواتب والبنايات.
كما هو معروف أن في بعض الدول أموال ورواتب وخيرات وبنايات ولكن تتحكم بتلك البلدان عصابة من (آل فلان) (وحزب فلان) (وتيار فلان) (وطائفة فلان) حيث تسوق الشعب سوق الأغنام حيثما يريدون يرمون بهم وتؤدي بالبلاد حيثما اشتهوا ورغبوا، ولا يحق للشعب إلا أن يأكل ويغلق فمه فحسب، هذا لو أكل طعامه أصلاً...!!
ولا خير في لقمة طعام بذلة...!!
خانعين وخاضعين للدول الكبرى تسيّرهم حيثما تريد، فهم عبيداً لها وأسياداً على شعوبهم...!!
هم يتملقون للدول الكبرى، والسياسيين يتملقون لهم، والشعب يتملق للسياسيين ولهم، في سلسلة ذل وهوان لا تنتهي...!!
لا يوجد من يتملق للشعب لينال رضاه أبداً...!!
أليس يجب علينا اليوم أن نؤسس لمبادئ ومثل أخلاقية هي من صميم الواقع الاجتماعي عندنا...؟!
فالكرامة والعدالة والأنصاف وقول الحق والوعي أليست مجتمعاتنا تقول أنها تتفاخر بذلك وتؤمن به...؟!
وهو أيضاً من ثوابت الدين الإسلامي الذي يدين به أكثرنا وأن نكف عن التملق وكثرة المديح ونهتف بالحقيقة لكي لا يصير التملق لدى البعض سياسة...!!
قول الحق كما هو وليس أن تبدي عيوب جهة سياسية وطائفية وتخفي ما يميل قلبك له من عيوب جهة سياسية وطائفية أخرى لتغطيها وتحوّل الرذائل لفضائل بتبريرات سوف تنقلب عليك لاحقاً فتصبح ظالماً لنفسك.
وبداية النفاق تبريراً أحمق...!!
الظلم مراتب عديدة تبدأ بظلم الإنسان لنفسه حيث لا يفكر ولا يعي ولا يتنور، وتنتهي بظالم متجبر وقاسي...!!
وبين هذا وذاك مظالم كثيرة بأسم الدين والقانون والوطنية والطائفة والأموال.
بالنسبة للفقر فهو داء أكثر بلاء...
يقول قاتل الأبطال، في ساحات النضال، من لذكر إسمه كانت تخفي الرؤوس الرجال، علي بن أبي طالب (ع) حيث قال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)...!!
يجب قتله لفعله المأساوي وفداحته في تغيير سلوك وفكر وتصرفات الشعوب، ولكنه لم يكن يوماً رجلاً حيث أسقط رجالاً ورجال بسجنه الناري وغياهب لظاه.
قال أحد الحكماء: (الفقر رأس كل بلاء)...!!
إن تعريف الفقر في الدين الإسلامي ربطه بعض الفقهاء بالقصور عن إمكانية تغطية الكفاية من الحاجات الأصلية للمكلف و من يُعيله من أفراد أسرته.
وتعريف الفقر إنسانياً -دولياً- هو عدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية.
وقد عرّف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل بالفقيرة وهي تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن (600 دولار)...!!
وبهذا يصبح أكثر شعوبنا فقراء...!!
تصوروا أن هناك حوالي (45%) من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل...؟!
أي أن هناك فقراء في بلاد الأغنياء، وأن (30 مليون) فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية أي (15% من السكـان) وفي العراق حوالي (30%) من السكان يعيش تحت خط الفقر بلغ عددهم (7 ملايين) إنسان وفقاً لإحصائية في حوالي العام 2009 قامت بها جهات مختصة بذلك.
هذه دول تعلن هكذا إحصائيات فغيرها يخفيها ويحسبها من أسرار الدولة...!!
طبعاً مع اختلاف مقاييس الفقر، فالفقير في (اليمن) مثلاً لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في (السويد).
حيث فقيرنا بالكاد يأكل ويشرب ويسكن ويترفه ولا يوجد عنده من خيرات بلاده إلا النزر اليسير جداً، بينما في تلك البلدان يمتلك الفقير الكثير مما يمتلك متوسطي الدخل عندنا بل أكثر ولكنه فقير في مقاييس أخرى.
أرجع البعض السبب الرئيسي للفقر لسوء توزيع الثروة والدخول، ولسوء التنظيم، وكذلك للاتكال على الغير والتقاعس عن العمل بالنسبة للأفراد، وكذلك عدم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
ومن ثم يأتي الجهل بنوعيه البسيط والمركب، فالجاهل البسيط هو غير المثقف وقليل الدراية وقليل الدراسة والتحصيل العلمي، بينما الجاهل المركب هو الدارس وحملة الشهادات والشهادات العليا ولكنه جاهل بمقاييس الفكر والحنكة والدراية.
فكم من دارس مغفل وساذج وغبي...!!
وكم من غير دارس نبيه وذكي وفاهم...!!
والعلم نور والجهل ظلام...
يكمن العلاج من تلك المشكلات في زوال السبب للداء والبلاء فمشاكل المجتمع تتلخص في ثلاث: (1- ظلم، 2- فقر، 3- جهل) وعلاجها بعكسها.
عكس الظلم (العدل والأنصاف) وعكس الفقر (الغنى والرفاهية بكرامة) وعكس الجهل (العلم والفكر).